تباين الموقف الأوربي تجاه تركيا ..بين الطرد والاندماج
سيف عامر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سيف عامر

ليس بمستغرب ان تتقاطع القرارات داخل القارة العجوز تجاه أنقرة اللاعب الذي دخل مؤخراً بقوة الى الساحة الدولية والإقليمية بعد سنوات من السبات..فموقع تركيا الجغرافي الذي يعتبر حلقة استراتيجية بين أوربا والشرق الأوسط والدور الجيوسياسي والاقتصادي الذي تلعبه الأخيرة مستفيدة من التناقض في المواقف الأوربية اليوم ,ناهيك عن رؤية تركيا ضرورة انضمامها الى المؤسسات الغربية والاندماج في كل ما هو غربي هدفاً سامياً للنهوض بتركيا الحديثة , جعل أنقرة في موقع يستطيع ان يفرض شروطه ولو مؤقتاً !, هذه الأسباب وغيرها أجبرت قادة الاتحاد الأوربي على ان يعيدوا النظر في مواقفهم وقراراتهم و يعيون كيف تدار قواعد اللعبة ليطلقوا رصاصات تحذيرية تجاه خصمهم في التوقيت المناسب وخير دليل على ذلك الأصوات التي تطالب اليوم لضم فلندا والسويد لعضوية حلف الناتو , واستنكار تركيا لهذه الأصوات الأوربية الجريئة التي ربما قد تتطور لقرارات على الأرض بزعم إيواء هذه الدول جماعات تابعة لـ( بي .كا .كا) , والموقف الذي لا يقل خطورة عن سابقه و الذي جعل القادة الأوربيون يتأنون تجاه طرد تركيا يتعلق بطبيعة علاقة أنقرة بروسيا فإذا ما تم إقصاء الأخيرة من حلف شمال الأطلسي ليس أمام تركيا غير ان تصبح حليفاً فعلياً لروسيا والتي بدورها ستصبح على أبواب البحر المتوسط وهذا الأمر لا يخدم المصلح الأوربية و الأمريكية مجتمعة .. ولا ننسى أيضا ًإبعاد أنقرة سيخل بالتوازن الأمني في منطقة الشرق الأوسط الذي سيكون بدوره معقداً بشكل أخطر من السابق إذ أن للأتراك وجود عسكري كبير داخل سوريا, ولكن من جانب آخر يستطيع قادة حلف شمالي الأطلسي ان يلعبوا على أوراق قد تضعف تركيا مستقبلاً , من قبيل ما تشهده أنقرة اليوم من ارتفاع معدلات التضخم الاقتصادي بالإضافة الى انخفاض العملة التركية بأكثر من 60% خلال العامين الماضيين , ويعود ذلك في جزء كبير منه الى سوء إدارة أردوغان للاقتصاد بسبب سياسته الاستبدادية المعروفة التي تتمثل بصعود اليمين المتطرف وتدخل الأخير في آلية عمل البنك المركزي التركي , ولهذا ليس أمام الأتراك غير الرضوخ أمام المساعدات الخارجية الأوربية – الأمريكية وبالتالي اتخاذ مواقف أكثر منطقية بشأن عضوية فلندا والسويد . إضافة الى ذلك تعد تركيا دولة في أفضل وضع يؤهلها لتحقيق التوازن مع إيران التي تتعاظم طموحاتها ونفوذها بالتزامن مع شراكتها المتزايدة مع كل من روسيا والصين ,
ومن هنا ليس أمام قادة الناتو غير اللجوء لتبني سياسيات واستراتيجيات من شأنها إضعاف أنقرة وتحجيم دورها عبر المزيد من الضغوط الاقتصادية واللعب على ورقة حزب العمال الكردستاني لأن إبعاد أنقرة لا يصب في صالح أمريكا وأوربا خصوصاً وان الأخيرة لا زالت تمتلك أدوات تستطيع ان تؤهلها في موقع القوي مستفيدة من جملة من الاضطرابات والانفكاكات التي لا زالت تعصف بالمنطقة والعالم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat