مَا لِيَ لَا أَرَى الهُدهُدَ»؟
محمد باقر الحسناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد باقر الحسناوي

لقبه الناس بصديق الفلاح أو صديق المزارع، طائر محظور صيده أو أكله، يعيش في المناطق الجنوبية والدافئة من قارتي آسيا وأوربا.
فهو يفضل الأماكن المعتدلة والدافئة، وما إن يقترب فصل الشتاء حتى يهاجر إلى الدفء جنوباً، ويفضل الأشجار والأماكن المثقوبة ليبني أعشاشه في موسم التكاثر، ويصدر صوتاً جميلاً ليجذب الإناث إليه.
يمتلك قوة بصر قوية تساعده على رؤية الماء من بعيد جداً، وله إحساس وقابلية لمعرفة أماكن وجود الماء تحت باطن الأرض.
طائر جميل يصل طوله إلى (27-30)سم، وله منقار قوي اسطواني طويل مدبب برأس معقوف قليلاً ليساعده على التقاط الحشرات والديدان.
يكون لونه من تدرجات اللون البني إلى الكستناء، أما جناحاه فهما باللون الابيض والأسود.
وذيله طويل داكن، ويقوم برش رذاذ أسود كريه الرائحة عند شعوره بالخطر، وهي كوسيلة دفاعية لهذا الطائر الجميل.
عندما يوجد الهدهد في مكان معين، فذلك يعطي إشارة إلى نظافة المكان وخلوه من الملوثات الكيميائية والحشرات.
يُكنى هذا الطائر الهادئ (بأبي الربيع أو أبي الأخبار)، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز قصة الهدهد مع نبي الله سليمان (عليه السلام)، وهذه القصة تتجلى بآيات الله البينات في سورة النمل المباركة، إذ سخر الله تعالى لنبيه كل شيء لتلبية حاجات ومتطلبات الحكم، وليكون عوناً ونصيراً على أعدائه.
فلو تأملنا سورة النمل المباركة، لوجدنا إعجازاً قرآنياً تجلى في بطل القصة، وهو الهدهد وأسلوب كلامه مع نبي الله سليمان(عليه السلام)، وذلك يعطي دلالة واضحة على ذكاء هذا الطائر وفطنته، وسرعة تنقله وقوة دفاعه وتحمله للجوع والعطش.
لذا نرى أن الله تعالى قد سخر هذا الطائر لمدينة سبأ ليكون سبباً لهداية مدينة بأكملها، وعندما ندقق في سرد القصة في سورة النمل، نلاحظ كيف أن الله تعالى نقل لنا التقرير الذي جلبه الهدهد لنبي الله سليمان الذي كان يحكم الجن والإنس والوحوش والحيوانات وكل ما خلق الله تعالى.
وهذا الحوار يظهر قوة ذكاء هذا الطائر، وأسلوبه المقنع بحيث جعل النبي سليمان يصغي لحديثه، ويخفف من غضبه، ويبرر عدم وجوده عندما طلبه النبي، وعندما بدأ بالحديث بدأ بجملة «أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ»(1)، أي: أطلعت على أمر، وبالرغم من كونك ملكاً نبياً، إلا أنك لا تعرف البيانات المهمة التي جئت بها من مدينة سبأ.
وهذا الأسلوب يسمى عندنا اليوم بـ(السبق الصحفي)، وقد جاء بتقرير فريد من نوعه على الرغم من كون ناقل التقرير طائراً صغيراً، ولكن روعة الأسلوب في النقل وشد حواس المتلقي جعلت الهدهد محط إعجاب النبي سليمان (عليه السلام) من خلال التقرير، وهذا الطائر لم ينقل مارأته عيناه من جمال المدينة وعظم عرش ملكتهم، لكنه أدرك بفطرته السليمة نية السجود، على الرغم أن السجود واحد، فكيف عرف الهدهد أن سجودهم للشمس وليس لله تبارك وتعالى؟
ثم إن الهدهد ذكر كلمة حيرت العلماء في قوة ذكاء وفطنة هذا الطائر، وهي كلمة ((لايهتدون)) في آية «وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ»(2)، وهي دليل على أن الهدهد كان مؤمناً مهتدياً يعرف الله تعالى ..
هذا الإعجاز القرآني، وهذه السورة بالذات، أوضحت بشكل جلي في استخدام أقل عدد من الكلمات للتعبير عن أكبر عدد من الأفكار، وكذلك تعلمنا من هذا الطائر فن الحديث واستخدام الألفاظ الذكية لجذب المتلقي، فكان الهدهد خير مثال للإعلامي الناجح والمتمكن من نقل الخبر بالصورة المشوقة والصادقة اليقينية، لا افتراء أو تزويراً أو كذباً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النمل: آية: 22.
(2) سورة النمل: آية 24.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat