الوجه الآخر لدحو الأرض
فاطمه الركابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فاطمه الركابي

مما ورد في وصف يوم دحو الأرض عن إمامنا الرضا(عليه السلام) إنه قال: «يَوْمٌ نُشِرَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَدُحِيَتْ فِيهِ الْأَرْضُ، وَنُصِبَتْ فِيهِ الْكَعْبَةُ، وَهَبَطَ فِيهِ آدَمُ عليه السَّلام»(1).
نجد أن هناك تسلسلاً مقصوداً في الرواية، كيف لا، وهي صادرة عن الراسخين بالعلم! اذ بعد أن تحدث الرواية عن غاية هذا اليوم وهي نشر الرحمة الالهية، ثم ذكر(عليه السلام) انبساط الأرض، ثم تثبيت رمز التوحيد وهو الكعبة، ثم هبوط آدم(عليه السلام) الذي يمثل حجة الله وخليفته المرسل الى خلقه.
فكأنها تشبيه لحال الإنسان الذي قلبه أرضه، وعقيدته غرس الله تعالى فيه، واتباعه وانقياده وتسليمه لحجة الله المجعول من قبله في ارضه هو ثمره، وزاده الذي يجعله مستقيماً في دنياه وينجيه في أخراه.
ونحن نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة هذه الفقرة -في ذكر مقامات الأئمة عليهم السلام- إنهم: [مَعْدِنَ الرَّحْمَةِ](٢)، فهم أعلى مصاديق رحمة الله تعالى، وفي زماننا رحمة الله الواسعة هو الحجة ابن الحسن(عجل الله تعالى فرجه)، الذي يسعى كل مؤمن مُنتظِر أن يكون ممن يُشمل برحمته، ويَنال الفوز بقربه، ونصرته، في غيبته وعند ظهوره.
كما ونجد أن هناك تركيزاً كبيراً في الدعاء المخصوص قراءته بيوم دحو الأرض اولاً بمضامين تكشف عن وجود علاقة لهذا اليوم بإمام العصر والزمان(عجل الله تعالى فرجه)، وثانياً بمضامين تركز على رفع همة وسقف مطالب الداعي في سيره وتكامله إذ نقرأ في هذه الفقرات: [اللّهُمَّ ادْرِكْ بِنا قِيامَهُ، وَاشْهِدْنا أَيَّامَهُ،...](٣)، فهو لا يطلب أن يكون حاضراً في قيام دولة إمامه المرتقب فقط، بل يترقى في الطلب، بأن يكون هو من أسباب تعجيل وتحقيق قيام تلك الدولة إذ قالت الفقرة (إدرك بنا) وليس(ادركنا).
ثم في فقرة اخرى يقول: [وَاجْعَلْنا مِنْ صَحْبِهِ](٣)، هنا لا يطلب أن يحقق في نفسه (النصرة) فقط بل يطلب أن يكون من زمرة (الصحبة)، وهذا مقام اعلى، وفيها إشارة لتحفيز الداعي لتحقيق الاستعداد الأكمل في نفسه، فهذا اليوم وغيره من الأيام التي فيها نفحات الهيه خاصة تكمن أهميتها في أن يكون المحيّ لها، المتواجد فيها، واعياً لرسائلها التي لو قرأها وتأمل فيها جيداً لوجد فيها الخير والفيض الكثير الذي يمكن أن ينقله في مسيره من حال الى حال أحسن وأكمل.
وختاماً: ألا نقول في ندبتنا لإمامنا(عج): [أَيْنَ الْمُنْتَظَرُ لإِقامَةِ الاَمْتِ وَاْلعِوَجِ](٤)، فليس إقامة الاعوجاج في الأرض رحمة إلهية فقط بل إقامة الاعوجاج الذي في القلوب، والميلان الذي في النفوس للهوى والأنا، بتهذيبنا لأنفسنا وعلى يد إمامنا القائم(عجل الله تعالى فرجه)هو خلاصة الرحمة الإلهية المرجوة.
-------
(١) وسائل الشيعة: ٤٥٠/١٠.
(٢) مصباح الزائر: ٤٦٠.
(٣) الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة: ٢/ ٢٨-٢٩.
(٤) بحار الأنوار: ١٠٧/٩٩.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat