اتجاهات التسليم الفكري والمعرفي عند الإنسان
د. علي زناد كلش البيضاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ما زالت فضاءات المعرفة للتأمل تتسع في آفاقها ، والعطاء النقي في موضوعات غنية تجتذب الباحثين لبذل جهود علمية حثيثة في الوقوف على تخوم الحقائق قدر الإمكان ، وواحدة من هذه الحقائق أن بوصلة التسليم الفكري والمعرفي عند بني البشر تتجه بالاتجاه الحسي ( المحسوسات ) أكثر مما هو غيّبي ( عقلي ) ، لأن الإنسان بصيرورته الخَلقيّة خُلقَ حسياً أكثر منه عقلياً بل أن مقياس التحسس والتأثر للإنسان يتفاعل مع حسه أكثر من عقله بحسب طبيعة جهازه المعرفي وتكويناته المختلفة ، بلحاظ أن جملة من المفاهيم والتصورات العقلية العامة حتى وأن تكرست وتجذرت في التصورات الذهنية للإنسان وسلمَ بها تسليماً إلا أنها في الحقيقة لا تُحدث هزة ولا حركة كبيرة عنده تتلائم مع مستوى هذه المفاهيم والتصورات ، بينما نجد أن الرؤية الحسيّة تنعكس بصورة واضحة ويمكن ملاحظتها بجلاء على روحه ومشاعره وعواطفه ، بمعنى آخر أن المقياس التقابلي بين الحس والعقلي قطعا ستكون كفتهِ الراجحة للأول دون الثاني ولهذا نلاحظ أن شدة الارتباط بالمسموع والمنظور أكثر من التصورات العقلية المجردة ، وليس من باب الصدفة أن نجد أن أكثر معجزات الأنبياء كانت حسيّة أكثر مما هي عقلية لأن النبي وهو يسير باتجاه التثبيت لرسالته وغرسها في نفوس الناس يتجه بطبيعة الحال للأقرب لهم وما يُسلّمون أو يعتقدون به ومعنى ذلك أن المحسوسات هي أبلغ أثراً وأكثر تأثيراً في الأبعاد لمختلفة والعوالم المكونة لشخصية الإنسان ، بل أن طلبات الناس للأنبياء لمعرفة صدق دعواتهم كانت حسيّة عيانيّة أكثر مما هي عقلية ( غير منظورة ) فضلاً عن معجزات الأنبياء العديدة ودلالة التأصيل القرآني أكدت ذلك من قبيل " وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)  ) سورة الإسراء (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)) سورة المائدة (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)) سورة آل عمران (قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)) سورة الأعراف (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)) سورة الأعراف ، أو كما في قصة الطوفان في زمن النبي نوح (ع) (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) ) أو ما جرى للنبي إبراهيم (ع) في عدم احتراقه بالنار  (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)) سورة الأنبياء ،

وأوضح معجزة مستمرة هي القران الكريم لنبينا الأكرم محمد ( ص وآله ) بتحديه لهم بالإتيان بمثلهِ (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) سورة البقرة ) والأمثلة كثيرة لا مجال لذكرها خشية الإطالة ، كما لا يفوتنا أن نذكر أن مستوى الإدراك الحسي يقع على مستويات حتى عند الأنبياء فمنهم من يرى الوحي في منامه ومنهم من يراه عياناً مثل نبينا الأكرم الذي ذكرت الروايات إنّه ( ص وآله ) كان يرى الوحي بصورة دحية بن خليفة الكلبي ، ولهذا هناك فارق كيفي بين الحس والرؤيا المنامية ، إجمالاً أن الإنسان ذا طبيعية تسليمية للجانب المحسوس أكثر من

المعقول بحكم المستوى التصديقي ، ومن أفضل ما خط اليراع ، وأجمل ما مر على الأسماع ماوجدناه عند السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس) وهو يكتب عن هكذا موضوعات.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د. علي زناد كلش البيضاني

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/09/29



كتابة تعليق لموضوع : اتجاهات التسليم الفكري والمعرفي عند الإنسان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net