صفحة الكاتب : نزار حيدر

 عْاشُورْاءُ السَّنَةُ التَّاسِعةُ  [١٣] [عَمادان]
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بينَ الصِّدق الذي يُنزل النَّصر كما يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاًأَوْطَانَهُ} والدَّجل الذي يصفهُ (ع) بقولهِ {وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ وَلَا اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ وَايْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً} شعرةٌ هي التيتُميِّز بينَ المفهُومَينِ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}.

   والشَّعرةُ هُنا هي السُّلوك حصراً فـ {الدِّينُ المُعاملةِ} أَو كما يصِفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) الإِسلامُ بقَولهِ {لَأَنْسُبَنَّ الْإِسْلَامَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي الْإِسْلَامُ هُوَ التَّسْلِيمُوَالتَّسْلِيمُ هُوَ الْيَقِينُ وَالْيَقِينُ هُوَ التَّصْدِيقُ وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الْإِقْرَارُ وَالْإِقْرَارُ هُوَ الْأَدَاءُ وَالْأَدَاءُ هُوَ الْعَمَلُ} فإِذا قالَ لكَ [زعيمٌ] بأَنَّهُ يُمثِّلُ [المُكوِّن الأَكبر] مثلاً فهوَ يحرَص علىحمايةِ سُلطتهِ من الضَّياع، أَو أَنَّهُ يضحِّي ليحمي حقوقِكَ وهوَ يريدُ السُّلطة لضَمان مُستقبلِ أَولادِكَ، أَو أَنَّهُ يكتنِز المال ليحفظهُ لكَ عندَ الحاجةِ! فلا تصدِّق كلامهُ قبلَ أَنيُصدِّق سلوكهُ كلامهُ، وعملهُ حديثهُ وإِنجازهُ خطابهُ!.

   يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ وَأَلَّا يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عَمَلِكَ وَأَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ}.

   عاشوراء أَرادت أَن تُميِّز بينَ الصِّدقِ والدجَل، بينَ الصَّادقِ والدجَّال، بينَ صاحبِ القضيَّة والذي يُتاجر بالقضيَّة! كَيف؟!.

   ليسَ بالخطابِ والرِّسالةِ والحديثِ والكلامِ فقط وإِنَّما بالسُّلوك والتَّضحيةِ.

   فعاشوراء فِكرٌ ونموذجٌ ولذلكَ فهي ليست مِثاليَّة كما أَنَّها ليست تراجيديا من المُستحيل أَن نتعلَّم منها ونهتدي بنورِها! وهي ليست غيبٌ بِلا حضُورٍ وإِلَّا لما كانَ الحُسينُالسِّبط (ع) حُجَّة.

   وعلى العمُومِ فإِنَّ مدرسة أَهلُ البيتِ (ع) تميَّزت عن غيرِها من المدارسِ بهذهِ الخِصلةِ التي توطِّئ لنهوضِ المُجتمعاتِ، والميزةُ هيَ؛ أَنَّ فيها علمٌ عظيمٌ وفِكرٌ قويمٌ وثقافةٌإِنسانيَّةٌ راقيةٌ تُنظِّم كُلَّ شيءٍ في سلوكِ الإِنسان الفَرد والإِنسان المُجتمع.

   وإِلى جانبِ ذلكَ فإِنَّها تُقدِّم للبشريَّة نماذِجَ خالدةً جسَّدت هذا العِلم وسجَّلت درُوس التَّضحية لإِنجازِ مُخرَجاتِ هذا الفِكر.

   وهي الخِصلةُ التي لا تجدها أَبداً في أَيِّ مدرسةٍ أُخرى.

   فمثلاً؛ عندما يتحدَّثُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) عن العدالةِ فهو لا يُقدِّم الفِكرة مُجرَّدة عن النُّموذج أَو يشرحها كعلمٍ جامدٍ بِلا تجسيدٍ عمليٍّ لا يُمكنهُ أَن يتطوَّر مع مرُورِ الزَّمنوتبدُّل المكان، أَو أَنَّهُ يقولُ شيئاً عن العدلِ ولكنَّهُ يتجاوزهُ عندما يواجهَ الحقيقةَ في أَوَّلِ اختبارٍ للفكرةِ فلا يُعيرُها أَهميَّة تُذكَر!.

   أَبداً، فكلامهُ عن العدلِ ممزُوجاً بنموذجٍ حقيقيٍّ وتجسيدٍ واقعيٍّ كتَوأَمينِ سِياميَّينِلا ينفصلانِ عن بعضهِما، فتقرأَ كُلَّ واحدٍ بالآخر، الفِكرة بالنُّموذج والنُّموذج بالفِكرةِ!.

   وهذا هوَ سِرُّ عظمةِ عليٍّ (ع) فما قالَ شيئاً إِلَّا وقدَّمَ لكَ نُموذجاً حتَّى يُسقطُ عنكَ الذَّرائع التي قد تلجأَ إِليها للهربِ من الإِلتزامِ بهِما، وأَقصد الفِكرة والنُّموذج.

   يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَاللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِوَغَاصِباً لِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْحُطَامِ وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وَقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً وَرَأَيْتُصِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُمُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَاعَقِيلُ أَتَئِنُّ مِنْحَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَتَئِنُّ مِنَ الْأَذَى وَلَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى!. 

   وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ فِي وِعَائِهَا وَمَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا فَقُلْتُ أَصِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَقَالَ لَا ذَاوَلَا ذَاكَ وَلَكِنَّهَا هَدِيَّةٌ فَقُلْتُ هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ أَعَنْ دِينِ اللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي أَمُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٍ أَمْ تَهْجُرُ وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَاللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا لِعَلِيٍّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى وَلَذَّةٍ لَا تَبْقَى نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَقُبْحِالزَّلَلِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ}.

   هذهِ الفِكرة التي تدورُ مدارَ الحديثِ عن العدلِ، جسَّدها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بحذافيرِها، وهوَ بهذا النَّص يُشيرُ إِلى تُجَّار المُقدَّسات الذي يُوظِّفونَ الدَّجل والتَّزييفوالتَّضليل للإِلتفافِ على فكرةِ العدلِ، تارةً بالفسادِ الذي يُبرِّرونهُ بالقُربى كَون {الأَقربُونَ أَولى بالمَعرُوفِ} وما أَكثرَ هذا النَّوع من الفسادِ في البِلادِ، وتارةً بالتَّلاعُبِ بالأَلفاظِوقلبِ المعاييرِ لتبريرِ الفسادِ فيُشرعِنُونَ الرَّشوة بعنوانِ الهديَّة وسِرقة الدَّولة بالمالِ مجهُولِ المالكِ وهكذا!. 

   عاشوراء كذلكَ، فلقد ابتُلِيت بالدَّجَّالينَ والمُضلِّلينَ الذين يُوظِّفُونَ العواطف والشَّعائر والعَبرة للإِستئكالِ بها.

   إِنَّهم من أَخطرِ التجَّار لأَنَّهم يأتونَ النَّاسَ عن دينِ الله كما يصفهُم أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ للدجَّال المُرتشي {أَعَنْ دِينِ اللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي}.

   مِن كُلِّ ذلكَ نفهم لماذا تخلَّفنا؟!.

   لأَنَّنا تركنا علوم أَهل البيت (ع) التي تُزكِّي سلوكيَّاتنا وتصقل شخصيَّاتنا وراءَ ظهُورِنا، وما نستذكرهُ منها فهوَ للمِنبر فقط وليس للعَمل، وبهذا ضيَّعنا النَّماذج فلم يرَالمُجتمع في [المُبلِّغ] نموذجاً يُحتذى!.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/09/07



كتابة تعليق لموضوع :  عْاشُورْاءُ السَّنَةُ التَّاسِعةُ  [١٣] [عَمادان]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net