﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران/ 64).
حينما نواجه نقاط الخلاف، مباشرة نعقّد حالة الحوار، وأن تحاور الآخر فأنت بحاجة إلى (ثقافة)، هذه الثقافة تسمى (ثقافة الحوار)، ليس كلّ من حاور الآخر يملك هذه الثقافة، وليس كل من يملك (ثقافة الحوار) يلتزم بهذه الثقافة في حواراته .
لا بدّ لنا أن نتطرّق لتعريف (ثقافة الحوار):
يُعتبرُ مفهومُ ثقافة الحوار مصطلحاً حديثاً إلى حدّ ما، بحيث انّه لم يترسّخ بشكل كبير في مجتمعنا بعد، وعند محاولة تعريفه لا بدّ من الفصل المبدئي بين الجزئين المكوّنين له وهما: لفظ الثقافة، ولفظ الحوار، بدايةً هناك العديد من التعريفات للثقافة، إلّا أنّ أغلبَها يجتمع في نهاية الأمر على اعتبارها مجموعةَ المعارف، والمسالك، التي تُشكّل معاً أسلوبَ الحياة، وشكلَ العلاقات في المجتمعات.
أمّا الحوار فيُرى أنّه القدرةُ على التفاعل بجميع أشكاله العاطفية، والسلوكية، والمعرفية مع الآخرين، الذي أسهم بشكل كبير بتبادل المفاهيم، والخبرات، ونقلها بين المجتمعات، وبين الأجيال المتعاقبة، ويتمّ من خلال التحدّث، والاستماع، ومن خلال ما سبق يُمكن النظرُ لمصطلح ثقافة الحوار؛ باعتباره نتاجاً خطابياً، وسلوكياً مُستلهماً من القيم، والمبادئ، ويتمثّل الدور الرئيسيّ فيه للحوار.
من الشروط الأساسية في لغة الحوار بحسب المنهج القرآني:
أولاً: أن تكون لغةُ الحوارِ نظيفة، لا يجوز أن يعتمد الحوار (لغة السبّ والتشهير والتسقيط)، القرآن يشجب لغة السبّ حتى مع الكفار «ولا تَسُبُّوا الذين يَدْعونَ من دُونِ اللهِ، فَيسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بغير علم».
ولغة السبّ تعبّر عن عجز وإفلاس، كما تسهم بتأجيج الخلافات وتشنيج العلاقات، وبالتالي لا نستطيع أن نتعرف على الحقيقة. القرآن يشجب لغة السبّ ويؤكد على اعتماد (اللغة النظيفة): «وجادلهم بالتي هي أحسن»، «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن». وحينما يؤكد القرآن على (اللغة النظيفة) لا يعني هذا عدم (البراءة والرفض) للكفر والضلال والانحراف ومواجهة قوى الشر والفساد في الأرض.
ثانياً: أن تكون لغة الحوار لغة لينة: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...»، «اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى...».
فمن خلال (الكلمة اللينة) نستطيع أن نفتح القلوب، وبالتالي نفتح العقول، ومن خلال الكلمة اللينة نخفف التشنجات ونعالج الأفكار في جوّ هادئ. إنّ الجو المنفعل يعقّد الكثير من التفاهم والتحاور.
وهنا نؤكد مرة أخرى أنَّ اللغة اللينة هي لغة الحوار والدعوة، أما إذا كان الموقف هو المواجهة والصراع والتحدّي لا بد من الكلمة القوية الشديدة التي تعبر عن (عنفوان) الإيمان، وصلابة العقيدة.
حتى في حالات الحوار والدعوة حينما يؤكد المنهج الإسلامي على (الكلمة اللينة) فإنّما هو في طبيعة الألفاظ، وأمّا الأفكار والمضامين يجب أن تكون قوية صلبة في الصياغة، وفي الحجة والبرهان، وكذلك يجب أن لا تحمل أيّ لون من ألوان المساومة والتنازل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat