صفحة الكاتب : مرتضى ابو حميدة

ومن الدمعِ.. ما يصنعُ النصر
مرتضى ابو حميدة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لم يخطر في أذهان الطغمة الأموية المُستبدة، والغارقة في نشوة النصر(الوهمي) بأرض كربلاء، أن هنالك (محاجر) تقوضُ سلطانها الغاشم، بدموعٍ خاشعةٍ وآهاتٍ تبتليةٍ صامتة!! وقعُها أمضى من بوارق السيوف، إنها ميثولوجيا (الدمعِ والدم) لا بلغة الأساطير والمبالغات الملحمية، بل بلغة العَبْرة التي أسس لها سيد الأنبياء والمرسلين (ص)، لتكون ثنائية المحاجر الباكية على ذبيح الله عند شاطئ الفرات الشاحب.
 لقد رسخ الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) عقيدة الشعائر الحسينية الشريفة، متخذاً من الدمعة والعبرة شعاراً ورمزيةً واضحة، آلى على نفسه السير عليها، حتى انقضاء عمره الشريف، ومن بعده أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين توسعوا في التنظير لها وتأطيرها بإطار الشمولية والعالمية.
وهنا تساؤلاتٌ قصديةٌ: لماذا لجأ الامام السجاد (عليه السلام) الى هذا السلوك؟ 
ماهي المقاصد الحقيقية لهذا السلوك العلوي؟
وهل يتناسب مع تداعيات الحدث الدامي بكربلاء؟
لنتوقف قليلاً عند بعض النصوص الشريفة المأثورة بهذا الخصوص، حتى نفهم ما يبدو أنه مشفرٌ الى حين:
 «عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُنْذِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (صلوات الله عليه) يَقُولُ: مَنْ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ أَوْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً».
وقال (عليه السلام): «وَّأيُّما مؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْناهُ حتى تَسيلُ على خَدَيْهِ مِمِّا مَسّنا مِنَ الأذى مِنْ عَدوِّنا في الدنيا، بَوّأهُ اللهُ مَنْزِلَ صِدْقٍ».
 «وعَنْ أَبِي هَارُونَ الْمَكْفُوفِ، قَالَ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ (صلوات الله عليه):..ومَنْ ذُكِرَ الْحُسَيْنُ عِنْدَهُ فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ مِنَ الدُّمُوعِ مِقْدَارُ جَنَاحِ ذُبَابٍ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ ولَمْ يَرْضَ لَهُ بِدُونِ الْجَنَّةِ».
«وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ الْبُكَاءَ والْجَزَعَ مَكْرُوهٌ لِلْعَبْدِ فِي كُلِّ مَا جَزِعَ مَا خَلَا الْبُكَاءَ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) فَإِنَّهُ فِيهِ مَأْجُورٌ».
«وعن أبي حمزة الثمالي: سِأَلْتُ عَليَّ بن الحُسَيْنِ (عليه السلام) عن زيارة الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَلامُ)؟
فقال: زُرْهُ كَلّ يَومٍ، فِإنْ لَمْ تَقْدِرْ فَكُلّ جُمْعةٍ، فإن لَمْ تَقْدِرْ فَكُلّ شَهْرٍ، فَمَنْ لَمْ يَزُرْهُ، فَقَدْ اسْتَخَفّ بِحَقِّ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم».
تُرى الى أي جهة كان مولانا الإمام زين العابدين (عليه السلام)، يوجه البوصلة؟
ولماذا هذا الضخ الإعلامي المكثف، لتأصيل (حافز البكاء الحسيني) و(دافعية الدمعة والعَبرة) على سيد الشهداء (صلوات الله عليه)؟
لعل المتتبع الدقيق، يكاد يجزم بأن دور الإمام السجاد (عليه السلام)الحيوي، من أكثر أدوار الأئمة خفاءً وتعتيماً!! وفي الوقت نفسه من أكثرها تأثيراً على حركة الأمة.
 قد شاءت الحكمة الإلهية، أن يقترن الوجود المعرفي والروحي لوريث (نهضة الحسين الشهيد)، بمحطة (كربلاء الشهادة) اقتراناً تكاملياً بكل زواياه والروحية والسردية وما لحق بها من تداعيات ونتائج وآثار.
تلك السردية، شكلت عقبة كؤود أمام مشروع التعتيم السلطوي على (دموية أمية في كربلاء)، كأفضل ما تكون آليات السردية المؤثرة والفاعلة والملفتة لوجهة الزمان واهله.
ويمكن القول: إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قد حقق ربطاً وثيقاً، في العلاقة بين الرواية السردية العاشورائية، وبين تقنيات التوظيف والاستحضار، بشكل جعل انفصام العُرى بين الحدث الدامي والتأصيل للهوية الرسالية أمرا عسيرا.
وهذا ما فهمه أتباعهم بعد قرون عديدة، فتراهم يهرولون وراء رؤىً (ريكورية)، و(بلوخية)، و(بروديلية) وغيرهن.
 إذن: كيف كانت معالجات الإمام (عليه السلام)، لموجة الترهيب السلطوية؟ وهو الذي تحمل الأعباء الثقيلة، وعايش المحنة وأسبابها، وواكب أحداثها، يرمقُ تكرار الفجائع والجنايات والتطاولات الأموية البغيضة، المتلذذة بتحطيم النفس المسلمة، وتحجيم الروح الأخلاقية لأجيالٍ عاشت ذكريات الوحي ومواعظ الرسالة وأخلاقيات النبوة، فما كان منه (صلوات الله عليه) إلا الاضطلاع بمهمة تضميد جراحات الأمة والتخفيف من آلامها، وهل بقيَ غيره؟ أليس هو شاهدُ الصدق على ما جرى؟ أليس هو الذي يمسك بأزمة أسرارها؟
وبينما كان حكام الجور منغمسين في ملذات الطغيان، ونشوة التنكيل بأصحاب المشروع المحمدي الاصيل، كان اختيار مولانا السجاد (عليه السلام) لوسيلة البكاء الهادف والمؤثر، بأن جعلها سلوكاً عبادياً، يصفع وجه الدولة الغاشمة، بلا مواجهة مسلحة دموية، وبضمان التزام الجماهير المؤمنة لها، دون تبعات وملاحقات، فلا بدّ لمضامين كربلاء أن تستمر، وتُحيى وتُستحضر في ضمير الأمة ووجدانها.
 فلما رأى الناسُ الإمامَ (عليه السلام) يذرف الدموع ليل نهار، لا يفتأ يذكر حسيناً المظلوم الذبيح العطشان، حتى بدأت تنازعهم ضمائرهم بإدراك وبلا إدراك، بوابل التساؤلات :
لماذا البكاء والحزن الدائمان؟ ما بالُ ابن رسول الله يبكي؟ على منْ يبكي الإمام (عليه السلام)؟
وهنا كان البيان الرسالي الدقيق والمؤثر، منه (عليه السلام) مضفياً عليه قدسيةً مرتبطة بالذاكرة القرآنية قائلاً: لا تلوموني: فإن يعقوب (عليه السلام) فقد سبطا من ولده، فبكى، حتى ابيضّت عيناه من الحزن، ولم يعلم أنه مات، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي يُذبحون في غداة واحدة! فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا؟!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى ابو حميدة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/02/21



كتابة تعليق لموضوع : ومن الدمعِ.. ما يصنعُ النصر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net