صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة انطباعية في نص مسرحية (حيّ على كربلاء) للكاتب أثير محسن الهاشمي
علي حسين الخباز

  قراءة الذاكرة التاريخية لا تحتاج الى استعراض استنساخي، وإنما إلى قراءة ابداعية قد تتحقق عبر النظير الموضوعي، وعبر مصطلح الأنسنة، أي العمل على توحد العالم، ومعنى أن يكون كل شيء في هذا الكون يحمل سمته الانسانية بإضفاء صفات الانسان عليها، وجعلها تتكلم عن فرحها وحزنها، وإظهار مشاعرها بأسلوب مدهش.

 وفي نص مسرحية (حي على كربلاء) والتي كانت من ضمن المسرحيات المشاركة في مهرجان المسرح الحسيني الذي اقامته العتبة العباسية المقدسة للكاتب اثير محسن الهاشمي، طالب دكتوراه في كلية الاداب الجامعة المستنصرية.
  قدم شخصيات مسرحيته: (الماء، التراب، النخلة، الهاجس) وكأنه يبحث عن الصيرورة الكونية التي تحدد عمق الاثر، في سعيه للنظر في تلك المحن ومأساويتها لصيرورة الفعل الانساني الكوني، فالماء يقول في حوار:ـ أنا لا أريد أن أجري، لا أريد ان اكون ماء، وهذا الفعل يعطي فاعلية التغريب السمة الاكثر معرفة في احوال الحدث المأساوي:ـ (الهي لا تجعل عطش الحسين خطيئتي)؛ لأنها بنظر الماء تلك خطيئة الانسان:ـ (انا بريء مما فعلوه هم ارادوا ان يرتدوا خرجة الذنوب).
هذه الدلالات التي اتخذها اثير الهاشمي، تمنحنا العبرة من عظم ما حدث، وانتقاء هذه الرموز باعتبار ان ما حدث هي احداث لها ديمومة التأثير الشمولي؛ كونها احداثاً حية فاعلة لها ديمومتها وفاعلية اثرها، يعلن التراب بحزن (انها الخطيئة).
الفعل التأثيري يكشف الكثير من واقعية الحدث، فالماء يروي:ـ اني سمعت العباس (عليه السلام) يتحدث مع نفسه وهو يمد يديه إليّ: كيف اشرب الماء وأخي الحسين عطشان؟ كيف لي ان اروي ظمئي وعياله عطاشى؟ والماء يكمل الحديث، بينما التراب يبكي، وهذا تفعيل لقدرة فعل الجذب الى مناطق الحزن، الماء يكمل:ـ (بكيت انا لحظتها وناديته اشربني واروني بعطش الحسين عليه السلام)، ويكرر القول ليؤكد الحالة التي كان عليها المشهد. عرف الكاتب كيف يوظف هذه الانسنة لاحتضان الحدث التاريخي، استنهض المواقف الاخلاقية، وما كان يفترض ان يحصل من نصرة، القضية لا علاقة لها بالسرد التاريخي وإنما بالإدراك باعتباره وعي الأشياء، وعي الكون، وهذا يبعد حدث الطف في الاحداث التاريخية التي هي جزء من الماضي، وانما يفعل الفكرة التي ترسخ فعل النصرة، التراب يقول:ـ (لم اذرهم بذراتي، ولا انا حاميتهم بملح سبختي، ظل الصمت يرتلني).
 قراءة اثير الهاشمي في نصه المسرحي يعتمد على نقل فكرة حداثوية، نشر الحدث التاريخي باسلوب جديد، مثلاً في حوار النخلة تقول: (المترجلون على نحورنا اباعونا رتبة التلصص على انفسنا؛ خيفة ان تستيقظ من وقوفنا الأزلي، ونحن ننتظر النار التي تلهمنا، ليقيموا ولائمهم، والوجوه تتلهف لرغبة جائعة، وجباههم تسجد لآلهة مزيفة أقاموها من بقايا رياح أثيمة).
 يصف قادة السلب الذين اعدوا العدة لقتال الحسين (عليه السلام)، ولكن المسألة مستقبلية غير تابعة لزمن ماضوي، الهاجس ينادي:ـ (لا تحتموا وراء اولئك الذين اقاموا كوة الجلاد والمجلود في زمن الضحية)، والانفتاح على الشعرية تمنحنا مسارات الجذب لتلقي شمولي، ولخلق تماثل مع الموقف الانساني، التراب:ـ (انا فتشت عن موتي ذات مرة في كومة تراب تشبهني، لكنني لا اتراجع مثل الآخرين، فما زلت لا احمل الخديعة، وهذا الحسين بن علي علي سأودعه في جسدي، طوبى لي وأنا أحوي جسد الحسين، هنيئاً لي وأنا احتضن الحسين عليه السلام).
 وهذا الفعل الابداعي يعطينا مسارا جميلا في ادب الفكرة المعبرة عن ما يحتويه الامل، يقول الهاجس:ـ (نعم، ستكون مباركا ايها التراب؛ لأنك ستكون تراب الحسين)، وهذه الحوارات التي تمثل التأريخ المنفتح على الغد، يشدد على قوة الانتماء، يتولد المستقبل حافلاً بأكاليل على المدى المنظور لاستنهاض الهم بدلالات الشعر وأنسنة الأشياء، الماء، يقول:ـ (سأكون من المطهرين لذنوب آلاف البشر، سيتوضأ كل من يعتمر الى الحسين عليه السلام)، ويخاطب النخلة:ـ (بوحي وجهك الازلي للصامتين، وانثري صراخك للموتى هناك، يا نخلة فتحت باب السجود في عتبة الوطن الاكيد).
معاملة البديل الموضوعي ليس له علاقة بالفنطازيا، بل علاقة فن التماثل، فهذه الرموز البديلة هي مدلولات لقيم تتضمن الوجهة الدلالية، وبان امتلاك الحدس الأمل استباقية التوقع اضاءة تفاؤلية للنص الهاجس يخاطب النخلة:ـ (ستكونين من ثمار الجنة غرس فيها جسد الحسين عليه السلام، هزي جذعك الان سيتساقط عشق الحسين محبين).
 نحن امام واقعة بديلة تعتبر فيوضات النص تأويلات كثيرة، الحوارات الشعرية الانسنية شكلت بين هذا العالم الكون اشياءه، فالماء من السماء والتراب من الارض والناتج نخلة والهاجس وجدان، يصل بشعريته الى كثافة عالية تؤسس للمبنى النصي في خاتمة شعرية، الهاجس:ـ (كونوا وضوءا يتوضأ فيكم الناس، لنصلي معاً تحت خيام الطف المحترقة، ستؤذن السماء (حي على كربلاء الحسين)، لتضاء كربلاء).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/25



كتابة تعليق لموضوع : قراءة انطباعية في نص مسرحية (حيّ على كربلاء) للكاتب أثير محسن الهاشمي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net