صفحة الكاتب : ايمان صاحب

وقَد انطفأ نور فَاطِم!
ايمان صاحب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بعدَ حادثة الهجوم المروعة على الدارِ، وإحراقِ الباب، عاشت الحوراء زينب (عليها السلام) مِحنة المصاب، مع أخويها الحسن والحسين (عليهما السلام)، وبما أنّها هي الأقرب إلى أمّها، والمُلازمة لها في مَرضِها، كانت تتألمّ بِشدة لسماعِ أنينها مِن ضلعها المكسور، مع كل نفسٍ يصعدُ، كمّاَ أنّها تذرفُ الدمعَ بغزارة، على جِسمها المُمدد بتجاهِ القبلة، وقَدْ أنهكتهُ العلة حتّى أصبحَ ضعيفًا نحيفًا، كالخيالِ لا يقوى على القيامِ، يفتقدها المحرابُ ليلًا والنَّاس نيام، وعند الصباح يحنُّ قطب الرحى إلى راحته ِالرقيقة، وهي تطحنُ حبات الشعير، مع كل حبة تهليل وتكبير، وهكذا حتّى يكتملُ رغيف البركة، وما ألذهُ مِن رغيفٍ إن لامسَتهُ الأناملُ الطاهرات تُطعم الصغارَ ابتسامةً مشرقة تبعث في قلوبهم الحبَ والحنان، والدفء والأمان، إلّا أنّ هذا الإشراق لمّ يُكتب لهُ البقاء، بل سُرعانَ ما زالَ عن ملامحِ الزهراء (عليها السلام) بلطمة الخدِ الفظيعة وجرح المسمار، الذي توغلَ بصدرها بكلِ جَسارة، هو ذاكَ الذي عجّلَ برحيلها تحتَ جنحِ الظلام، ولمّ يتمهل قليلًا حتّى يكبرَ الأيتام، كماَ أنّهُ لم يدع الصّبية ذات الخمسّة أعوام تنعم بوجودِ أمٍّ تقفُ إلى جنبها بالسراءِ والضراءِ، وتشاطرها هموم الحياة، فمثلها لا تُترك وحيدة فريدة مع العلمِ بما ستلاقيه من أشجانٍ وأرزاءٍ، في الأيامِ المقبلة وأعظمها رزيةُ كربلاء، هذا ماَ سمعتهُ من جدها المُصطفى، وأبيها علي المرتضى (صلوات الله عليهم) ومن بالكونِ أصدق منهما، كمّا سمعتهُ يقول لبضعتهِ الطاهرة: «أنتِ أولَ من يلحقني من أهلي»(١)، ما أشجى هذه الكلمات، فالسماع شيء، والنظر إلى الأمّ الحبيبة وهي تُلفّ في أثوابِ الكفن شيء آخر، إنّها ساعة الرحيل وبعدهُ الفراق طَويل، فماَ عادَ أنينُ الضلعِ يُسمع لهُ صوت، ولا عينها الحمراء تذرفُ الدمعَ دما، كل شيء أخرسهُ الحزنُ الثقيل، وهالهُ المصابُ الجلل، لا صوت ألم بعدَ هذا اليوم، لقد استراحت سيدة البيت العلوي، ونساء الخلقِ أجمع، لا شيء يزعجها بعد، مِن همومِ الدنيا التي صبّت عليها مَصائبها، وفي أجواءِ الصمت هذه، هناك صوتٌ وأحد، هو من يتكلمُ، إنّه بكاء الأب المَفجوع: يا حسن، يا حسين، ويا زينب، ويا أمّ كلثوم، هلّموا وتزوّدوا من أمّكم، فهذا الفراق واللقاء في الجنّة! حينها أقبلَ الأيتام مسرعينَ نحو جسد الحبيبة، باكينَ نادبين وجعلوا يتساقطون عليه، كما يتساقط الفراش على السّراجِ، وأيّ سراج يضيء ليلهم وقَدْ انطفأ نور فاطم أمامَ أعينهم.

____
(١) أمّ أبيها في صحاحِ المسلمينَ ومساندهم: ٩٧٢_٢٨٤.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ايمان صاحب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/03/10



كتابة تعليق لموضوع : وقَد انطفأ نور فَاطِم!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net