صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

ما هو الطاغوت في القرآن الكريم؟ (ح 2)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تكملة للحلقة السابقة عن الطاغوت في آيات القرآن الكريم قال عز من قائل "الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" ﴿النساء 76﴾ في سبيل الطاغوت: في نصرة الشرك و الظلم، و "قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ" ﴿المائدة 60﴾ عبد الطاغوت اي أطاع الشيطان او المخلوق في معصية الله، و "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" ﴿النحل 36﴾ واجتنبوا الطاغوت: كلّ معبود باطل و كلّ داع إلى ضلالة، و "وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ" ﴿الزمر 17﴾ اجتبوا الطاغوت: تركوا عبادة ما يعبد من دون الله.
عن خطبة الزهراء عليها السلام عن الطبرسي: (ليت شعري إلى أي أسناد استندوا؟ وإلى أي عماد اعتمدو؟ وبأية عروة تمسكوا؟) وقال سبحانه "فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى" (البقرة 256). قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم (الائمة من ولد الحسين عليهم السلام، من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى وهم الوسيلة الى الله تعالى). والمسلمون خطان خط الرشد وخط الغي. ان المؤمن لا يكتمل ايمانه الا ان يكفر بالطاغوت وقد قدمه الله تعالى قبل الايمان به "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 256). المتسلط الذي يزهو على الناس بسلطته. ويقابله قوله سبحانه في سورة البقرة 257 "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ".
جاء في الحج والعمرة في الكتاب والسنة لمحمد الريشهري: واحتذت الأمة الإسلامية في إعلان البراءة من المشركين حذو هذه الأسوة النبوية في التاريخ، والناظر في القرآن الكريم يجد فيه أن البراءة من المشركين أحد ركني التوحيد الأصيلين؛ حيث قرن دعوة الأنبياء إلى التبري من الطاغوت إلى جوار دعوتهم إلى عبادة الله "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" (النحل 36). و "الطَّاغُوتَ" لا ينحصر بالأوثان والأنصاب التي اصطنعت واتخذت في عصر الجاهلية، بل إن أجلى مظاهر الطاغوت هو تلك السلطات المشركة التي تسوق المجتمع إلى وجهة مغايرة لوجهة أنبياء الله تعالى. وهذا قول الصادق عليه السلام في بيان معنى الطاغوت في الآية السابعة عشرة من سورة الزمر: "وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا": من أطاع جبارا فقد عبده. والمهمة الأساسية هو التعرف على المؤامرة المعقدة التي حيكت في تاريخ المسلمين للتستر على أجلى مظاهر الطاغوت والشرك، لئلا تشعر المجتمعات الإسلامية الخطر من هذه الناحية، فتظل نظرتها إلى البراءة من المشركين حبيسة في نطاق البراءة من أصنام عصر الجاهلية الأولى. وقد كشف الإمام الصادق عليه السلام في عصره عن هذه المؤامرة الخطرة، وأعلن بصوت جهير: (إن بني أمية أطلقوا للناس تعليم الإيمان ولم يطلقوا تعليم الشرك، لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه).
جاء في زبدة البيان للمحقق الأردبيلي: أكد الله تعالى على الرعية التسليم لحكم الله ورسوله بقوله "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ" ﴿النساء 60﴾ أي ألم تعلم يا محمد أو ألم تعجب من صنع هؤلاء الذين يزعمون أنهم مؤمنون بما أنزل إليك من القرآن وبما أنزل من قبلك من الكتب مثل التوراة والإنجيل، ومع ذلك يريدون التحاكم إلى الطاغوت وقد أمرناهم أن يكفروا بها في قوله تعالى "فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ" ﴿البقرة 256﴾ يعني لا يمكن زعم الايمان وإرادة التحاكم إلى الطاغوت ففيه كمال المبالغة في المنافاة بين الايمان و إرادة التحاكم إلى الطاغوت. وقد اختلف في معنى الطاغوت قال في مجمع البيان وروى أصحابنا عن السيدين الباقر والصادق عليهما السلام أن المعني بالطاغوت كل من يتحاكم إليه ممن يحكم بغير الحق، ويريدون مفعول ثان لألم تر، ويحتمل كونه حالا "أَلَمْ تَر" بمعنى الم تنظر "وَقَدْ أُمِرُوا" جملة حالية فالآية دالة على تحريم التحاكم بل كفره وكأنه يريد مع اعتقاد الحقية والعلم بتحريمه إلى حكام الجور الذين لا يجوز لهم الحكم سواء كان جاهلا أو عالما وفاسقا، مؤمنا أو مخالفا يحكم له أو عليه، أخذ أو لم يأخذ بل بمجرد التحاكم والحكم، سواء كان موافقا لنفس الأمر أم لا، ويدل عليه الأخبار أيضا فليطلب من موضعه. ولا يبعد كون أخذ الحق أو غيره بمعونة الظالم القادر يكون مثل التحاكم إلى الطاغوت ولا يكون مخصوصا باثبات الحكم لوجود المعنى، وإن كانت الآية مخصوصة به، وله مزيد قبح فإنه يرى أنه أخذ بأمر نائب الرسول صلى الله عليه وآله وأنه حق التحاكم والظاهر أن تلك المبالغة مخصوصة به.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/10/26



كتابة تعليق لموضوع : ما هو الطاغوت في القرآن الكريم؟ (ح 2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net