صفحة الكاتب : عادل علي عبيد

الفنان والخزاف القدير ماجد عباس حسين (غربة الطين)
عادل علي عبيد

 1 :
لم يكن الطين حقيرا ، او عصيا عنيدا وهو يتلوى بين راحتيك الحانيتين ، سمعتك مرة تقول : اطمئن ، لا تحزن ، كن واثقا فأصابعي لا تقسو ، واناملي لا تضغط على ذلك الجسد اللين الطري ، واطمئنك اكثر انني بعد فخر هذه الكائنات الذاعنة المستسلمة لا ابالغ بالصهر ، فحتى درجات الافران اجعلها دافئة .. هكذا انا لا اجرؤ ان اسمع نحيبا او هسيسا او حسيسا او حتى تأوها من بنياتي اللواتي سأبعث بهن حياة الإيماءة وعمر السيمياء ! اعلم انني اذا استشعرت نحيبا او بكاء او غيره ، فإنني انهي ذلك العمل او احوله الى برادات جلبتها لهذه المهمة .

2 :
يشعرك طين البصرة وطين بغداد وطين عكاشات بالتفاوت الطبيعي او لنقل بالتفاوت الطبقي ، الامر الذي يحيلك الى ان الاول طين عادي لا يرقى الى مستوى بناء البيوتات الزبيرية وتدشين (الميبب) ونصب الصروح والاقواس والمحدبات التي نعززها بالجص ، اما الطين المتبغدد فهو طين راق نجلبه بعجلات خاصة ونخزنه وندخره الى يوم الفخر (اقصد الفخر بالنار) فيتألق في الانصاب والصروح والجداريات الانيقة التي تنتصب في مداخل المدن وواجهات المباني الانيقة فيجاور النافورات ويرادف المناطق الخضراء ويغازل الحداق والساحات ، ولعل الطين العكاشي الذي يكسر طيفه اللوني يميل الى البياض فيتألق في عالم السواد والسمرة ويكون بضا وكيف لا والمثل يقول : ( البياض نصف الجمال) انا على يقين ان الطين الحقير قد انتفض من عالمه ليدخل عالم التفاوت والتحدي ويكسر نمطية الطبيعة وصورتها القديمة !

3 :
لا الصلصال ، ولا الطين الاصطناعي ، ولا الطين الحري ، ولا الطين المُذّهب الذي يخزنه الفلاحون الذين مني موسمهم الزراعي بالإفلاس ، املا من ان ينقذهم مما تبقى من كساد الزمن ، يشفع للطين المفخور الذي جاء تحدى سطوة التربة الرملية او الكلسية او الطباشيرية او الغرينية .. فتوجت النار شكله ، واضفت عليه هيبة استثنائية ، وجاءت الالوان لتعلن عن وجه جديد يثأر من ذلك الشكل الذي لا يجاري موجودات الاطيان وبهرجتها ! لا تنسى ان هناك موضعا للطين يصبح فيه وجهه مشرقا على الرغم من امتزاج القطران به ، هل عرفته ؟ انه طين البئر النفطية الذي يتدفق بعد عمليات التفجير ، فلطالما يكون سعره عاليا ، وهو يتسيد مجموعة من مفردات النفط ضمن الجفرة النفطية السوداء .

4 :
اعتاب الثمانين شاخصة ها هنا ، وانت تمني نفسك المتطلعة الثائرة بذلك النصب الفني الذي بات كالحلم البعيد ، فرحت تؤرخ لحياة مدينة تاريخية عريقة ، شمرت هممك لتمسح اعلامها ، وسرحت يدك على جباه رموزها ، وازحت التغضنات عن ثنايا رجالها ، وجليت غبار الازمان عن اديم علمائها وشعرائها وفحولها .. اوصلت ليل الكد بنهار العمل علك تصل الى اعتاب ذلك الحلم الرمادي ، وكالعادة تصطدم بعبارات المجاملات (احسنت / مبدع/ متالق / بوركت ) .. العبارات التي تذكرنا بشباك الصيادين العريضة التي لا يعبأ السمك بوجودها. . قلت لك سيدي انهم شلة من الفاسدين الفاشلين الذين لا يقيمون وزنا للفن واهله ، بل يحسبون الفنانين يشحذون على دوائرهم الانيقة ومكاتبهم الفاخرة . الثمانون سيدي هي خلاصة ما بعد الحكمة ، وسلافة مخاضات التجربة ، فلا يغرنك مثل هؤلاء الذين اوغلوا بالفشل ، وراحوا يبحثون عن مخلص ينتشلهم من مضامير الضياع الذي سكنهم وسكنوه !
5 :
مرسمك المشغل مقبرة انصابك ، ومدفن لوحاتك ، ومثوى اعمالك .. يشمخ وسط ساحة المصريين ليعلن عن موت الامل ! فكل مشاريعك التي جسدت فيها حياة المدينة راحت تشير عليك ، وهي تقول ك المجد لمن بعث الحياة بأوصالنا وايقظ فينا ليلا كاد ان يكون سديما سرمديا .. الجداريات التي انجزتها يعلوها غبار الزمن ، فهم يتركونها للمطر المنحسر او الشمس التموزية التي لا ترحم ،اتذكر ان احدهم قال يوما سيمتزج الغبار بثناياها فيضيف لوحة معجونة بالأصالة .. كنت تسمع هذه العبارات وانت تعزز مشروعك الفني بورش تدريبية او دروس مجانية او معارض وامسيات واصبوحات اعلنت عنها من خلال صالون الزبير الفني ، كانت قاعة ولدك المرحوم الدكتور حسين شاهدة عليك ، وانت تدشنها بدموعك المستحية ، ونحيبك الذي تسمعه اعمالك ، نحيبك الذي ملأ الاروقة الساكنة .

6 :
في المشغل المرسم الصالون تنتشر العيون الطينية المحدقة ، وتتزاحم الاصوات الهلعة ، تشتبك ببعضها لتؤلف لوحة من التلعثم المتحشرج الذي يشبه عشرات القصائد التي تلقى في آن واحد ، تلتبس الاصوات ، تشتعل ببعضها ، غير ان همسا اسمعه هنا وهناك مجبول بذلك الصدى القريب الذي يزاحم وحدة المكان ، بانوراما الوعود العرقوبية ، وفضاءات الآمال الوردية ، ومشاهد العبارات الطارئة ..حينما يتسيد الصمت المكان ، ينسل صوته متهاديا ، ناسخا ذلك الزحام الآدمي ، اظن ان صوت الموتى هو الاجهر هنا ، اصابعي المرتعشات ، المسامات والشقوق المتعرجة التي احدثت هي الاخرى لوحة على اجساد الطين ، الدموع الندية التي تسهم في الجدة .. هكذا كنت استحضرك يا حسين ، شكرا لك ولدي وانت تشاركني وحدتي .

7 :
نعم ، نحن نعقد صداقة قد نعززها بالصهر مع الطين والجص والكلس والقرميد .. نشعر ببعض الاثم بعد ان نسمع تأوهات هنا وانين هناك ، نحن على يقين ان الفنان يبتسم الى كل الموجودات ولو كانت جمادا ، لم تكن الحرارة شعارا لنا امام قلوبنا الشبم ، العرافات صيرن الامل وشددن الرحال الينا بحثا عن اوشيال او كف مفتوحة او خزامة بابلية ، ولكم شعرنا بالفرح ونحن نؤكد مؤثراتنا على الآخر ، وقلنا في السر : الحمد لله فقد وصلت رسالة الفن الى دائرة الفطرة ، رد الصدى : ايها الخزافون كفاكم استهانة بعقول الناس ، فالعرافات الساحرات المشعبذات قد اوغلن بالغيب ، حتى وصلن الى اعتاب الارواح البريئة ! حينها اجمع الخزافون على ان تكون ايقوناتهم في حضرة الشمس ، تتحاشى مشاهد الضباب ، ولا تسلك غير سبل النور .

8 :
جدارية في سفوان ونصب في كرمة علي ولوحة في مدخل البصرة .. في عالم الرؤيا قال لي احدهم : حمام الدوح قد اتخذ الجدارية الفلانية عشا ، واردف آخر : الغبار قد غير معالم اللوحة حتى ان الوانا طحلبية قد سكنت البياض ، ختم الثالث القول : اما كان من الخير ان تجلو ما صنعت وانت تستحضر الزمن ؟ في الغبش المثقل بالهواجس احسست اننا هنا في هذا البلد (تحديدا) لا تنتهي مشاريعنا الفنية بتسليم اللوحة او الجدارية اذا لم تتكلل(دوريا) بإدامة هذه اللوحة وصيانة معالمها .. أي قرف سيدي هذا ؟



9 :
ينتصف الخزف بين الحافز والمحفز ، ويحث خطاه ويستنفر كل حواسه املا لان يمتطي صهوة الامل وصولا الى مضمار التغيير ، التغيير ذلك الحلم العصي في زمن ومرحلة استفحل فيها الجهل المركب ، وسادت الامية بأنواعها واصنافها واشكالها حتى المثقفة .. قد نتهم بالصنمية او الموميائية او الهروب من مواجهة الواقع ، لاسيما ونحن ابناء (اراكي) ابناء شمس تموز ورابعة ظهيرة آب . الامساك على قبضة الرسالة قد يدمي كفوفنا التي هدها الصهر ، ولكننا عازمون على المضي لتثبيت تلك الرسالة الامل ، وتأكيد هويتها المصادرة ، وصورتها المنتهكة العذراء... قيمة الشكل وشكل القيمة لم نعد نحفل به ، نحن نخضع لطوفان جديد من عصر الالغاء المؤنق وهو يوغل في جهل ثقافي مزدوج الجنسية . قد يكون المرسم الذي انتصب في ساحة المصريين يجابه الدريهمية ويقترب من (المفتول) هناك اذ ينتصب مرقب قديم وبوصلة عتيقة مؤكسدة انظر من خلالها الى عالم قد اجده يؤلف لي عزاء قريبا .

10:
ما زلت استحضر كفاح محمود عبيد ، يومذاك في زمن القتل والفتك والدمار كنت عازما على الوصول الى معهد الفنون الجميلة ، على الرغم من مشاعية الموت ، قلت له ينبغي لي ان احضر مبكرا وانا الذي يضرب بي مثل حرمة المواعيد ، اجابني ولكن المكان مزروع بالموت والقتل المجاني ، هذا ما حصلت عليه من مهاتفة قريبة لصديق فنان ، عد بنا الى البيت لنحتسي شاينا السنكين المثقل بالهم العراقي ، ونتجاذب بعض مواقف هنا وهناك ، ففن الكاركاتير يفضي الى الخزف احيانا ، ضحكنا واتخذنا ارائك في بيت زبيري موغل بالتراث وفلكلور المدينة ، ومزين بلوحات الصديق كفاح .. اقول لك صديقي وبعد ان اتصلت بأصدقاء عادوا سالمين من هناك ، ان الموت كان محققا لولا صديقي كفاح الذي اذعنت لرأيه لأسجله وهو يهدي لي حياة جديدة .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عادل علي عبيد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/02/18



كتابة تعليق لموضوع : الفنان والخزاف القدير ماجد عباس حسين (غربة الطين)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net