صفحة الكاتب : محمد  عبد الجبار الشبوط

النظام القيمي للدولة الحضارية الحديثة
محمد عبد الجبار الشبوط

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كررتُ القول في مقالاتي السابقة ان "النظام القيمي" او "منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة" هي اهم ما يميز الدولة الحضارية الحديثة عن غيرها من الدول.

منظومة القيم العليا هي مؤشرات السلوك الحاكمة التي تجعل بامكان الدولة الحضارية الحديثة اقامة حياة سعيدة وطيبة ومرفهة للانسان، بما في ذلك تعظيم انتاجية المجتمع، والعدالة في التوزيع، وتحسين الخدمات، وتبسيط الاجراءات، و صيانة حقوق الانسان وكرامته.

وتمثل منظومة القيم العليا في عصرنا الراهن حصيلة التجربة البشرية الطويلة منذ ظهور الاشكال الاولى للدولة حتى الان، مرورا بكل الثورات التكنولوجية والعلمية والسياسية التي شهدها التاريخ البشري وصولا الى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة 10 كانون الاول عام 1948 ووثيقة أهداف التنمية المستدامة التي وُضعت من قِبل منظمة الأمم المتحدة في 25 أيلول 2015.

وفي المجتمع العراقي، وهو مجتمع اسلامي مخضرم، فان القران الكريم يشكل مصدرا مهما واساسيا في منظومة القيم العليا التي يمكن ان يتبناها المجتمع لاقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق. وهذه الفكرة تختلف عن الفقرة التي ذكرها الدستور العراقي في المادة (٢) التي تقول ان "الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع" وانه "لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام". ذلك ان هذه الفقرة تتحدث عن "الاحكام"، وانا هنا اتحدث عن "القيم".

ومنظومة القيم العليا التي تقوم على اساسها الدولة الحضارية الحديثة تنقسم الى منظومات قيمية فرعية تتعلق كل واحدة منها باحد عناصر المركب الحضاري الخمسة، وهي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، وتغطي مجالات حياة الانسان المختلفة في الاجتماع والسياسة والاقتصاد وغيرها.

ومحصلة هذه القيم انها تجعل الانسان عاملا منتجا في علاقاته مع الطبيعة والزمن (العلم والعمل)، وتضمن العدالة في توزيع منتجات هذه العلاقة.

وفي القران الكريم نلاحظ ان منظومة القيم الحضارية العليا تقوم على مبدأين مهمين هما: الاول هو توحيد الله، بما يحرر الانسان العبوديات المختلفة وخاصة العبوديات للجهل والخرافة والتقليد الاعمي والعبودية الطوعية وعبادة الشخصية، والثاني هو استخلاف الانسان في الارض الذي يعني حق الجماعة البشرية في حكم نفسها بنفسها ونفي الاستبداد والدكتاتورية، واعمار الارض والاستمتاع بخيراتها. ثم تتفرع من هذين المبدأين القيم العليا الاخرى مثل الحرية والمساواة والعدالة وغير ذلك.

وتقع على المجتمع والدولة مسؤولية نقل هذه القيم من جيل الى اخر، مع الاخذ بنظر الاعتبار التطورات والتغيرات التي تحصل في المجتمع البشري خلال مسيرته التاريخية. وهذا ينفي الجمود على تطبيقات ومصاديق محددة للقيم وان كانت مفهوماتها تتسم بالثبات والبقاء. وهذا ما اشار اليه القران الكريم بقوله:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ."

ومنذ القدم، وخاصة في العصور المتاخرة، كانت المدرسة تمارس الدور الاساسي في تنشئة الاجيال الجديدة على منظومة القيم العليا للدولة الحضارية الحديثة. ومن هنا تضع الدولةُ الحضارية الحديثة المدرسةَ، بما في ذلك المناهج والطلاب والمدرسون، في رأس اهتماماتها. ويتمثل هذا في النظام التربوي الحضاري الذي تتبناه وزارة التربية وتحرص على تطبيقه في مدارسها. ولا يشذ عن ذلك المدارس الاهلية والخاصة التي يجب عليها الالتزام بهذا النظام التربوي الحضاري.

ومن هنا يصح القول ان الاصلاح في اي بلد، وخاصة في العراق، يجب ان يبدأ من المدرسة، على ان تستغرق العملية الاصلاحية في بعدها التربوي ١٢ سنة يمضيها الطالب في صفوف المدرسة من اجل ان تتحول القيم العليا الى اتجاهات سلوكية ثابتة في شخصية الطالب.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد عبد الجبار الشبوط
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/23



كتابة تعليق لموضوع : النظام القيمي للدولة الحضارية الحديثة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net