صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

الإبراهيمية والختان.
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أمرت الشرائع السماوية السابقة قتل كل من لا يختتن.
عهد الله بالختان لإبراهيم كاملا : (ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام وقال له: أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملا،فأجعل عهدي بيني وبينك، وأكثرك كثيرا جدا. فلا يدعى اسمك بعد أبرام بل يكون اسمك إبراهيم وأثمرك كثيرا جدا، وأجعلك أمما، وملوك منك يخرجون. وقال الله لإبراهيم: وأما أنت فتحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم. يختن منكم كل ذكر فتختنون في لحم غرلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها ــ يُقتل ــ إنه قد نكث عهدي فأخذ إبراهيم إسماعيل ابنه، وجميع ولدان بيته، وجميع المبتاعين بفضته، كل ذكر من أهل بيت إبراهيم، وختن لحم غرلتهم وكان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن في لحم غرلته، وكان إسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته. وكل رجال بيته والغرباء ختنوا معه).(1)
على ما يبدو من النص أن الله تعالى جعل الختان علامة يُميز بها الأمم الموحدة له وأن الله تعهد لإبراهيم أن يصبح نسله الموحد كثيرا جدا كما يقول في النص : (عهدي بيني وبينك، وأكثرك كثيرا جدا. وأجعلك أمما، وملوك منك يخرجون). ففرض على إبراهيم وملته الختان الذي هو في واقع الحال مؤلم جدا ويحتاج صبر وتحمل لأنه كان يجري بطريقة بدائية باستخدام سكاكين (الصوّان الحجرية). كما يقول النص : (فأخذت صفورة صوّانة وقطعت غرلة ابنها).(2) وقد علم الله تعالى أن هناك امم كثيرة سوف تحجم فلا تختتن لهذا السبب، وإلى هذا اليوم نرى الكثير ممن يقف بوجه الختان إنما هو خائف أو من غير ملة. أو لا دين له. وهكذا سوف يتحقق وعد الله لإبراهيم بأن يجعل ملة الإسلام التي وعده بها امة عظيمة تحكم الأرض ومن عليها في نهاية المطاف.
ومن الطريف أن نذكر هنا أن الختان في أوربا كان علامة لليهود، ومن هنا جعله هتلر دليلا عليهم فتتبعهم وامعن فيهم قتلا فكل مختون كان يحسبهُ يهوديا ، ولذلك وقع المسلمون (الميزلمان) في ألمانيا ضحية هذه العلامة فقتلهم هتلر مع اليهود اعتقادا منه أنهم يهود. الميزلمان لقب يطلقهُ الألمان على من بقى من أسرى الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى حيث تكاثروا واصبحوا يشكلون اقلية معروفة.
وهكذا فعلت الأمم التي دانت بالإبراهيمية حيث اختتن الجميع متحملين اشد الالآم من اجل الوفاء بالعهد الذي حصل بين الله وابراهيم ، إلا الأمم الوثنية التي لم يصلها التبليغ او ممن أبت الانصياع للدين الجديد.كالدولة الرومانية التي بُعث فيها السيد المسيح عليه السلام.أما في الجزيرة العربية فقد كان الختان مألوفا عند عرب الجاهلية لأنهم أيضا كانوا على الإبراهيمية ويختتنون، ولذلك لم يجد النبي محمد (ص) اي صعوبة في اعادة هذه الشعيرة ضمن تعاليم الدين الاسلامي الحنيف.
السيد المسيح بُعث أيضا في أمة كانت تختتن وهم بنو إسرائيل ، ولكنهُ أيضا اصطدم بالأمة الرومانية الوثنية التي كانت تمنع الختان . والسيد المسيح كما مذكور في الانجيل اختتن في اليوم السابع ، ويوحنا ايضا اختتن والتلاميذ كلهم اختتنوا ولكن بولص المارد الشيطان انصاع للدولة الرومانية فحرم الختان كما نرى في إنجيله (ها أنا بولس أقول لكم: إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئا!).(3)
بولص في تحريمه للختان أيضا أراد أن يخلق علامة فارقة بين اليهود وبين الأمم الأخرى، لكي يمنعهم من الدخول إلى دين (أبناء الله واحبائه). ولذلك نراه في نص آخر اخطر من الأول يجعل من السيد المسيح خادما لليهود فيقول : (إن يسوع المسيح قد صار خادم الختان، من أجل صدق الله).(4) بولص في هذا النص يُشير من طرف خفي إلى نبوته بعد السيد المسيح وبذلك يحق له أن ينسخ ما جاء به المسيح.
فمع علم بولص بأن الختان شريعة أنزلها الله تعالى ليختبر بها إيمان الأمم ، والتفريق بينهم وبين الوثنيين، وهو تشريع من ضمن تشريعات كثيرة نزلت على تلك الأمم ليختبر إيمانها. إلا أن بولص يعتبر نفسه نبيا رسولا أيضا من حقه أن ينسخ ويُضيف ما يحلو له.
فبولص يعلم أن الشريعة قالت : (يختن ختانا وليد بيتك).(5)
وكذلك يعلم أن الإنجيل أمر بالختان (فإن كان الإنسان يقبل الختان في السبت، لئلا ينقض ناموس موسى).(6)
وآخر رسالة صدرت في عهد بولص هي سفر أعمال الرسل الذي أكد بأن الختان عهد أنزله الله على إبراهيم وامره أن يجعله تشريعا عالميا. ( المجد لأبينا إبراهيم وهو في ما بين النهرين، قبلما سكن في حاران .. وأعطاه عهد الختان، وهكذا ولد إسحاق وختنه في اليوم الثامن).(7)
مع كثرة النصوص التي تحث على الختان ، إلا أن بولص يشذ عنها كلها فيستخرج أحكاما من جيبه يُحرّم فيها الختان، كما نقرأ ذلك عنه : (ها أنا بولس أقول لكم: إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئا! لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة).(😎 طبعا وهذا نص محيّر اثار الهرج والمرج في المسيحية لأنه يقول : لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة؟! يعني إن اختتنتم أو لم تختتنوا لا تنتفعون بشيء.! يعني يختتنون، لا ينتفعون بشيء ، يبقون في الغرلة سيُخالفون امرالله.فماذا يصنعون يا بولص؟
ولعلهُ من أغرب حماقات بولص إنه قال : (ليس الختان شيئا، وليست الغرلة شيئا، بل حفظ وصايا الله).(9) سبحان الله وهل نسى هذا الأحمق أن الختان من وصايا الله أيضا؟ والأغرب والأعجب من كل ذلك أن الأمة المسيحية كلها لم تتاسى بالسيد المسيح الذي اختتن في يومه السابع ، بل قامت المسيحية باتباع بولص فحرّمت الختان على نفسها أيضا. وبذلك نجحت خطة بولص في وضع علامة فارقة بين اتباع موسى ، واتباع المسيح. ولكن بمجيء الاسلام انكشفت الاعيب بولص فتم اعادة عهد الله مع الناس فأمر الله تعالى نبيه محمدا (ص) بأن يعيد سنة أبيه إبراهيم، فقال لنبيه : (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم).(10) فأخذ النبي هذا التبليغ وأمر به الناس قائلا لهم ( صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم).(11)
وهكذا نزل الانذار بوجوب التمسك بملة إبراهيم فقال تعالى : (ومن يرغبُ عن ملةِ إبراهيم إلا من سفِه نفسه).(12)
وختاما اقول للبابا الذي زار مدينة أور ودعى إلى (الإبراهيمية الجديدة). هل سيُعيد البابا للإبراهيمية مفاهيمها وتشريعاتها التي حرّمها و نسخها بولص؟ وهل سوف يأمر العالم المسيحي بالعودة إلى الحنيفية الإبراهيمية فيأمرهم بالتوحيد ونبذ الاصنام والختان وعدم شرب الخمر والامتناع عن اكل لحم الخنزير أسوة بالسيد المسيح؟ أم أنه مثل سلفه بولص سوف يضرب صفحا عما جاء في الإنجيل وتعاليم السيد المسيح عليه السلام؟(13)
(لن ينال الله لحومها ولا دمائها ، ولكن ينالهُ التقوى منكم).(14)
المصادر:
1- سفر التكوين 17: 1 ــ 27.
2- سفر الخروج 4 :25.
3- رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 5: 2.
4- رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 15: 8 .
5- سفر التكوين 17: 13.
6- إنجيل يوحنا 7: 23.
7- سفر أعمال الرسل 7: 8 .
8- رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 5: 2-6.
9- رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 7: 19.
10- سورة البقرة آية : 130.
11- سورة آل عمران آية : 95.
12- سورة البقرة آية : 130.
13- ضرب صفحا عنهُ : أهمله ، لم يهتم به، لم يكترث له. انظر قواميس اللغة.
14- سورة الحج آية : 37.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/03/05



كتابة تعليق لموضوع : الإبراهيمية والختان.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net