السحر كما يفهمه كل مؤمن
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصطفى الهادي

لم يكن الاسلام وحده الذي حارب السحر والشعوذة ، بل هناك اجماع للأديان على ذلك فمثلا في التوراة امر الله بقتل كل ساحر : (لا تدع ساحرا يعيش).(1) واعتبر الكتاب المقدس الساحر والساحرة من الكفرة وأن نسلهم نجسٌ كأولاد الزنا فخاطبهم قائلا : (يا بني الساحرة، نسل الفاسق والزانية بمن تسخرون وعلى من تفغرون الفم وتدلعون اللسان؟ أنتم أولاد المعصية، نسل الكذب).(2) بل اخبرنا الكتاب المقدس بأن السحرة جهلة لا يستطعيون حتى تفسير رؤيا (حلم). فعندما رأى فرعون رؤياه وطلب السحرة والحكماء قالوا له : لا نعلم تفسير رؤياك. (أن فرعون رأى حلما. انزعجت نفسه، فأرسل ودعا جميع سحرة مصر وجميع حكمائها. وقص عليهم فرعون حلمه، فلم يكن من يعبره لفرعون).(3) وهذا ما يؤيده القرآن بقول فرعون : (يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرءيا تعبرون، قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين).(4)
ولم يُحرّم الله السحر فقط. بل كل فروعه واول من أمر بذلك أنبياءه بأن لا يتعلموا ما عند الناس : (لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم ولا من يعرف عرافة، ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر،ولا من يرقي رقية، ولا من يسأل جانا أو تابعة، ولا من يستشير الموتى يقيم لك الرب إلهك نبيا له تسمعون).(5) فالسحر والعرافة والعيافة والتفائل والرقيّة وسؤال الجان والتوابع وتحضير الأرواح كلها حرام منهي عنها، ولكن الله بدلا من ذلك اعطى للناس الأنبياء كما يقول : (يقيم لك الرب إلهك نبيا له تسمعون).
فلم يعط الله أي قدرة خارقة لأي من خلقه فكل من زعم انه يأتي بالخوارق والمعجزات والكرامات من دون إذن الله او من خوّله بذلك ، فهو كاذب مفتر اشرّ غايته خداع الناس والعيش على مصائبهم والتغذي من دمائهم ولا يوجد اشرّ من هذه الفئة من الناس.وخصوصا الذين يتباهون ويُحاولون الظهور بهذه الوسائل الرخيصة لأنهم لا يمتلكون مؤهلات أخرى لكسب الرزق أيضا (في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه).(6)
كل الكتب السماوية اجمعت على أن المعجزات والكرامات والخوارق التي جرت إنما هي بإذن الله لدعم النبي وتقوية موقفه واثبات صدقه وصدق الجهة التي ارسلته.
والسحر من أعقد فنون الحيل إلا أن نسبة 99% منه يقع ضمن عمليات الخداع والتمويه والغش والجوكنة والسيمنة، والطوطمة ، صحيح ان القرآن يستخدم كلمة السحر وكذلك بعض الكتب المقدسة إلا أن الله يستخدم دائما الاسماء التي يفهمها البشر ولما كان البشر يعتريه النقص وغير قادرعلى ادراك مسألة المعجزات والكرامات فقد اطلق على هذه الهبات الإلهية اسم (السحر) لأن السّحرُ في قواميس اللغة هو : ( كلّ أمر يخفى سببُه ، ويُتخيّل على غير حقيقته ، ويجري مجرى التمويه والخداع ، إخراج الباطل في صورة الحقّ). هكذا فهم الناس كرامات ومعجزات الأنبياء ولذلك نرى موسى عليه السلام قال للسحرة : (ما جئتم به السحر). اي خداع وتمويه.وكذلك عندما قالت قريش عن النبي (ص) لم يكن ما جاء به إلا سحرا ، أي تمويه وخداع. فقال تعالى نحن لم نسمح له أن يتعلم الشعر ، فكيف بالسحر : (وما علمناه الشعر وما ينبغي له).(7) فالنبي غير مسموح له أن يتعلم هذه الامور التي لربما سوف تتسبب في خلط الأمور على الناس. ومن هنا نرى أن السحرة وأمام فرعون لما رأوا ما جاء به موسى وقعوا على الأرض ساجدين (فألقى السحرة ساجدين). (8) لأنهم بخبرتهم عرفوا ذلك ليس خدعة بل معجزة.
وعلى طول مسيرة الأنبياء كان الناس يتهمونهم بالسحر او الجنون وهذا ما نراه يلوح في قوله تعالى : (ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحرٌ أو مجنون).(9) ولكن لا أدري لماذا لا يُصاب الناس بالجنون او يكونوا سحرة ويأتوا بمثل ما أتى به الأنبياء؟ علما أن معجزات الأنبياء جميعها لا علاقة لها بتدخل الانسان ، مثل إحياء الموتى وشفاء الامراض المستعصية وفتح عيون العمي ، والعرج يمشون والمسير على الماء والنجاة من النار وغيرها ، فالساحر غير قادر على القيام بذلك.
واللافت للنظر أن جميع من يدعي السحر تراه إما جاهل أمّي ، او خبيث فاقد الضمير يعتاش على آلام الناس ومصائبهم والكثير ممن يزعم انهم من المسحورين ، او فيهم مس او يركبه جنّي أو ملبوس، ما هم إلا مرضى نفسيين أو عضويين وجب علاجهم بدلا من كيّهم بالنار وربطهم بالسلاسل والحبال وسقيهم المواد المضرّة بالصحة التي تفاقم حالتهم الصحية. والغريب أن يقع بعض الافراد المتعلمين بشكل جيد لدرجة انهم يحملون شهادات عليا ومع ذلك يقعون فريسة في شرك هؤلاء الدجالين وهناك الكثير من الحالات التي لا تحمل الا العجب العجاب والسبب هو القاعدة الهشة لثقافة هؤلاء.
فليتقي الله الكثير من الناس ولا يذهبوا إلى المشعوذين الدجالين. لأن اغلب هؤلاء يسقون الماء الخطير الملوث المصنوع من مواد سامة مثل جلود الكلاب وتراب القبور وعظام الحيوانات وقليل من الشعر والاظافر تحت حجة العلاج.
نرى هناك اجماع في تعريف السحر : (كلّ أمر يخفى سببُه ، ويُتخيّل على غير حقيقته ، ويجري مجرى التمويه والخداع ، إخراج الباطل في صورة الحقّ).(9) ولا يعتقد بتأثير السحر على أنه قوى خارقة يمتلكها اشخاص معينين ، إلا ضعيف العقيدة لا يمتلك وعيا وثقافة ، وذلك أن السحر ضرب من انواع الشعوذة والخداع والتمويه بقصد التسيّد على الناس والكسب المادي واستغلال آلام الناس للعيش بزيادة آلام الناس فهو مثل القراد أو القمل الذي يمتص الدماء ليعيش عليها . ولكن بعض الخبثاء ممن لا وسيلة رزق عنده إلا العبث بسلامة الناس يقوم بخلط بعض المواد والقراءة عليها ثم سقيها لمن يُريد ان يضره وهذه الاشياء التي يشربها الضحية هي مواد بكتيرية شديدة السمّية تُضعف الشخص المعمول له وتجعله يتهلوس ويتخبط ويقوم بافعال لا ارادية والسبب هو تأثير المواد السمية التي يتناولها بثلاث طرق ، وهي الغالبة على أفعال هؤلاء.
الطريقة الأولى هي (السقي) سقيه مباشرة او عن طريق وضعها في الطعام أو الشراب. وروي عن شمرٌ عن ابن عائشة قال : العربُ إنما سَمّتِ السحرَ سحراً لأنهُ يُزيلُ الصحة إلى المرض، ومسحورا: ذاهب العقل مُفسدا. وقوله تعالى : إنما أنتَ من المُسحّرين، يكونُ من التغذية والخديعة). (10)
الطريقة الثانية : (الرش) وهي ان تُرش هذه المواد على ملابسه او مكان نومه فيؤدي تطايرها إلى الاضرار بمن يشمها او تصل اليه عبر اي وسيلة.
الطريقة الثالثة : هي (التبخير) وهي عن طريق البخار او حرقها على شكل بخور او حبيبات توضع على الجمر فتتصاعد منها مواد طيّارة ضارة جدا ، كما لو انك شممت رائحة البصل سوف تجري دموعك وتحترق عيناك ، والروائح الكريهة تعكّر المزاج.
بعد اصابة الانسان بهذه المواد السمّية عليه ان يلجأ للطب والاطباء وتناول الأدوية لان اصابته في النهاية تؤدي إلى مرض نفسي نتيجة المعانات التي لا يعرف سببها و لا يتخلص منها بسهولة إلا بالعزيمة والايمان العميق والتعلق بالله تعالى . لأن الله تعالى قال : (ما جئتم به السحر إن الله سيُبطله). أي ما جئتم به خداع إن الله سيكشفه. لأن الله عبّر عن ذلك بقوله ( إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى).وفي قواميس اللغة فإن كلمة (كيد) تعني : (إرادة مضرة وهي الحيلة السيئة والتآمر بخفاء والمكر ، وكاد لهُ: تآمر ووخدعه واحتال عليه).(11)
الفقر والجهل وقلة الوعي والثقافة وقلّة الإيمان قد يدفعان الناس إلى اللجوء إلى الساحر، بينما نهت الكتب السماوية كلها عن الاتيان للساحر او الايمان به وجعلت ذلك من الكفر فقال الرسول (ص) : (من أتى كاهنا اوعرافا او ساحرا ليؤمن به ، فقد كفر بما أنزل على محمد).(12) وفي حديث : (ومن أتاه غيرَ مصدِّقٍ له لم تُقبل صلاتُه أربعين يومًا).
ولعل أغرب ما يحصل هو مع أن التقدم العلمي والطبي وصل مراحلة متقدمة جدا ، إلا أننا نرى الناس يركضون إلى هؤلاء الدجالة ويتركون العلم وما وصل إليه.
كنّا جلوس في مكان نتحدث ، فقال احدهم وكنت اعتقده مثقفا : لنذهب لزيارة فلان . فقيل له : لماذا ؟ قال : لأنه مريض مسحور. فقلت له : وهل تعتقد ان السحر أمرضهُ ؟ قال نعم . السحر موجود في القرآن. فقلت له ولكن الله يقول في القرآن : (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يُفلح الساحر حيثُ أتى). فوصف عمل الساحر بأنه كيد أي خداع ، وأكّد كذلك بانه لا يفلح لا ينجح. فسكت ثم قال : هاي الآية موجودة في القرآن.
تفضل.
( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم).
المصادر:
1- سفر الخروج 22: 18.
2- سفر إشعياء 57 : 3.
3- سفر التكوين 41: 1 ـ 8.
4- سورة يوسف : 43.
5- سفر التثنية 18 : 0.
6- سورة غافر آية : 56.
7- سورة غافر آية : 56. والغريب أن الكتاب المقدس نسب للأنبياء قول وكتابة الشعر والأغرب منه أن الكهنة ادرجوا قصائد الأنبياء الشعرية ضمن الكتاب المقدس، فاعتبروا مزامير داود قصائد شعرية كان داود وسُليمان يتغنون بها مع الالات الموسيقية. سفر أخبار الأيام الأول 15: 16(وأمر داود رؤساء اللاويين أن يوقفوا إخوتهم المغنين بآلات غناء، بعيدان ورباب وصنوج،وبالدفوف وبالجنوك وأبواق مسمعين برفع الصوت بفرح).
8- سورة يس آية : 69.
9- أنظر قاموس المعاني .
10- معجم لسان العرب.
11- معجم اللغة العربية المعاصر ، كلمة : كيد.
12- الألباني: صحيح الترغيب.الصفحة أو الرقم : 3048 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.وجاء مثله : من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما.وفتح الباري لابن حجر العسقلاني الصفحة 10/ رقم الحديث : 228.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat