علی حافة النهر كان صیاد عجوز يقف وجيدا . ولم تكن
الوارس التي اخدت تغوص الى صفحة النهر ، قد كفت عن
الزعيق بعد . راقبها الصياد وهي تتعارك في الفضاء ، متأملا
اجنحتها الفضية التي أخذت تنثر حولها رذاذا يتوهج تحت أشعة
الشمس الدافئة . ونظر الى السكة الصغيرة - سبب العراك – وهي
تفلت من المناقير المشرعة ، و تتلوى في الفضاء كدودة صغيرة
. و تسقط في النهر ، وبدت السفن الراسية على الجانب
الآخر وهي تنفث دخانها الأسود كما لو كانت جبالا متحركة
تأملها الرجل مبهورا ، وشعر بتلك الرهبة الغامضية التي تتملكه
أحيانا إذ ننظر الى تلك السفن السود الضخمة ، فيستمع الى
هدير سكائنها تحت الماء ، وينظر الى الموج؛ إذ يندفع بعنف الى
الشاطىء مبللا ساقيه العاريتين . فكان يبتعد متذمرة ، حاملا عصاه
ذات الصنارة ، وقد خيل اليه أن الدنيا ستغرق ؟
يتأمل السفن وهي تغادر المرفأ أو ترسو بينما الرجال
ينتحركرن فوق ظهورها كمجموعة من النمل . ويتساءل عما إذا
كان .. يراه نملا فعلا ؟
يظل يرقب المشهد شاردا، ناسيا المنارة في الماء ويتساءل ثانية
ولكن أين تذهب هذه السفن العملاقة كل يوم ؟
بعد قليل ، وكان الصياد يستعيد ذلك ، برز من وراء الهضاب القريبة الواطئة صبي ذو عينين خرزيتين , حليق الرأس
يحمل بيده حقيبة جلدية متهرئة ، وكان يلهث . توقف الصبي
وراح يرقب الفلينة الطافية . وقال بشكل فجائي :
لم لا تسحبها ؟
فوجىء الصياد . التفت الى الصبي : يا إلهي .. من أين خرجت ؟
أشار الصبي الى الفلينة : أقول انها تهتز . لماذا لم تسحبها؟
رفع الصياد الصنارة كالمخدر، وكانت خالية إلا من طعم
يتدلى من طرف الخيط السائب .
ابتسم الصبي : هل أنت صیاد ؟
تردد الصياد ، نفث سحابة من دخان لفافته ، وتأمل قدمي
الصبي العاريتين ، ورأسه الحليق ، ودشداشته المتسخة . قال :
انك تلهث . لماذا ؟
كنت أطاردها ، لقد كانت فراشة ذات ألوان مغرية
رسم الصياد على وجهه دهشة مصطنعة ، قال : وهل طاردتها
حتى هذا المكان ؟
-ليس تماما ، لقد افتقدت أثرها فقط ، کنت كلما قاربت أن
أقبض عليها رفرفت مذعورة .
- ولماذا فعلت ذلك ؟
- آنها هواية . اليس جميلا أن نلصق الفراشات في الدفتر ،
ناظرين إلى ألوانها الزاهية ، وغبار أجنحتها ، الطحيني الأبيض ،
متأملین كل صنف . لقد قال المعلم ان ذلك يخلق فينا حب
الاستطلاع .
لوح الصبي بيد حائرة ، و بهره نورس غاص الى النهر ،
والتقط سمكة صغيرة ، وارتفع محلقا . هتف الصبي معجبا ،
ودار حول نفسه بمرح ، فانتفخت دشداشته ، وكان الصياد يرقب ذلك ويبتسم . قال : من أين جئت
-من تلك القرية
والتقت مشيزة باتجاه بيوت طينية صغيرة تلمع رؤوسها
الصفيحية عند الأفق . استدار الصياد ، وظلل عينيه براحة يده
تأمل البيوت باسمة : آه .. يا لك من ولد محظوظ . آن قريتك
تشبه عقدة صغيرة من اللؤلؤ . ولكنك ابتعدت عن قريتك كثيرا.
ألا تخشى العودة بمفردك ؟
-كلا . لماذا ؟
-هل أنت هارب من المدرسة ؟
ارتبك الصبي.. أخفي حقيبته خلف ظهره ، وراقب الفلينة
و هي تتموج فوق سطح الماء . قال : انني شاطر في الدروس .
لكنني مللت فقط .
ألقى الصياد لفافته ، وراقبها وهي تطشطش في الماء ، ثم تناول
من علبة صدئة لفافة أخرى وأشعلها . قال :
-لقد كنت في يوم ما أهرب مثلك . والنتيجة اني نسيت
حتی حروف الهجاء .
-لكنني أعرفها جيدا . انتي في الصف الرابع . هل كنت أنت في
الصف الرابع ؟
-أوه . کلا ، كلا . أيامها لم يكن أي صفة إطلاقا . كنا
نجلس على الأرض ، ونكتب بقطع من الحجارة ، وفي النهاية
نتبول على أنفسنا دون أن ندري .
کرکر: الصبي ، واقترب من الصياد ، وقد شعر بشيء من
الألفة ، وجلس . وعلى الشاطيء الآخر كانت السحب الدخانية
تخرج من فوهات السفن لتؤلف أشكالا مبهمة وتذوب . زعقت
إحدى السفن وهدرت مراوحها تحت الماء ، وخيل للصبي أنها
حیوان خرافي جريح . وكانت النوارس لا تزال تصخب في
الفضاء , مرفرفة بأجنحة بيض ، ناشرة أقواسا من الرذاذ المتوهج،
وكان الهواء الربيعي يأتي من جهة الشرق مشبعة برائحة القداح
ورطوبة الأعشاب ، فيما ظهر على امتداد الأفق – خلف الصبي والصياد
- عشرات من أشجار البرتقال، تستدق رؤوسها كلما
اقتربت من الأفق حتى تتحول أخيرا إلى نقطة خضراء متوهجة
قال الصبي : هل تصيد كثيرا من السمك كل يوم ؟
لم يجب الصياد . راقب الفلينة التي أخذت تهتز ، وما لبث
أن سحبها . وإذ خرجت فارغة . ضحك بفتور : يبدو أن لدى السمك من الذكاء ما للانسان
. هل تصدق اني لم أصطد حتى ولا ضفدعة منذ ساعة ؟
ضحك الصبي ثانية ولوح بحقيبته . قال : ربما كانت هذه
البقعة خالية من السمك . هل انت صياد ؟
وضع الصياد طعما جديدا في السنارة : ليس تماما و اني
أولا أحصل على وجبة غذائي الشهية . وما يتبقى فهو للبيع ,
وهل تاكل سمكا كل يوم ؟
-آه .. انها الوجبة الأثيرة لدي".. فحين اقف في المطبخ
وانظر الى السمك في المقلاة و أشعر بسعادة غامرة : انها متعة
أن تنظر إلى ما اصدته فيما يملؤك إحساس بالبطولة .
-ولكن لم لا يقوم بذلك سواك ؟ أعني يساعد في البيت ؟
-ومن هو الذي يقوم بذلك ؟ لقد كبروا جميعا ، وانصرفوا
إلى زوجاتهم . أما هي فقد خلفتني وحيدا منذ سنوات .
- هل تعني زوجنات ؟
أجل ؟
وأين ذهبت ؟ هل تعني أنك طلقتها ؟
-كلا . ماتت .
رجم الصبي برهة . نظر إلى وجه الرجل المتجمد ولحيته
التي نبتت كالشوك، وتساءل فيما إذا لم يكن ثمة من يسأل عن
هذا الرجل لو غاب عن البيت ، أو حتى لو مات . وفكر في
أن يكون الانسان، حرا من كل قيد ، وقال :
-حسنا . أن أمي ميتة .
انتبه العجوز . التفت إلى الصبي الذي ترك حقيبته تسقط
إلى جانب ، قال :
-منذ متى
-في السنة الماضية .
-وأبوك ؟
-انه في الحقل كالعادة , يذهب في الصباح ولا يعود الا بعد العصر
-ومن يعتني بك في البيت ؟
-أحيانا أبي ، وأحيانا أخرى عمتي .
-لكنك تجد من يرعى شؤونك على أية حال . هل تدري انني
أقوم بكل شي وحدي ، أنهض كل صباح لأكنس الغرفة ، وأعد
طعام الفطور ، وفي الغداء والعشاء أفعل الشيء نفسه . أما غسل
الملابس فائني أقوم به وحدي أيضا . هل جربت أن تقوم بذلك وحدك ؟
-انني أعرف أن أقلي البيضة فقط .
وقد قالت عمتي أنني إذا انتبهت اليها وهي تطبخ ، فانه سيكون في مقدوري أن أفعل. مثلها تماما .
-ذلك صحيح ، ففي البداية ، وحين وجدت نفسي وحيدا ،
قلت أن ذلك سيكون شاقا بالنسبة لرجل مثلي . وكنت أدور في
المطبخ کسمكة دائخة . لكنني استطعت فيما بعد أن أفعل كل
شيء دونما تعب .
-وهل حزنت كثيرا حين فقدت زوجتك ؟
-طبعا .
-وهل شققت ثيابك وبكيت ؟
-يا إلهي . ولم ذلك !
-لكنني فعلت ذلك . شققت ثيابي حين رأيتها مسجاة أمامي ،
فيما عيناها البيضاوان تشخصان إلي . هل تراها كانت
غاضبة مني ؟
-كلا . لماذا ؟
-ربما لأنني كنت أتهرب من المدرسة أو أتعقب الطيور دون
أن أستمع الى نصائحها بالكف عن ذلك . أتزاها ، صفحت يعني ؟
هتف العجوز : أجل . ولا شك أنها كانت سعيدة وهي تراك الى جانبها .
**************
لم يكن الصبي والعجوز قد كفا عن الحديث بعد، وكانا
قد انتقلا الى مكان آخر حيث جلسا على صخرة ، وقد أدليا
أقدامها في الماء ۔ فبديا من بعید کطيرین مهجورین . وفکر
الصبي في روعة أن تمضي النهارات هكذا : هواء ربيعي، و بواخر عملاقة و نوارس نزقة ونهر يجري .
وقال متأملا المياه الجارية : هل هذه البقعة عمیقة ؟
ضحك العجوز : أنها تغرق جيلا إن شئت .
-ولكن ألا تخشى الغرق ؟
-من . أنا . ولماذا ؟
-لأنك لا تجيد السباحة .
حلق العجوز مندهشا : ومن أدراك ؟
-لا أحد . تكهنت بذلك
-فعلا . أنا لا أجيد السباحة .
-لكنك حياد ۰
أشعل الصياد لفافة جديدة . قال : حسنا . انه الشيء الوحيد الذي ندمت حقا لأني لم أتعلمه .
راقب الصبي الفلينة التي لم تهتز بعد .والمياه التي سكنت بعض الشئ . وهمس :
ـ هل فكرت بأن هذا النهر سيتوقف عن الجريان يومآ ويجف؟
تفاجأ العجوز :ياإلهي . ولماذه يجف؟ انه يجري منذ مئات السنين . بل قبل أن تكون المدن والناس والدنيا .
ـ لكنني أتخيـَّل الانهار جافه بينما السمك الميت يرقد في القاع . وقد شخصت عيونه الحمر في الفراغ .
ـ ولكن لماذا ؟
ـ لا أدري . ربما أنني تمنيت ذلك أول مرة وأنا أرى أمي تُدفن في المقبرة قرب النهر . فقد خطر لي ساعتها أن المياه ستغـيـّر مجراها . وتتجه الى المقبرة حيث أمي . وفيما نكون نحن في البيت تكون أمي شاخصه العينين . رافعهّ يدين مستغيثتين دون أن يكون ثمة من يسمعها .
وتردد الصبي لحظهّ وصـَمـَتْ . تأَمـَّله الصياد بدهشة . قال
- كم لك من العمر ؟
-ثلاثة عشر عامآ .
-وباء . ولماذه تتعب رأسك ؟ هل تدري بماذا أفكر أنا إذ أتهيأ للنوم ؟ انني أنظر من خلل الضوء الخافت الى ثيابها المعلـَّقة على المشجب . وأقول ربما هي ستعود في يوم ما لترتدي تلك الثياب . وتتزيـَّن ، حيث تتحدث في ما تحب : لقاؤنـا الأول ، ويوم زواجنا ، والبيت الذي كنا نخطط لبنائه . وحين أصحو
من تهويمتي ولا أجدها ، أقول ربما هي ستعود في يوم أخر .
وما هي إلاّ دقائق حتى أغفو وتأخذني سحابة من الأحلام الهادئة ، ثم أنهض من النوم صباحآ لأباشر الحياة من جديد . هل فكرت يومآ أن أمــَّك ستأتي لتقبـَّلك؟
-كلا . انني أفكر أنها حزينة تبكي .
- ولماذا ؟
- لكنها أمي . ألم تفعل أنت ذلك؟
-حسنآ . لقد نظرت أة الى زوجتي بألم ، وحملتها حيث القبر ودفنتها . وعدت الى البيت . هل كان في مقدوري أن أعيدها الى الحياة ولم أفعل ؟
ور ان الصمت برهة . وكانت الريح الخريفيه تهب هادئة ،
وكان الصبي ينظر بين لحظه وأخرى الى البيوت الطينية التي ما فتئت رؤوسها تلمع عند حافة الافق . وتساءل فيما إذا كان ما يقوله هذا الرجل صحيحهآ؟
راقب البواخر وهي تتهيأ للرسو ، ومجموعه الطيور التي تؤلف في الفضاء مثلثآ يتجه الى مكان ما ، فيما أصواتها الموحدة تأتي واضحة (قاق. قاق.قاق) وأجنحتهز تخفق بهدوء وتنعكس عليها أشعه الشمس فتبدو كقصاصات من الورق الملون . وهمس: من أين لهذه الأجنحة القدرة على الاستمرار؟
وكانت الطيور قد أصبحت بعيدة جدآ قطرات مائية تذوب . راقبها الصبي بصمت حتى اختفت . أشار باتجاهها:
هل هي تعرف الى أين هي ذاهبة؟
أجاب الصياد دون أن يلتفت : آه . هل تقصد الطيور ؟ وماذا تقول أنت؟
-أقول أنها ستتعب أخيرآ.
ابتسم الصياد : وتكون قد وصلت الى غايتها.
- ولكن الى أين هي ذاهبة ؟
- انها تعرف طريقها على أية حال.
نظر الصبي الى قرص الشمس و الأفق الذي بدا كبحيرة ملونة كبيرة . وهمس : يخيـَّل إليّ أنها تبغي قرص الشمس.
القرص الذي سيعُطس عما قليل في تلك البحيرة الهادئة ، ويحو ّل المياه الى ليرات ٍ ذهبية متوهجة . ثم تأتي الطيور لتخفق بأجنحة هادئة ، وتستحم بها . وإذ هي ترفرف صاعدة الى أعلى ينظر
الناس ضاحكين متسائلين : هل تبغي هذه الطيور الشمس حقآ؟
كان قد مضى على مجئ الصبي الى النهر أكثر من ساعة، مع هذا لم يكن قد رأى الصنارة تخرج بصيد ٍ ما . وإذ رفع الصياد للمرة العشرين صنارة خائبه ، ابتسم الصبي بفتور مراقبآ الطعم المتدلي من طرف الخيط ، والنورس الذي يلازم هذا العجوز اليوم ؟ وكان التعب يبدو واضحآ على الأخير الذي وضع الصنارة الى جانب ، وشرع يدخن لفافته بشرود . تناول الصبي الصنارة بحذر ، فحد ّ جه العجوز بنظرة غائمة . وقال : هل تبغي
الصيد أيها الصبي الهارب من المدرسة ؟ آه ..حسنآ . جرب .
جرب ّ . من يدري فربما اصطدت حوتآ . ولكن دعني أولآٓ القم الصنارة طـُعمآٓ .
بعد قليل ، وكان أحد النوارس يغوص مرتدآ ، مرتفعآ بسمكة ، لمعت في ضوء الشمس ، كان الصبي يرقب الصنارة والفلينة التي إهتزت بشكل غير طبيعي . صرخ فجأة . وبحركة ٍ لا شعورية إندفع الى الوراء ، فاضطربت بشدة في يده وكادت تفلت . غير أن الصياد الذي سمع الصرخة رمى لقافته ونهض مرتبكآٓ فرأى الصبي يعالج سمكة كبيرة انزلقت على الجرف وراحت تتلوى على الصخور . أمسك بذيل السمكة ، فانزلقت ثانية ، واندفعت الى الماء غير ان الصبي جذب الصنارة متراجعآٓ الى الوراء ، ساحبآٓ معه السمكة . وصاح العجوز : اسحب .. سحب.. ابتعد عن الجرف . انها سمكة بحجم حصان.
غير أن السمكة لبطن ، فارتفع جسمها الى أعلى وسقطت ثانية على الجرف ، فاندفع العجوز – لا شعوريآٓ - في محاولة للامساك بها، فزلـَّت قدمه ، واندفع جسده كصخرة ٍ كبيرة الى النهر
حين كان الصبي يعطي ظهره للنهر متجهآ الى البيت حاملآ السمكة ، كانت الريح تهب في وجهه هادئة ، بينما الطريق تتمدد أمام بصره ، وتنتهي بمجموعة من البيوت الطينية ، وبين الفينة والفينة تتناهى اليه أصوات مجموعة جديدة من الطيور
البيض حلق في الفضاء .مؤلفةً مثلثآٓ طائرآٓ ، بينما الأصوات . اتأتي اليه واضحة . قاق. قاق. قاق . ظل الصبي يتأمل أجنحتها الفضية . وصدورها المغزلية المنسابة بخفة الى جهة الشرق . وإذ حانت منه التفاتة حتى ان الصبي لم يصد ّق أن رجلآٓ مات فيه الساعة . وراح يتخيل عيني الرجل المذعورتين ووجهه الذي تحو ّل الى لون الشمع ،ويديه اللتين ارتفعتا الى أعلى برعب بينما الماء يجرفه الى العمق . وكانت الفقاعات المائيه تتفجر حواليه الواحدة اثر الأخرى ، ويخيم الصمت . وأدرك الصبي أن كل شئ قد انتهى وان رجل قد مات . وحين تلفــَّت حواليه ليستنجد لم يكن ثمة أحد بلمرة ، وفكر وقد أربكه الخوف بأنه لم يعد في الرأس يصلح لأن يقال . وكانت السمكة ما تزال تلبط على الجرف ببطء فيما الصنارة التي سقطت في النهر تطفو على سطح الماء الهادئ .
حمل السمكة وأرسل عينين خائفتين الى مجموعة طيور تمدّ مناقير سمرآٓ . لبرهةٍ فوجئ بطير يتخلـَّف عن المجموعة ويهوي الى أسفل ، مفردآٓ جناحيـه الى جانب ويختفي بين مجموعة أشجار عالية . وهمس بصوت ٍ مندهش: ما الذي جرى ؟
لكنه دهش أكثر إذ رأى المجموعة ، وقد مد ّت مناقير مطمئنة فيما أجنحتها تخفق في الفضاء كما لو لم يحدث أيما شيء . نظر الى قريته التي بدت على مرمى البصر ، فبدت كلوحة مؤطرة ، وكان في وسعه أن يسمع صخب الأولاد وصياح الدبكة ،ولغط الفلاحين . ابتسم في سر ّه ، قاطعآٓ مرتفعآ ترابيآٓ يشرف
على البيوت التي أصبحت في متناول يده . وضع السمكة الى جانب ، واتجه الى حيث يلعب الأولاد ، وكانت عيناه الخرزيتان تمتلئان بوهج الشمس التي مازالت ساطعة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat