حوارية في العدل الإلهي
سماهر الخزرجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سماهر الخزرجي

انتصف النهار، ومالت الشمس إلى الزوال، وما زلت أنتظرُ زميلي، حتى ترسب الملل لداخلي، فشرعتُ أُلملم أوراقي لمغادرة المكان، فما أن هممتُ بالوقوف حتى وجدته قائماً على رأسي وتعلو وجهه الابتسامة.
أشحت بوجهي عنه قائلاً: أمن العدل أن تجعلني أنتظر كل هذه الفترة !!
اتسعت ابتسامته حتى ملأت وجهه الشاحب، ثم جذبني للكرسي وهو يقول: العدل
نعم موضوع نقاشنا.
قلت له وما زال الغيظ يملأ جوانحي: إذن، على بركة الله لنكمل.
قلت لي: إن الله عادل، فما دليلك على عدله؟ ومالنا نرى الدنيا مُلئت ظلماً؟
اعتدل زميلي في جلسته، ثم أخرج حزمة أوراق مطوية من جيبه، ثم رمقني بطرفه قائلاً: للعدل يا صاحبي دليل نقلي وعقلي، وقبل الشروع بهما عليّ أن أبيّن لك معنى العدل.
فالعدل: هو أن لا يصدر الظلم والتعدّي والتجاوز من الفاعل القادر، فوجود القدرة الكاملة لا يتنافى مع الظلم، فكون الله قادراً لا يعني أنه يفعل الظلم، فحكمته تقتضي أن لا يصدر منه الظلم، فمثلاً من الظلم أن يُعذب المؤمن المطيع، ويكرم العاصي، فالعقل ينفي ذلك وهذا صور من صور عدله بالدليل العقلي.
قلت: زدني مزيداً من الصور.
قال: نعم لك ذلك، هل ترى من العدل أن يخلق الله عباده ثم يثيبهم ويعاقبهم من دون إرسال منذرين ومبشرين؟ ومن دون أن يكلفهم ليلقي عليهم الحجة البالغة؟
قلت: كلا هذا ظلم، فعلامَ يحاسبهم، ولم يبين لهم طريق الخير والشر، ولم يعلمهم تكليفه.
قال: أحسنت، هذا هو الدليل العقلي عليه، ثم إن انتشار الظلم هو بما كسبت أيديّ الناس، فإنهم لو التزموا بتعاليم الشريعة السمحاء لساروا على المحجّة البيضاء، لكن ابتعادهم عن الله وعن تعاليم السماء أوردهم موارد التهلكة والظلم.
انبريتُ إليه، وبدأتُ أختلس النظر لتلك الوريقات التي في قبضته، وأنا أتمم،
قلت: هذا ما لدينا من دليل عقلي، فما هو الدليل النقلي على العدل الإلهي؟
أجابني وهو يعيد ترتيب تلك الوريقات المطويات:ــ
يا صاح، هذه الوريقات التي تسترق النظر إليها جمعت فيها عدداً من تلك الآيات الكريمة التي تكلمت عن عدله سبحانه وتعالى، وسأقرأ لك بعضاً منها.
نفي الظلم عن اللّه تعالى في القرآن الكريم :
بسم الله الرحمن الرحيم
1 ـ {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18].
2 ـ {وَنَضَعُ المَوازِينَ القِسطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئاً} [الأنبياء: 47].
3 ـ {إِنَّ اللّهَ لا يَظلِمُ النّاسَ شَيئاً وَلكِنَّ الناسَ أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ} [يونس: 44].
4 ـ {فَما كانَ اللّهُ لِيَظلِمَهُم وَلكِن كانُوا أَنفُسَهُمْ يَظلِمُونَ} [التوبة: 70].
5 ـ {إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّة} [النساء: 40].
6ـ {وَما رَبُّكَ بِظَـلاّم لِلْعَبِيدِ} [فصّلت: 46].
7 ـ {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ} [آل عمران: 108].
8 ـ {وَما ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 33].
قلت: أحسنت.
لكن هناك سؤال يجول في خاطري وهو: إن كان الله عادلاً لمَ خلق الألم والمرض وغيرها؟
_الألم يا صاحبي هو من مصاديق عدل الله تعالى، فلولا الألم لم يشعر الإنسان بالأمراض التي في بدنه، فبدنه عبارة عن صندوق مغلق، والألم هو الذي يدقّ ناقوس الخطر لينتبه الإنسان، ويبادر للعلاج قبل أن يستفحل المرض ويشتد به، ومن جهة أخرى هي كفارة لذنوبه؛ لأن عذاب الدنيا قياساً بعذاب الآخرة هين وبسيط، وكي يخرج الإنسان من الدنيا خالصاً كالذهب المصفى يبتليه الله بأنواع الذنوب والبلاء وهذا من باب اللطف والعدل الإلهي.
هذا المقدار يكفي الآن؛ لأن لديّ التزاماً آخر. سنلتقي غداً بإذن الله تعالى.
ثم ودعني وانصرف، وقد زاد تعلقي في الله وإعجابي بحسن تدبيره لعبده.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat