صفحة الكاتب : علي فضيله الشمري

إنصاف الإمام الحسن المجتبى عليه السلام 
علي فضيله الشمري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


إن منهج التحليل التاريخيّ الذي يستند إلى ملازمات باطلة لا يمكنه أن يقرأ التاريخ بعين منصفة ورؤية علمية، ومن أمثلة ذلك: من يبني على دلالة المهادنة على الضعف وحب الراحة، ودلالة الحرب على الشجاعة والبطولة دائماً، والصحيح أن كلا المسلكين تتضح دلالتهما عند ظهور السياق الذي يولدان فيه، فربما كانت المهادنة دليلاً على الحكمة، وربما كانت الحرب دليلاً على التهور والحماقة. وفي عالم السياسة وتدبير شؤون المجتمع البشري لا يلتزمون بتلك الدلالات دوماً، بل يقدّرون كل فعل بحسب سياقه وأسبابه وآثاره.
إن حفظ الإسلام، ونشر سنة النبي صلى الله عليه وآله وإحياء القرآن الكريم وتعليمه ، وما سوى ذلك تفاصيل خارجية تتعلق بحقيقة الظروف الراهنة آنذاك وما تتطلبه، فإن المهادنة في عهد الإمام الحسن عليه السلام أو الثورة في عهد الإمام الحسين عليه السلام عملان لمقصد واحد وهو تحقيق ذلك العنوان الأهم. وهُمَا وإن اختلفا شكلاً، لكنهما متحدان مضموناً ومقصداً، فهما سلوكان تم العمل وفقاً لهما بما ينسجم مع ظروف الواقع ومتطلبات تحقيق العنوان الأعلى (حفظ الإسلام)، فالمحورية والموضوعية لذلك العنوان، وأما الطريق إلى ذلك فهو مبني على ما يتطلبه تحقيق ذلك العنوان من سلوك معيّن.
وبناءً على ذلك: فإن تقسيم التشيع إلى حسنيّ وحسيني من أكثر الأمور إجحافاً بحق الإمام المجتبى عليه السلام، فغالباً ما يأخذ توصيف "التشيع الحسني" في كلام بعض المثقفين جانبَ الضعف والاستسلام والمهادنة الخاضعة الذليلة. وإذا كان مجرد السكوت - لظروف قاسية - يعد مسلكاً حسنياً ضعيفاً، فأصحاب هذا التحليل ملزمون بتقسيم حياة أمير المؤمنين عليه السلام إلى حقبة حسنية وحقبة حسينية، باعتبار أنّه لم يقاتل الثلاثة وقاتل معاوية، في حين أن منهج أمير المؤمنين عليه السلام واحد، ومسلكه واحد، وشخصيته واحدة، بل يلزمهم القبول بذلك في شأن النبي صلى الله عليه وآله، في حين أن الواقع خلافه. والصحيح أن هذا التفاوت منشؤه اختلاف الظروف الخارجية، لا اختلاف الشخصية أو تناقضها. وإذا التزموا بذلك في حق أمير المؤمنين عليه فإنهم ينقضون عمدة أدلتهم في ذلك التحليل التاريخي الفاسد.
وإن بيان الوجه في عقد "الهدنة" السياسية مع معاوية بن أبي سفيان، حيث أراد به كفّ عدوانه وحقن دماء من بقي من أهل الإيمان والولاية ترجيحاً لمصلحة الإسلام في تلك الظروف الحرجة، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال: (فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلاَّ أَهْلُ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ اَلْمَوْتِ، فَأَغْضَيْتُ عَلَى اَلْقَذَى، وَشَرِبْتُ عَلَى اَلشَّجَا، وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ اَلْكَظْمِ وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ اَلْعَلْقَم).
وإلى هذا أشار في قنوته تأسياً بأمير المؤمنين عليه السلام، فقال في قنوته: (فَاتَّبَعْتُ طَرِيقَ مَنْ تَقَدَّمَنِي فِي كَفِّ الْعَادِيَةِ، وَتَسْكِينِ الطَّاغِيَةِ عَنْ دِمَاءِ أَهْلِ الْمُشَايَعَةِ)، فكما كفّ أمير المؤمنين عليه السلام عن قتال طواغيت السقيفة ترجيحاً لمصلحة أهل الحق، ودفعاً لضرر أعظم، تجرّع الإمام الحسن عليه السلام من ذلك الكأس المرّ المليء بالعلقم، ومع ذلك ناله من الأذى والتهمة ما ناله، وكأنه هو السبب في تقصير الأمة عن إجابة نداء إمامها وولي أمرها.
دعاء الإمام على الظالمين في خاتمة القنوت؛ فيه جلاء للأبصار التي أصابتها غشاوة، وبيانٌ أنه لم "يصالح" ولم يتنازل عن حقه، ولا رضي بالطاغية، وإنما هو القهر والغصب والأذى الذي ما انفك عن سيرة أهل البيت عليهم السلام مذ ارتحل خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله.
فليُراجع القنوت بتمامه للاطلاع على كافة مضامينه بدقة. وكم هو جدير أن يُطالَع هذا القنوت ولو مرة في العمر، لنقف على معالم المشهد السياسي الذي ظُلم فيه ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعرض للتشويه بسببه، فإنه كان منبراً إلهياً لبيان جهاد الإمام وسعيه، وتعرضه للخذلان والاستضعاف، وموقفه من القاعدين والظالمين على حد سواء.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي فضيله الشمري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/17


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • معهد تراث الانبياء خدمات جليلة تقدم في مجال التقنيات الالكترونية بدعم ومباركة من العتبة العباسية  (ثقافات)

    • اصدار كتاب جديد بعنوان القوات المسلحة سيقان بلا اقدام للواء المتقاعد قحطان حسن جبر التميمي  (قراءة في كتاب )

    • صناعة نظارة ذكية لعلاج الصداع الاعتيادي وداء الشقيقة في تربية واسط   (نشاطات )

    • ديوان الوقف الشيعي يقيم ملتقى الطف العلمي والثقافي الدولي التاسع بالتعاون مع الجامعة المستنصرية  (نشاطات )

    • صدور العدد الأول من مجلة (الخِزانة) عن العتبة العباسية المقدّسة  (نشاطات )



كتابة تعليق لموضوع : إنصاف الإمام الحسن المجتبى عليه السلام 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net