إلهٌ واحدٌ أم ثالثُ ثلاثة؟
علوية الحسيني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علوية الحسيني

نـــعم، إيّاك أُخاطبُ أيُّها المسلم!
فبعدَ أن احتفلتَ (أو ستحتفل) بأعياد النصارى، هل عرفت ما معنى هذا الاحتفال، وعلى ماذا يدل؟
الكريسمس عبارةٌ يردّدها البعض دون أدنى معرفة، فهل عرفتَ معناها؟!
الكريسمس: هو الميلاد المجيد للرب، فإنّ عيسى في عقيدة المسيحين هو (ابـنُ الله)، ويشترك في طبيعته مع الله كما يقول يوحنا في انجيله:
"هذا المسيح الذي جاء ليطهرنا من الخطيئة، هو نفسه الله ولكنه تجسد في صورة انسان"(١).
تُـرى هل تعقل أيّها المسلم أنّ إلهكَ يولد؟!
إذاً، أيـن تدبّركَ في سورة التوحيد حينما تقرأ في كلّ صلاة: "لَــمْ يَلِدْ وَلَــمْ يُولَد" ؟!
قـارن بينَ العقيدتين وتعقَّل أينَ أنت!
ففي عقيدتك ينفي الله تعالى في القرآن الكريم ألوهيّة عيسى بقوله:
{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيل}(٢).
إمّا في عقيدة النصارى: فإنّ الله أثناء معمودية المسيح قال: "واذا صوت من السماوات يقول: هذا هو ابــــني الحبيب، الذي به سررت كل سرور!.... وانطلق صوت من السحابة يقول: هذا هو ابني الذي اخترته. له اسمعوا!"(٣).
ورغم ذلك، فها هُم بعض مسلمينا على توالي السنوات:
أقاموا الولائم والحفلات ،
وتبادلوا الهدايا والمعايدات،
ونشروا الزينة والبطاقات،
غناءٌ وفاجرات،
تسيّبٌ وراقصات،
خمورٌ ومنكرات،
تضامناً مـع النصارى بميلاد ربّهم!
إنّهُ يومٌ يُشرك به الله عز وجل، فلماذا نختبئ وراء أصبعنا؟
لماذا نجهل عقيدتنا؟
لقد مرّت ولادة ذلك النبي العظيم محمد (صلى الله عليه وآله) دون أن تحتفل امته به بالشكل المطلوب!
فأين نحن منه يا أُمّة المليار مسلم أو أكثر؟!
البعض يدّعي باحتفاله مع النصارى أنّه يطبّق مبدأ التعايش السلمي، لـــكنه حتى بهذا المبدأ جاهلٌ تمام الجهل؛ حيث إنّ التعايش الذي يهدف إليه ديننا الحق هو (التعايش السلمي الأخلاقي مِن حيث احترام أصحاب الأديان دماً ومالاً وعرضاً إن لـــم يتعرّضوا لانتهاك ديننا)، وليـــس التعايش الفكري الذي به كاد البعض أن يخرج مِن الإسلام ويعتنق المسيحيّة، فالتعايش الفكري هو ما البعض عليه الآن، مِن اتبّاع عقائـد النصارى بلبس الصليب، وإحياء ذكرى ميلاد ربّهم، والتلفظ بعبارات الكفر، فضلاً عن التشبّه برموزهم!.
أفِق يا مُجتمعي! وسخِّر طاقاتك في الدعوة إلى دين الله، دين التوحيد، دين لا إله إلاّ الله.
نعم، الحكم الشرعي للاحتفال بأعياد النصارى جاء مشروطاً بعدم الترويج للمعتقد المسيحي، ففي سؤالٍ وُجّه لمكتب سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني (دام ظله) مفاده:
"هل يجوز ان نحتفل برأس السنة الميلادية؟
الجواب: اذا كان فيه ترويج للمسيحية لا يجوز"(٤).
وفي سؤالٍ آخر مفاده:
"هل يجوز المشاركة في مجالس الاعياد الغير الاسلامية ؟
الجواب: إذا كان فيه ترويج للمسيحية أو للفساد فلا يجوز"(٥).
■فإن قيل: مـا المراد بالترويـج؟
■اُجيب: المراد منه هو الترويج لما يعتقد به النصارى اليوم من عقيـدةٍ فاسدة، تأليه عيسى، قيامه من الصَـلب، الإيمان بالأقانيم الثلاثة-الأب والابن وروح القدس-.
تــوضيـح:
إنّ كلّ عاقلٍ يحكم باستحالة موازنة المعادلة التالية :
الأب =أقنوم
الابن =أقنوم
الروح القدس=أقنوم
كلمة أقنوم كلمة سريانية الأصل معناها : الذات الإلهية المستقلة، والذوات أعلاه هم ثلاثة أقانيم متحدون ومتساوون في الجوهر، ومن يقل أإنّهم جميعاً اقنوم واحد فهو مهرطق كافر، فيعتقدون أنّ:
الأب =إله حق
الابن=إله حق
الروح القدس=إله حق
إذاً هم جميعاً إله واحد، ومن يقل ثلاثة آلهة فهو مهرطق كافر.
يعني إن قلت: ثلاثة أقانيم فتكفر بإله واحد، وإن تقل: إله واحد فتكفر بثلاثة أقانيم، فلا مهرب ولا إيمان بمسألة إلاّ على حساب الأخرى!
ومن هنا لابد أن يكون الفرد المسلم واعياً لما يعتقد، وفطناً لما يقلِّد.
فهناك من المسلمين مَن لا يعتقد بعقيدة النصارى (التثليث)، إلاّ أنّه يدّعي معايشتهم بشرائه الصليب ولبسه له، وهنا غفلةٌ اخرى منه لا إلى الجانب العقائدي، وإنّما إلى الجانب الفقهي، حيث غفل عن أنّ الحكم الشرعي يقول:
"لا تجوز التجارة بما يكون آلة للحرام بأن يكون بما له من الصورة الصناعيّة...لا يناسب أن يستعمل إلّا في عمل محرّم، وله أنواع:
منها: الأصنام وشعائر الكفر كالصلبان"(٦).
فالمترتب على ذلك ليس حرمة اللبس فقط، وإنّما بطلان عقد البيع، فلا تثبت ملكية الصليب لك، ولا ملكية الأموال للبائع...
فهلاّ أدركتَ رعاك الله تبعات التقليد الأعمى؟
وهنا سؤال يجول في ذهن كل عاقل، يشحذ الهمم بعيداً عن كل تخاذل، وهو:
إلى متى نبقى نتأثر ولا نؤثِّر؟
لماذا أغلب دول العالم العربي والغربي تتضامن مع النصارى بذكرى ميلاد المسيح، ولم نجد نسبة التضامن تلك في ذكرى ميلاد النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله) ؟
وأخيراً أقول: لست بصدد الدعوة إلى مقاطعة أهل الكتاب، بل الدعوة إلى الحذو حذو الرسول محمدٍ وآله الأطهار (صلوات الله عليهم)، وهو ما أشرت إليه بالتعايش السلمي، من وجوب احترام المخالفين في الدّين، لكن الكلام فعلاً في الانزلاق في مخاطر التعايش الفكري، فتأمل.
___________________
(١) انجيل يوحنا :١.
(٢) سورة المائدة: ٧٥-٧٧.
(٣) انجيل متّى، ٣:١٧، وانجيل لوقا ٣٥:٩.
(٤) موقع مكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله، الإستفتاءات.
(٥) المصدر نفسه.
(٦) منهاج الصالحين: للسيد السيستاني، ج٢، م٩.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat