الشهيد سُليمان بن رزين
الشيخ نهاد الفياض
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ نهاد الفياض

بسم الله الرحمن الرحيم
▪️من الممكن أنْ يقال بأنَّ مبدأ الفتح الحسيني من حينِ هلاك ابن أبي سفيان وتولِّي الفاسق يزيد، وبذلك سوف تتسع الرقعة الزمانية والمكانية لهذا الفتح المبارك، وعليه تكون التسمية للشهيد الأوَّل من حين هذا التحرُّك، وليستْ من أحداث الكوفة أو طفِّ كربلاء.
▪️وعلى هذا يحق لنا أنْ نُطلق لقب الشهيد الأوَّل في الفتح الحسيني على البطل الشجاع الشهيد « سُليمان بن رزين » رضوان الله عليه الذي قُتل صبراً في أرض البصرة على يد الطاغية المجرم ابن مرجانة لعنه الله تعالى.
▪️فمن هو سُليمان بن رزين؟ وماهي مُهمَّته؟ وكيف اُستشهد؟ وأين قبره الآن؟ هذه جملةٌ من الأسئلة سوف نسلِّط الضوء عليها في هذا البحث المختصر، نصرةً منا لشهداء الفتح الحسيني المبارك، وخدمةً للقضية الحسينة بالكامل.
▪️اسمه:
▪️أختلف في اسمه الشريف، ولكنَّ الأشهر عند أرباب السِير والتواريخ هو سُليمان بن رزين، أو سُليمان بن أبي رزين. وقد سلَّم عليه المعصوم عليه السلام في الزيارة الناحية باسم « سُليمان مولى الحسين بن أمير المؤمنين ». وكانت أمُّه جارية عند الحسين عليه السلام في بيت زوجته أم إسحاق.
▪️قال السيِّد الزنجاني: كان سُليمان هذا من موالي الحسين عليه السلام ... وأمُّه « كبشة » كانت جارية للحسين عليه السلام، اشتراها بألف درهم. وكانت تخدم في بيت أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي زوجة الحسين عليه السلام. ثمَّ تزوَّج الجارية أبو رزين، فولدت منه سُليمان، فهو مولى الحسين، كما ذكر الحجَّة عليه السلام في زيارة الناحية(1).
▪️مهمَّته:
▪️لقد كانت مُهمَّة الشهيد سُليمان رضي الله عنه هي إيصال كتاب الإمام الحسين إلى أصحاب الأخماس في البصرة، وذلك لأنَّ البصرة آنذاك كانت مقسَّمة إلى خمسة أقسام، وكان يدعوهم فيه إلى نصرته والجهاد معه.
▪️وصورة الكتاب ـ كما نقلها الطبري في تأريخه ـ كالتالي: أما بعد: فإنَّ الله اصطفى محمَّداً صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم على خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثمَّ قبضه الله إليه ... إلى قوله عليه السلام: وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم، فإنَّ السنة قد أميتت وإنَّ البدعة قد أحييت، وأنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد والسلام عليكم ورحمة الله(2).
▪️والشيء الذي يهمنا من هذا الكتاب هو تعبير الإمام الحسين عليه السلام عن الشهيد سُليمان رحمه الله بقوله: « رسولي »، بإضافته إلى نفسه الشريفة وأنه رسوله الخاص، مما يكشف عن علو شأنه ورفعة مقامه.
▪️استشهاده:
▪️تقدَّم أنَّ مُهمَّة الشهيد سُليمان رحمه الله هي إيصال الرسالة إلى أصحاب الأخماس من أشراف البصرة، ولما وصلتْ الرسالة إليهم قام المنذر بن الجارود العبدي بتسليمه إلى الطاغية ابن مرجانة لعنه الله، فأمر بقتله، فقُتل رضوان الله عليه.
▪️قال الطبري في تأريخه بعد ذكر نصِّ الكتاب: فكلُّ من قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس كتمه غير المنذر بن الجارود، فإنه خشي ـ بزعمه ـ أنْ يكون دسيساً من قبل عبيد الله، فجاءه بالرسول من العشية التي يريد صبيحتها أنْ يسبق إلى الكوفة، وأقرأه كتابه فقدَّم الرسول فضرب عنقه(3).
▪️وفي نصِّ السيد ابن طاووس: وأما المنذر بن الجارود، فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد، لأنَّ المنذر خاف أنْ يكون الكتاب دسيساً من عبيد الله بن زياد، وكانت بحرية بنت المنذر زوجةً لعبيد الله ، فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه(4).
▪️نعم، لقد عدَّه المحقق الاسترابادي في رجاله ممن قُتل مع الحسين عليه السلام(5)، وظاهره أنه استشهد في كربلاء، وهو خلاف ظاهر الأدلَّة المصرِّحة في استشهاده في البصرة، ولذلك يُمكن أنْ يكون مراده قدِّس سرُّه أنه ممن استشهد من أجل نهضة الإمام الحسين صلوات الله عليه.
▪️قبره:
▪️من المؤسف أنَّ قبره الشريف إلى الآن غير معروف على وجه الدقَّة، إلَّا أنَّ المحقق الشيخ محمَّد حرز الدين استقرب أنْ يكون قبره في مدينة « الدير » شمال البصرة، وهو القبر المشتهر عند الناس بقبر سُليمان بن داوود النبي، على نبينا وآله وعليه السلام.
▪️قال رحمه الله: والذي يغلب على الظن وتسكن إليه النفس بعض السكون هو أنَّ هذا القبر لسُليمان بن رزين مولى الإمام الحسين عليه السلام ورسوله الذي أرسله إلى رؤساء الأخماس من شيعته وشيعة أبيه في البصرة، وقبض عليه ابن زياد وقتله في البصرة قبل ورود الإمام الحسين إلى العراق(6).. وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
ــــــــــــــــــــ
(1) وسيلة الدارين ص150.
(2) تأريخ الطبري ج4 ص 266.
(3) تأريخ الطبري ج4 ص 266.
(4) الملهوف لابن طاووس ص 114.
(5)نقلاً عن وسيلة الدارين ص151.
(6) مراقد المعارف ج1ص371.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat