روح صافية، ونفس طاهرة، فارسي الأصل، عبد لامرأة أسدية، اشتراك أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأعتقك، فأصبحت حراً، لكنك صرت بحبه مكبلاً، ولتراب قدميه عاشقا .
كنت تماراً تبيع التمر في الكوفة، ظاهرا كان ذاك، إلا أنك لأسرار إمامك كنت كاتماً، ولفيض علمه موضعاً.
اصطحبك إلى الصحراء كثيراً، غذاك من طيب كلامه، ورواك من عسل بيانه، فتنوّر قلبك بعلوم القرآن تنزيلاً وتأويلاً.
وهبك الله تعالى إيماناً راسخاً صلباً لا تخاف الظالمين، وقد عرف إمامك مكنون ما انطوى عليه فؤادك، وعندها سألك: كيف أنت يا ميثم إذا دُعيت للبراءة مني؟
فأجبته بثبات اليقين: والله لا أبرأ منك يا أمير المؤمنين.
لأنك تعلم علم اليقين أن البراءة من علي (عليه السلام) هي البراءة من الإسلام، وهو الكفر بعينه .
فكان جوابه (عليه السلام): إذن والله تُقتل وتُصلب .
فأجبته: أصبر، فإن هذا في الله قليل .
فأتاك الجواب الشافي: يا ميثم، ستكون معي في الجنة .
إيه يا ميثم، هنيئاً لك هذه المعية، وقد استبشرت أساريرك وتهلل وجهك.
فكنت تتعاهد نخلتك، تمر عليها وتسقيها، وتتحدث إليها وتناجيها: لك خُلقت ولي غذيت .
فعرفتك كما عرفتها، وسمعت صوت مناجاتك وصلاتك .
أيها الزاهد العابد، يا من يبس جلدك على عظمك من فرط تقواك وزهدك.
كنت كثير الثقة بما قاله إمام الموحدين، فوالله ما نبتت تلك النخلة إلا لأجلك، ولا غُذيت إلا لها.
وكم ابتهج قلبك حين أدركت أن نهايتك قربت، وستلتحق بحبيب فؤادك، عندما أخبرك الدعي بن الدعي أنه سيقتلك.
فأجبته بمنطق الأقوياء، وشمم النبلاء: أعلم ذلك، فقد أخبرني حبيبي أمير المؤمنين (عليه السلام) بمقتلي، وقطع يدي ورجلي ولساني، وبصلبي.
ولأنك شيعي علوي اضطهدوك، وصوت الحق الذي طالما ناديت به صموا آذانهم، ولم يسمعوك، وبوحشيتهم عاملوك، وإلى نخلتك أوثقوك، وللمنية أسندوك.
أرادوا أن يكبّلوا صوت الحق، فصدعت به بقوة بيانك، وذكرت مناقب إمامك.
تترجم شهد كلماته بلسانك .
فكنت في الإسلام أول من ألجموه، وطعنوك بحربة، فابتدر منخراك وفوك دماً، فاح منه عطر ولائك .
تخضبت شيبتك، وانتهكت حرمتك، وأنت عاشر عشرة، أقصرهم خشبة قريب من المطهرة .
يا صاحب الكرامات، وعالم بالحوادث والمغيبات .
وقبل أن تلفظ الأنفاس كم كنت تنادي: أيها الناس، سلوني فلقد غذاني أمير المؤمنين (عليه السلام) علماً، وأتحفني فهماً، والله لأخبركم بعلم ما يكون إلى يوم القيامة .
لم يرغبوا بكلامك، وزهدوا في روحك، وثقلت عليهم حجتك، وفي كناسة الكوفة كانت آخر أنفاسك، وهناك صار مثواك .
يا حواري أمير المؤمنين (عليه السلام) عشت برفقته سعيدا، والتحقت به ورحلت إلى ربك شهيدا .
فسلام الله عليك يا ميثم التمار ورحمة الله وبركاته .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat