بين رفض العنف و قبوله ثنائية ( التسامح & العنف )
محمد عبد النبي التميمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد عبد النبي التميمي

يبدو ان خطابات التسامح الديني في أوربا مضافا اليها ما انتجه عصر التنوير العقلاني فضلا عن نظريات التطور الحضاري قد عجزت جميعها عن معالجة العنف و الحد من انتشاره ؛ فالعنف اليوم هو السمة و الصورة الطاغية في عالمنا المعاصر ، فهل نستطيع القول بان البشرية قد عجزت عن معالجة العنف ، و هو ما يعني انها تعيش بين رفضه او قبوله ، فإن كانت الاولى فان ذلك لا يعدو ما ذكرناه في بداية مقالنا من جهة مضافا اليه الغاء الاخر و النظر اليه بعلوية و قصر التاريخ البشري على المجريات في أوربا و العمل على تعميم النموذج الغربي في كل ارجاء المعمورة و هو مما يستبطن العنف ضمناً ، و ان كانت الاخيرة فانها دليل صارخ على عدم تبني خطابات التسامح المشار اليها او الفكر او نظريات التقدم الا بمقدار ما تحققه لها من تعميم و هيمنة لنموذجها .
لم يكن ما قدمناه مسلّمة دون مصاديق على أرض الواقع ؛ فالقرن العشرين هو الاكثر عنفاً و دموية كما و اننا افتتحنا القرن الواحد و العشرين بالارهاب و الحركات الإرهابية .
هناك من يقول ان انسانية الانسان بعدوانيته هي التي تصنع العنف ؛ فالعنف يسكن مخيلة الانسان و يعشعش في العقول و الأفكار ، و بالرغم من اعتقادنا ان في ذلك تجنياً على كوامن الخير في النفس البشرية الا انه مما يستلزم منا تفكيك بنية الثقافة و بداهة العقل و بحسب المقولة ؛ ان الاعتقادات التي تخزن عنفاً تتلخص في ( دكتاتورية الحقيقة ، هيمنة المعنى ، ثبات العقائد ) ، و هو ما يعني ان لاسبيل للتخلص من العنف الا بالحرب على المرتكزات الثلاثة التي تم ايرادها ..
و هنا لنا ان نتساءل ؛ اَوَ ليس ذلك مما يستبطن العنف سلفاً ، ثم ان المبنى في تبني ما تم الذهاب اليه قد كان في الانتقال من ديكارت ( انا افكر اذن انا موجود ) الى كامو ( انا اتمرد اذن انا موجود ) .. و بالتامل و التفكر في هذه الانتقالة مع الاخذ بعين الاعتبار حالة الفراغ من المعنى و العبثية التي سادت المجتمعات الاوربية و الغربية عموما إبان القرنين الماضيين و نتائج رفضها و قبولها لذلك و صولا الى الرفض المطلق ( من التشكيك الى التمرد ) و هو ما يستلزم اعتبار الكون عبثياً فارغاً من المعنى و السيادة فيه للانسان فقط دون غيره ، و السؤال هنا من هو الانسان ؛ هل هو الذي نشاهده امامنا كائن ذو يدين و رجلين و عينين و شفتين ام هو من يحمل بين طياته مفاهيم الحقيقة و المعنى .. هل المقصود شكل انسانٍ ام شكل و مضمون انسان ، و هل نحن امام احياء خط الشهادة ( تقديم الانسان لنفسه و التضحية بها من اجل بني جنسه ) للخروج من شرنقة طريقة تفكيرٍ أقرب ما تكون الى طريقة تفكير الخوارج ام الاستغراق في فكرة سيادة الانسان و الذهاب بها لأبعد من حدودها ؛ و بصدد نفس الموضوع و بالرجوع الى ما هو ثابتٌ من تاريخنا نشير الى المواقف الآتية :-
١- الكلمات الاخيرة التي أطلقها امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام و هو في المحراب ( فزت و ربِّ الكعبة ) .
٢- وصية الحسن عليه السلام لاخيه الحسين عليه السلام بعدم اراقة محجمة دمٍ بشأن دفنه .
٣- شهادة الحسين عليه السلام و أهل بيته و أصحابه رضوان الله عليهم ؛ انها تؤكد لقضية مهمة و هي ( ان الهلاك في غضب الإله و فقط ) ، يؤكد ذلك ما قالته زينب عليها السلام ردا على الطغاة ( ما رأيتُ الا جميلا ) و تصريحها اللافت للنظر لحظة وصولها للجسد الطاهر ( اللهم تقبل منا هذا القربان ) .
و ليس غريباً و بالرغم من اختلاف الأهداف و الغايات استعانة منظمة الامم المتحدة برسالة الحقوق لامامنا السجاد عليّ بن الحسين عليهما السلام في كتابتها لنصوص اعلان ١٩٤٨ لحقوق الانسان .
ختاماً استطيع ان اقول ان الشهيد هو ذلك الانسان الذي يريد الفناء في الهه لينهي العدمية ، و ليقول لنا ( ان عظمة الانسان تكمن في انه جسر لا غاية ) ، و اخيراً و ليس اخراً استشهد بما ذكره امامنا الحسين عليه السلام تاكيداً و توضيحاً للقصد من مصطلح العدمية الذي اوردتُه ( و الله لا أرى الموت الا سعادة و الحياة مع الظالمين الا برما ) ..
( اللهم عجل لوليك الفرج )
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat