تطبيقات قرآنية على بيان المرجعية الدينية والقاء الضوء على البيان المرجعي
عائد الغانمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عائد الغانمي

قال عز من قائل في كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
((والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد ( ) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا
الألباب )) ١٧ و١٨ سورة الزمر
من هم عباد الله الحقيقيون؟
يستخدم القرآن الكريم أسلوب المقارنة في هذه الآيات، إذ قارن بين عباد الله الحقيقيين في هاتين الايتين والمشركين المعاندين الذين لا مصير لهم سوى نار جهنم في آيات سابقة ، قال تعالى: والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى.
ولكون كلمة (البشرى) جاءت هنا بصورة مطلقة وغير محدودة، فتشمل كافة أنواع البشرى بالنعم الإلهية المادية والمعنوية، وهذه البشرى بمعناها الواسع تختص فقط بالذين اجتنبوا عبادة الطاغوت وعمدوا إلى عبادة الله وحده من خلال إيمانهم به وعملهم الصالح.
وكلمة " طاغوت " من مادة (الطغيان) تعني الاعتداء وتجاوز الحدود، ولذا فإنها تطلق على كل متعد، وعلى كل معبود من دون الله، كالشيطان والحكام المتجبرين (وتستعمل هذه الكلمة للمفرد والجمع) .
فعبارة اجتنبوا الطاغوت بمعناها الواسع تعني الابتعاد عن كل أشكال الشرك وعبادة الأصنام وهوى النفس والشيطان، وتجنب الانصياع والاستسلام للحكام المتجبرين الطغاة.
أما عبارة أنابوا إلى الله فإنها تجمع روح التقوى والزهد والإيمان، وأمثال هؤلاء يستحقون البشرى.
ويجب الالتفات إلى أن عبادة الطاغوت لا تعني فقط الركوع والسجود له، وإنما تشمل كل طاعة له.
كما ورد في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) " من أطاع جبارا فقد عبده " .
ثم تعرج الآية على تعريف العباد الخاصين فتقول: فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
الآيتان المذكورتان بمثابة شعار إسلامي، وقد بينتا حرية الفكر عند
المسلمين، وحرية الاختيار في مختلف الأمور.
ففي البداية تقول (بشر عباد) ثم تعرج على تعريف أولئك العباد المقربين بأنهم أولئك الذين لا يستمعون القول هذا وذاك ما لم يعرفوا خصائص وميزات المتكلم، والذين ينتخبون أفضل الكلام من خلال قوة العقل والإدراك، إذ لا تعصب ولا لجاجة في أعمالهم، ولا تحديد وجمود في فكرهم وتفكيرهم، إنهم يبحثون عن الحقيقة وهم متعطشون لها، فأينما وجدوها استقبلوها بصدور رحبة، ليشربوا من نبعها الصافي من دون تردد أي حتى يرتووا.
إنهم ليسوا طالبين للحق ومتعطشين للكلام الحسن وحسب، بل هم يختارون الأجود والأحسن من بين (الجيد) و (الأجود) و (الحسن) و (الأحسن)، وخلاصة الأمر فإنهم يطمحون لنيل الأفضل والأرفع، وهذه هي علامات المسلم الحقيقي المؤمن الساعي وراء الحق.( ١)
واليوم ونحن على اعتاب مرحلة جديدة من الحياة السياسية بهذا البلد العزيز ، الحري بنا ان نعرف مدى اهميتها ، وان لابديل عنها ، يأتي بيان المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف بعد ان وجه لها جمع من المواطنين ايضاح موقفها وابداء النصح بهذا الشأن
وكالعادة ياتي النصح وابداء الرأي ومن دون ممارسة الحجر على افكار وعقول الآخرين سوى انه نصح من ناصح امين ، اعتاد الجميع على امانته وحياديته وابويته وخوفه على مستقبل هذا البلد وحرصه الشديد على شعبه ومستقبلهم الديني و الاجتماعي والسياسي وغيرها من شؤنه .
انه صمام امان هذا البلد ، الحريص على الشعب كله بكافة قومياته واعراقه ومذاهبه ودياناته .
ان سماحة السيد المرجع علي الحسيني السيستاني اثبت للجميع مدى الروح الرسالية التي يحملها تجاه هذا البلد وجميع بلدان العالم ، انه الاب الحنون الذي عرف بزهده وفكره وحكمته وكياسته في كل الامور .
فالمرجعية شخصت ان هناك طغيانا يمارس من قبل البعض ، وعدم شعور بالمسؤولية ، وتعديا على حقوق هذا الشعب منذ بداية العملية السياسية والى يومنا هذا ، وكثيرا ما تحدثت عنه وشخصته ، وحذرت منه ، وحاولت نصح من مارسة من الساسة باتجاه الكف عنه ، ولكن لم يسمعها احد منهم ، حتى وصل الامر بأن تعبر المرجعية الدينية عن عدم اخذ النصح قائلة ( لقد بحت اصواتنا )
يأتي اليوم ليقدم بيانا يستوضح فيه ما يجب ان يكون واضحا لجميع العراقيين فيقول سماحته :-
بسم الله الرحمن الرحيم
[ ] ( إن المرجعية الدينية العليا تشجّع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة)
يعني ان المرجعية الدينية العليا لا تشجع من يقاطع الانتخابات ، وانما تشجع الجميع على المشاركة لكن لا اي مشاركة وانما لابد ان تتسم بكونها
١. مشاركة واعية للمشهد العراقي ولكل المرشحين في الدائرة الانتخابية التي يريد الناخب الادلاء بصوته لأحدهم
٢.مشاركة مسؤولة اي الناخب يمارس هذا الحق وهو شاعر بالمسؤولية الملقاة علية كونه هو الذي سوف يمكن من يمثله تحت قبة البرلمان ليشرع له القوانين التي تمس حياته ، ويراقب الحكومة في ادائها ، فيعطي صوته لمن هو مؤهل لذلك .
ثم تقول المرجعية :-
[ ] (فإنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد الى مستقبل يرجى أن يكون أفضل مما مضى، وبها يتفادى خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي)
اي الانتخابات وان كانت لاتخلو من بعض النواقص ، على مستوى قانونها ، وادواتها الفنية، وتهيئة بيئتها المناسبة وغيرها ، لكنها تبقى هي الطريق الاسلم للعبور بالبلد الى مستقبل يرجى ان يكون افضل ممامضى .
وهنا سماحته يعطي بصيص امل للشعب اذا شارك بوعي وبمسؤولية ، واحسن الاختيار ان يكون مستقبله احسن مما مضى .
وبالمشاركة بهذه الاتخابات ضمن ما بينه سماحته يدفع الخطر عن مستقبل هذا البلد من فوضى من جهة
ومن انسداد سياسي من جهة اخرى
ومرة اخرى يثبت سماحته للجميع انه اعرف من السياسين انفسهم بالسياسة، اذ لايعرف الاغلب منهم هاتين الكلمتين من السياسة وهما :-
الانسداد السياسي الذي يعني هيمنة نفس الكتل والاحزاب من جديد على البرلمان وعدم فسح المجال للاخرين لممارسة الحرية في تمثيل الناس لاختيارهم من خلال صناديق الاقتراع ، بشتى الوسائل الممكنة مالية كانت او سلاح او غيرها.
ثم يبين سماحة السيد في الفقرة اللاحقة ما يأتي :-
[ ] ( وعلى الناخبين الكرام أن يأخذوا العِبَر والدروس من التجارب الماضية ويعوا قيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد، فيستغلوا هذه الفرصة المهمة لإحداث تغيير حقيقي في ادارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسة، وهو أمر ممكن إن تكاتف الواعون وشاركوا في التصويت بصورة فاعلة وأحسنوا الاختيار، وبخلاف ذلك فسوف تتكرر اخفاقات المجالس النيابية السابقة والحكومات المنبثقة عنها، ولات حين مندم. )
واتصور ان الكلمات واضحة جدا
اذ هي دعوة وتذكير من قبله ادام الله ظله للناخبين جميعا ان لا يقعوا بنفس ما وقعوا فيه من فخاخ في الدورات السابقة ، وعليهم ان ياخذوا العبر والدروس مما مضى ولا يتأثروا بالاعلام الكاذب الخداع .
وعليهم ان يعرفوا قيمة اصواتهم وانها لاتباع وتشترى فهي اغلى من اي ثمن ، اذ هي من ترسم مستقبل هذا البلد ، فأما ترسم مستقبلا زاهرا ، فيما لو كانت مشاركة واعية مسؤولة احسن فيها الاختيار ، او ترسم مستقبلا تسوده الفوضى وتسلط كتل واحزاب وتيارات ، مارست الفساد ولم تتمكن من ادارة هذا البلد الا ضمن مصالحها واهوائها ورغباتها متناسين هذا البلد وشعبه ، ان اسأوا الاختيار .
وكعادة المرجعية التي ليس لديها اي مشروع سياسي شخصي تؤكد ما بينته في كل مراحل الانتخابات الماضية ، من انها لاتساند احد من المرشحين ، دون احد ، كما ولاتساند قائمة انتخابية دون اخرى ، وانما تترك ذلك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم المبنية على اسباب منطقية موافقة للمصلحة في اختيار هذا المرشح دون ذاك .
[ ] والمرجعية الدينية العليا تؤكد اليوم ما صرّحت بمثله قبيل الانتخابات الماضية من أنها لا تساند أيّ مرشح أو قائمة انتخابية على الاطلاق، وأن الأمر كله متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم.
كما ويؤشر سماحته الى امر مهم وهو :-
[ ] ان على الجميع ان يستغل هذه الفرصة المهمة لاحداث التغيير الذي يطمح له من يهمه امر هذا البلد ومستقبله ، وذلك بتمكين اناس اكفاء لهم القدرة في ادارة الدولة بصورة حقيقية بعيدة عن الاخفاقات السابقة على المستوى التشريعي، والتنفيذي
وهو امر ممكن اذا تكاتف جميع الواعون لذلك بمشاركة فاعلة .
وفي الفقرة ما قبل الاخيرة يبين سماحته الالية التي من خلالها يتم تمييز المرشحين ، ويعطي المواصفات التي على ضوئها يتم الاختيار للناخبين
[ ] (ولكنها تؤكد عليهم بأن يدقّقوا في سِيَر المرشحين في دوائرهم الانتخابية ولا ينتخبوا منهم الا الصالح النزيه، الحريص على سيادة العراق وأمنه وازدهاره، المؤتمن على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا، وحذار أن يمكّنواً أشخاصاً غير أكفاء أو متورطين بالفساد أو أطرافاً لا تؤمن بثوابت الشعب العراقي الكريم أو تعمل خارج إطار الدستور من شغل مقاعد مجلس النواب، لما في ذلك من مخاطر كبيرة على مستقبل البلد.)
[ ] وفي الفقرة الاخيرة ينصح سماحة السيد القائمين على الانتخابات من مفوضية وجهات ساندة لها بما ياتي :-
[ ] كما تؤكد المرجعية على القائمين بأمر الانتخابات أن يعملوا على اجرائها في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال او السلاح غير القانوني أو التدخلات الخارجية، وأن يراعوا نزاهتها ويحافظوا على أصوات الناخبين فإنها أمانة في أعناقهم. والله وليّ التوفيق.)
[ ] ان هذا البيان المرجعي يضعنا امام مسؤولة كبيرة نتحمل من خلالها اي اخفاق يصدر لانه كان بأختيارنا ، فما لو لم نحسن الاختيار .
[ ] فهذه دعوة من المرعية للجميع للمشاركة الواعية الفاعلة المسؤولة لابعاد من قبعوا في الفساد والافساد ومعاقبتهم ، وابعادهم عن المشهد السياسي ، وبتكاتف من الجميع .
(١)من تفسير الامثل وبتصرف
يرجى عند النقل الاشارة الى الكاتب والمصدر / كتابات في الميزان
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat