الشهيد الصدر قدس سره .. رسالة التغيير إلى العالم
كاظم الحسيني الذبحاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كاظم الحسيني الذبحاوي

حقيقة تتلوها حقائق ..
●لم يكن المفكر الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر قدس سره شخصاً معارضاً لسلطة البعث،حاله في ذلك حال بقية المعارضين ،
أو كان يلهث وراء دنيا خسيسة ؛بل هو رسالة تغيير إلى العالم كتبت في العراق
قبل حكم البعث في العام 1957،
قرأها الشعب الإيراني ،
ولم يقرأها الشعب العراقي !
● الشهيد الصدر وأخته العلوية الشهيدة في الأمة كناقة صالح وفصيلها في أهل ثمود !
● يا أهل هذا العالم المضطرب :إنّ التغيير الذي وقع في العراق في العام 2003 لم يكن هو التغيير كان يلوح إليه السيد الشهيد والثلة المؤمنة معه، الذي المنشود عملاً بقوله تعالى :( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً) [الجن : 16] !
● إنّ الثأر لدماء الصدر لا يتحقق بملاحقة القتلة قانوناً فحسب ؛ وإنما بمتابعة ومراقبة تطبيق فكر الشهيد على أرض الواقع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحاور التي يمكن أنْ تُشكّل بمجموعها دراسةً عن شخصية المفكر الإسلامي الكبير آية الله العظمى السيد محمّد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه،محاور كثيرة لا تسعها هذه الوجيزة .
ولكن يمكننا الإشارة إلى بعض هذه المحاور .
لعل أهم ما يواجه المسلمون في شتى عصورهم هو مشكلة تحريف المفاهيم التي تشكل بمجموعها ثقافتهم التي يعبث بها أصحاب المصالح الكبيرة تحت واجهات إسلامية . وقد تحدث القرآن عن هذه الظاهرة في العديد من آياته ، كقوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة : 75] .
لقد انتشر بين أوساط المسلمين في بلدانهم ،وفي العراق على وجه الخصوص، اعتقادٌ خاطئ نَجـَمَ عن تعريفٍ منحرفٍ لمفهوم الدين ،وكذا التحريف المنحرف لوظيفة رجل الدين، وضعته الحكومات ويقوم على فكرة أنّ الإسلام لا يعدو كونه طقوساً فارغة من أي محتوى، يمارسها الناس في أوقات معروفة وفي أمكان مخصوصة أسموها دور العبادة، فانحصر الإسلام في زوايا ضيقة تظهر على شكل عبارات باهتة على الصفحات الداخلية للجرائد ، أو في أجهزة التلفاز تحت مسمى الفترات الدينية، حتى يُوحى للناس أن يعرفوا أنهم أعداءٌ للدين ؛ إلاّ فيما يقرره الحاكم الكافر ، الذي يتهمهم بالمروق عن الإسلام .
وقد استثمرت (بريطانيا العظمى) هذا التحريف المفاهيمي لصالحها فاشترطت على علماء الدين وتابعيهم من الرجال الذين قادوا المعارك إبان ثورتي الشعيبة والعشرين،الذين خسروا الجولة معها، أن ينصرفوا لتعليم طلبتهم مسائل الشريعة دون الخوض في مسائل سياسية . بعد هذا ساد جوٌّ من الانكفاء والهزيمة ، حتى آلت الأمور إلى التصريح بحرمة العمل السياسي داخل العراق، وصار رجل الدين يتلقى الاتهامات والشكوك إذا سمعه الناس يتحدث عن السياسة .
ونحن لسنا بصدد تقييم تلك المرحلة والنظر إلى تلك الأجواء السياسية الخانقة وما آلت إليه من تداعيات أظهرتها الانقلابات العسكرية المتعاقبة في العراق، لكننا بصدد القول بأن السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه قدّر أن يقتحم هذا المشهد المزدان بالفوضى والإرهاب الفكري الذي يتبناه المجتمع العراقي برمته جهلاَ وتغييباً عن حقائق التاريخ ،ولكن بطريقة أخرى تستند إلى فهم جديد للقرآن لم تألفه الساحة الإسلامية من قبل ، يهدف إلى هدم الركام التفسيري الذي ورثه المسلمون عن (النظرة المدرسية) لآيات الكتاب العظيم واستقر في أذهانهم فكراً أوحداً لا معارض له من جنسه، وإحلال فهم صحيح للقرآن يقوم على فكرة أنّ الله تعالى استعمر الإنسان في هذه الأرض وجعله خليفته واسجد له ملائكته ،وهذا يحتم عليه أن يضطلع بشؤون العباد والمعاد في آن واحد . قال تعالى :(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) [هود : 61].
الشهيد الصدر خاض معركة ؛بل معارك متنوعة وشرسة مع عدة جهات في آن واحد ، لم يُكتب فيها النصر للعراق ، إلى أن جاءت سلطة البعث وصدام فحكمت بتصفيته جسدياً هو والثلة المؤمنة معه في وسط اتسم بالسكوت على هذه الجريمة الكبرى ،حتى صار الذي يظهر إسلامه بنحو أو آخر هو من حزب الدعوة ،ولا فرق في ذلك بين السني وبين الشيعي !
من هذا نفهم أن مشروع السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه كان مشروعاً تغييراً يهدف إلى إحياء المفاهيم التي أماتها الظالمون الذين افسدوا عقائد الناس بان اقتصر تعريفهم لرجل الدين حسب النظرة الأحادية المعروفة للجميع ،فتحولت مشاعر المسلمين في شتى بلدانهم إلى الحكام الظلمة على أنهم خلفاء الحق تعالى .ولهذا تكون المعركة التي خاضها السيد الصدر رضوان الله تعالى عليه من أصعب المعارك في عصرنا الراهن ، إن لم تكن هي أصعبها على الإطلاق .
لقد واجه السيد الصدر خذلاناَ من المجتمع الذي أدعت السلطة البعثية أنها تمثل طموحاته وآماله وتسعى إلى تحقيقها ،ولهذا فأن الإرهاب الذي مورس ضد قادة الحركة الإسلامية في العراق إنما كانت يُمارس تحت هذا العنوان المخادع الذي كان يلقى استجابة عريضة من لدن الجماهير نتيجة التخويف والإرهاب المنظم الذي كانت السلطة البعثية تغدقه بسخاء على المجتمع العراقي وينصبغ بصبغة دينية انطلت على الملايين. ولهذا فإنّ البعض من المحللين ينحون باللائمة الشديدة على المرجعية العليا ويعتبرون موقفها الظاهر موقفاً لا تُحسد عليه تجاه ما تعرضت له الحركة الإسلامية في العراق. لكنّ المتأمل لأوضاع العراق في تلكم الحقبة العصيبة وما عاشته المرجعية العليا يجد قصوراً واضحاً يعتري هذا التصور الأحادي الجانب ،ولاسيما بعد النظر إلى الفروقات الجوهرية في البنية الاجتماعية العراقية ،وتأثيراتها الحقيقية على المشاريع التغييرية التي ينهض بها قادة المجتمع بين فترة وأخرى ،وعلى رأسها المشروع التغييري الذي نهض به سماحة السيد الصدر قدس سره الشريف . أضف إلى ذلك أنّ المشروع المعادي كان ينتظر أن تقتحم بقية الرموز مشهد الصراع لسحقها وإعدام ومسخ ما تبقى من تراث الإسلام في العراق .
إنّ تركيبة المجتمع العراقي تجعل منه مجتمعاً سهلاً لسيطرة الطواغيت ولذا نجد صعوبة تحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي طوال تاريخ العراق ،ولهذا فإني أظن أن السلطة البعثية عرفت جيداً هذه المعادلة فتعاملت معها تعاملاً أدى إلى طول فترة معاناة الشعب العراقي بزجه بأزمات وحروب متنوعة يصعب على أية حكومة تأتي أن توقف هذا النزيف المتدفق من الآلام والرزايا والخطوب .
رحم الله الشهيد السعيد محمّد باقر الصدر وأخته العلوية الفاضلة آمنة الصدر والثلة المؤمنة من الشهداء والمخلصين الذين بذلوا مُهَجهم دونه فداءاً لإسلامهم العزيز .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat