الصبيان والشباب في القرآن الكريم
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

قال الامام علي عليه السلام (يربى الصبي سبعا ويؤدب سبعا ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين سنة وما كان بعد ذلك فبالتجارب). والانسان يمر بمراحل عمرية كما قال الله تعالى "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ" (الروم 54). وفي الحديث النبوي (اغتنم شبابك قبل هرمك) و (اذا حفظت الله في شبابك حفظك الله في شيخوختك) و (ما اكرم شاب شيخا لسنه الا قبض الله له من يكرمه عند سنه) ومن العلماء من قال ان في هذا دليل على اطالة عمر الشاب الذي يكرم المسنين. وفي الحديث النبوي (اعدلوا بين اولادكم).
وتعليم الصبيان له اجر كما جاء في الحديث الشريف (اذا قال المعلم للصبي قل بسم الله الرحمن الرحيم فقال الصبي بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله براءة للصبي وبراءة لابويه وبراءة للمعلم). واوضحت الدراسات ان افضل مراحل عمر الانسان لتربيته هي مرحلة الطفولة والصبا ومنها تعليمه عبادة الله وعدم الشرك به والاحسان الى الوالدين ولذي القربى وعدم التفاخر والتكبر "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا" (النساء 36). وقال تعالى "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ" (النور 31) فالامهات عليهن تربية الفتيات كما في ايات قرانية ومنها في سورة النور. واكرم الله تعالى الفتيات "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ" (الاسراء 31) و "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" (التكوير 9-8) و "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ" (النحل 58). والرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم نموذج للشاب المخلص لزوجته حيث لم يتزوج غير خديجة عليها السلام في شبابه حتى وفاتها وعمره نحو 50 عاما.
ولا غرابة ان يختار الله انبياء واولياء يتكلمون وهم اطفال وصبيان "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا" (المائدة 110)، وهكذا تكلم الامام الجواد عليه السلام وعمره ثلاثة ايام، وكذلك يعلمون الناس وهم اطفال وصبيان فقد اوتي يحيى عليه السلام الحكم صبيا "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا" (مريم 12) وكما حصل للامام الحجة عجل الله فرجه عندما تولى الامامة وهو في صباه. وقد اوتي الشاب يوسف عليه السلام الحكم والعلم "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا" (يوسف 22) وتميز عليه السلام بالاستقامة وعدم الانحراف "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ" (يوسف 23) ولكن الفتى استعصم رغم الاغراءات.
والقرآن الكريم يثني على الشباب كما في سورة الكهف " إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى" (الكهف 13). كما اثنى الله تعالى على رسوله الكريم ذلك الشاب الصادق الامين قبل نبوته "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم 4). وعن النبي موسى عليه السلام قال الله تعالى "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا" (القصص 14) مما جعل النبي شعيب عليه السلام يزوجه ابنته "قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ" (القصص 27).
وقال الله تعالى في سورة الانعام "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ" (الانعام 32) حيث تقدمت مفردة اللعب قبل اللهو لان اللعب للصبيان بينما اللهو في الزمن التالي وهو الشباب وكما جاء كذلك في سورة الحديد "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ" (الحديد 20)، وفي سورة محمد "إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ" (محمد 36). والشاب و كبير العمر لا تلهيه الحياة الدنيا عن ذكر الله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ" (المنافقون 9). والاية التي تقدم فيها اللهو على اللعب في سورة الكهف "وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ" (الكهف 64) لان الايات التي قبلها تتطرق الى جمع الاموال التي لها علاقة باللهو.
والتأريخ فيه نماذج مشرفة لشباب يخشون الله ويتبعون حكمه لا حكم الطاغوت " فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (المائدة 44) كنموذج شباب اهل البيت في واقعة الطف، فهذا الشاب المحمدي الحسيني يقول (تالله لا يحكم فينا ابن الدعي) كما دافع جدهم الشاب علي بن ابي طالب عليه السلام عن ابن عمه الذي نزلت فيه الاية "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ" (البقرة 207) عندما نام في فراش الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم ليلة الهجرة الى المدينة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat