خروج عمر بن سعد.. والتّطبيع زقّوم وضريع يُسْقَى من ماءٍ واحد
د . علي المحجوب
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . علي المحجوب

كتب الله على بني إسرائيل في الكتاب أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعا.
قد يُكتبُ في التّشريع الإسلاميّ عن (القتل العمد)، و(شبه العمد)، و(القتل على وجه الخطأ). ثلاثة أنواع لا يخرج أيُّ فعل قتلٍ عن أن يكون في أحدها. ولكنّنا ما قرأنا في أمّهات كتب الفقه، ولا حتّى في القوانين الجزائيّة الوضعيّة المختلفة، عن متخّرّص واحد يقول بـ: (القتل بالإكراه)، تمهيدا لتخفيف العقوبة أو نفيها عن القاتل.
ولقد اجترح رهطٌ من الأمّة بدعة ما سبقهم بها من أحد من العالمين، فقالوا: إنّ (عمر بن سعد)، قائد الجيش الأمويّ الذي قاتل الحسين بن عليّ فقتله وأصحابَه وأهلَه، قد أُكْرِهَ على الخروج إلى قتال الحسين بن عليّ، وقتلِه. وإنّما قالوا ذلك محاولين عبثا درء التّهمة عنه، وهيهات.
إنّ أمّة من النّاس هذا ديدنها لا يبعد أن تُزيِّن بعد ذلك للحاكم الظّالم الفاسد ولزبانيته كلّ موبقة، ولو كانت قتلا للنّفس المحترمة أو (تطبيعا) مع محتلّ قاتل استباح الأرض والأرواح والأعراض والمقدّسات. ولقد يَشُلُّهم الفرَقُ منه، وإنّه لأوهن من بيت العنكبوت.
والأمر في تسويغ وتبرير فعل الحاكم المتهتّك المتآمر أيْسَرُ إذا ما تلبّس هذا الحاكم بلبوس الدّين، وإذا ما كانت الرّعيّة من ذوات «اسمعوا وأطيعوا ولو استُعمِلَ عليكم عَبْدٌ... ». إذ يكفي أن توحي النّفس الأمّارة بالسّوء إلى جلاوزة الظّالم أنّهم إنّما كانوا مكرهين على قتل معارضي الحاكم، وهناك لا يتأخّر الشّيطان عن أن يعضدها.
وعلى العامّة بعد ذلك أن ترضى هنا كما رضيت هناك في أمر (عمر بن سعد)، فإنّ (ابن سعد) كان على أيّ حال من التّابعين ولم تكن له صحبة تدخله، كما قد دأبوا من قبل على فعله باب الرّضوان ولو قتل مالك بن نويرة.
إنّه إذا كبُرَ على أمّة من النّاس الالتزام بتشريعات سماويّة محكمة، أو بقوانين ودساتير وضعيّة بيّنة، فإنّهم يلجؤون إلى تأويلات تطوِّع النّصّ الشّرعيّ لأهوائهم.، فلا هم يقدرون على أن يُصرّحوا بإعراضهم عن النّصّ؛ لأنّه بيّن محكم، ولا هم يلتزمون به برمّته وعلى حاله، فإنّ ذلك يشقّ على أنفسهم ويعارض مصالحهم، وينغّص عليهم حكمهم، إن كانوا حكّاما.
ونحن يا صاحبي، لو قد علمت، أمّة من الأمم تجري علينا السّنن الكونيّة كما قد جرت على الذين من قبلنا، ودونك أمّة اليهود، فإنّها قد خلت من قبلنا ولنا فيها مثال، فلقد نزلت التّوراة على موسى الكليم فقابلوها بالتّلمود من تعاليم حاخاماتهم، كتبوها بأيديهم، ثم قالوا: هذا من عند الله.
أوَليس ترى أنّ (سماحة الشيخ) قد أسند ظهره إلى الكعبة ثمّ انبرى يخلط الأحاديث لِيُلمّح لك تارة ويصرّح لك أخرى أنّه لا ضَيرَ في التّعامل مع اليهوديّ؟ وقولُهُ هاهنا، لو قد علمتَ، حقٌّ أريد به باطل، فإنّما أراد بذلك الخلط بين أصحاب الدّيانة اليهودية الذين يعيش بعضهم بين ظهرانينا آمنين - ونحن على أمنهم قبل أمننا لقيّمون - وبين الصّهاينة الغزاة المحتلّين.
ولقد طالما رأيتك تقرأ عليّ نصّ حديث فيه: «لتحذنّ سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة...»، ولقد قرأتُهُ بصيغ متعددة يتواتر بها نفس المعنى، ومنها الحديث الذي عن عبد الله بن مسعود: «أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا وهديا، تتبعون عملهم حذو القذّة بالقذّة، غير أنّي لا أدري أتعبدون العجل أم لا».
فأنصفني، هُدِيت، أوَليس هذا من ذاك؟
ولأنّ الفقه هو الفقه والحاكم هو الحاكم والكعبة هي الكعبة، فإنّك إن قبلت التّبرير في (ابن سعد) والتّخرُّص بـ(المكره على القتل) فعليك أن تقبله هاهنا، فإنـهما ضربان من (التّطبيع)، أو أن تخرج من طريقة هؤلاء الرّهط وتديّنهم وتكفر باستنباطهم و(مدخليّتهم)، و(جاميّتهم)، فلا تخدعك بعد ذلك ترنيمات ذي (شماغٍ هو أشبه بِطَلِيت) سَكَنَ تحته دماغ اختلطت فيه (الجاميّة) بشيء من الصّهيونيّة، فزيَّنَ له أنّ دونالد ترامب راعـي سلام.
ألا وإنّها، بعد الهنيهة، قد نتجت يا (أمّ أبيها)، بعد أن كانت في ذات يوم قد لقحت، وقد يعلم التّالون اليوم غبّ ما أسّس الأوّلون، فجال فيهم السّيف الصّارم كما قد أنذرت، وسطا، وحقّ أبيك، عليهم المعتدي الغاشم كما توعّدت، ولجّوا في هرج لم يكونوا له من الحاسبين، واستبدّ بهم ظالمون قد يُرْجَى من الشّيطان شيءٌ من الحياء ولا يُرجى منهم بعضُه. فجعلوا الفيء دُولة بينهم، وإنّهم لَيحصدون الجمع حصدًا لا يرفّ لهم لذلك جفن.
ولكنّي أعلم يقينًا أنّ النّصر للمقاومين وأنّ العاقبة للمتّقين، وسيخسر هنالك المبطِلون.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat