«قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» {الأنعام/12} تتجلّى الرّحمة الإلهية في كثيرٍ من الآيات القرآنية بدءاً بإثباتها على نفسه، وصولاً إلى طلبه من الإنسان أن يرحم الناس (غير المحاربين لله ولأوليائه)، وقد أكّد الإمام علي (عليه السلام) على ربط رحمة الله للإنسان برحمة الإنسان بالإنسان، حيث قال: «ببذل الرحمة تستنزل الرحمة».
ومن الأمور التي شدّد الله تعالى فيها على بذل الرحمة وإعطائها الأهمية هي (الرحمة بين الزوجين) بحيث تكون مصدراً لتكامل هذه العلاقة ووصولها الى السّعادة، فكما ورد عن الرسول (ص) قال: «أحسن الناس إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وألطفهم بأهله، وأنا ألطفكم بأهلي».
كيف تتجلّى هذه الرّحمة بين الزّوجين؟
هذه الرّحمة تتحقّق من خلال إرشادات الرسول (ص) وأهل بيته والتي وردت في العديد من الأحاديث.
أولاً- التغافل والتسامح:
فمن الأمور التي دعانا اليها الإمام علي (عليه السلام) من خلال الحديث: «من لم يتغافل، ويغضّ عن كثير من الأمور تنغّصت عيشته» أن لا نقف على هفوات الآخرين والتدقيق فيها والمحاسبة عليها، وأن نترك فسحةً من التسامح والتغافل عن الأمور البسيطة التي من شأنها تنغيص الحياة الزوجية.
ثانياً- الإعانة والخدمة:
إنّ عمل المرأة في منزلها من تنظيفٍ وترتيبٍ ليس أمراً ملزماً، ولكنّ الله تعالى أراد للزوجة أن تنطلق في ذلك من دافعٍ ذاتي لا من قانونٍ مُلزم، لذلك بيّن تعالى الثواب الجزيل كمُحفّز لها في الكثير من الأحاديث، فعن الرسول (ص): «أيّما امرأةٍ خدمت زوجها سبعة أيام، غلّق الله عنها سبعة أبوابٍ من النار، وفتح لها ثمانية أبواب من الجنّة، تدخل من أيّها شاءت»(1).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول الله (ص) قال: أيّما امرأةٍ رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع الى موضع تريد به صلاحاً نظر الله عزّ وجلّ إليها، ومن نظر الله إليه لم يُعذّبه».
إلا أنّ ما ورد لا يعني حصر الخدمة بالمرأة فقط، فقد بيّنت الروايات كذلك ثواب خدمة الزوج لزوجته، ففي الأحاديث عن الرسول (ص): «خدمتك زوجتك صدقة» وأيضاً: «يا علي، لا يخدم العيال إلا صدّيقٌ أو شهيد، أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة».
ثالثاً- الاهتمام والإكرام:
لقد برز الحثّ على الاهتمام وإكرام الزوجين لبعضهما البعض وإبرازه في العديد من الروايات، كما ورد عن الرسول (ص): «من اتّخذ زوجةً فليكرمها، وخيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهنّ إلا لئيم».
ومن مصاديق هذا الاهتمام جلوس الزوج مع زوجته وباقي أفراد الأسرة بقوله: «جلوس المرء عند عياله أحبّ إلى الله تعالى من اعتكافٍ في مسجدي هذا».
ومن جميل ما ذُكر في حق الزوجة التي تهتمّ بزوجها قصة الرجل الذي قال للرسول (ص): «إنّ لي زوجةً إذا دخلتُ تلقّتني، وإذا خرجتُ شيّعتني، وإذا رأتني مهموماٌ قالت: ما يُهمّك؟ إن كنت تهتمّ لرزقك فقد تكفّل لك به غيرك، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله هماً»، فقال الرسول (ص): «إنّ لله عمّالاً، وهذه من عمّاله، لها نصف أجر الشهيد»(2).
والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1+2) الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة: ج20/ ص172.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat