التشيّع في الأندلس
د . عباس جبير التميمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عباس جبير التميمي

في نهاية القرن الثاني الهجري شهد المغرب الإسلامي -وهو اصطلاح أطلقه المؤرخون ليشمل المغرب والأندلس- مدّاً شيعياً من خلال إقامة (الأدارسة) دولة علوية في المغرب الأقصى(سنة 173ه/1789م) على يد إدريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع)، بعد أن تمكن من الهروب من المدينة المنورة إلى المغرب بعد هزيمة العلويين في معركة الفخ (وهو وادٍ بمكة) سنة 169ه، والتي استشهد فيها أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع)، وهو عمّ إدريس(ع).
وتلك المعركة لا تقلّ بشاعة عن معركة الطف في كربلاء، حيث بقي العلويّون متناثري الأشلاء لمدة ثلاثة أيام، حتى التهمتهم الطير وباقي السباع، ولم يجرؤ أحد من الاقتراب منهم أو دفنهم، بالرغم من موطن العلويين في المدينة ومكة؛ لبشاعة الأسلوب السلطوي الذي كانت تتعامل به الدولة العباسية مع المسلمين آنذاك، بالرغم من ادعائها بأنها مناصرة لأهل البيت(ع)، ولهذا يُقال: لم تكن مصيبة كربلاء أشدّ وأفجع من معركة الفخ، بعد أن قطع العباسيون رؤوس العلويين ومثلوا بهم.
ويُذكر أن الرسول محمداً(ص) كان قد خرج من مكة مع بعض أصحابه، ولما وصل منطقة(فخ)، نزل وصلى ركعتين، فسأله أصحابه عن السبب فقال(ص): نزل عليّ جبرائيل(ع)، وأخبرني بأن في هذا المكان يُقتل أبنائي مدافعين عن الإسلام وحرمته، وقد نجح (الأدارسة) في إشعاع أفكار ومذهب أهل البيت(ع) بين البربر، وعبروا به إلى الأندلس، وجاء بعدهم الفاطميون الشيعة الذين نجحوا بإعلان الخلافة الفاطمية في الغرب الإسلامي سنة(297هـ)، بعد جهد استمر أكثر من(150)سنة، وظهرت دولة شيعية ولكن ليس في المغرب بل في الأندلس عُرفت بدولة بني حمود الحسينية، بعد سقوط الدولة الأموية، مكان تأسيسها جنوب الأندلس سنة(407هـ)، فساعدت على انتشار مذهب أهل البيت(ع) بين البربر من قبيلة (صنهاجة) والتي بايعت الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا.
ولكن يمكن القول: إن التشيع في الأندلس لم يكن بقوة ما كان في المغرب العربي؛ ويعود السبب إلى أن الأندلس كانت في جهاد دائم، ولم تكن مستقرة كالمغرب، حيث بدأ الأسبان في هذه الفترة بطرد العرب من أسبانيا بعد توحد الممالك الأسبانية والدعم الأوربي لها، أما قبل هذه الفترة وتحديداً بعد سنة(138ه)ـ عادت الأندلس إلى الأمويين على يد عبد الرحمن الداخل، واستمر حكمهم حوالي أربعمائة سنة.
وكان انتشار التشيع في الأندلس يعود فضله لأحد تلامذة الإمام علي بن أبي طالب(ع) وهو حنش بن عبد الله الصنعاني(رض) الذي كان موالياً لبيت النبوة، والذي دفع ثمن حبِّه بالتهجير من بلاده دمشق إلى مصر إلى الأندلس، وكان سبب دخوله الأندلس مجاهداً حقيقياً لنشر الإسلام في ربوع هذه البلاد، وهو أول من وضع أساس مسجد قرطبة، وأول من وضع قبلة للصلاة، في هذه البلاد الأندلسية، وأسس مسجد سرقسطة، وبعد إكماله المسجد توفي فيها.
ومن الذين ساعدوا على نشر المذهب الشيعي في بلاد الأندلس والي غرناطة عبد الله بن سعيد بن جابر بن عمار بن ياسر(رض) حيث كان له دور كبير كما كان لجده عمار بن ياسر(رض)، وحبّه للرسول أهل بيته(ع)، وكان عبد الله أيضاً من الذين استشهدوا في الأندلس.
وسبب انتشار المذهب الشيعي في المغرب العربي، وإقبال أهل البلاد عليه بقناعة وحب يعود فضله للإمام الصادق(ع)، فقد ذكرت المصادر بأن الإمام جعفراً الصادق(ع) أرسل داعيَين للمغرب هما الحلواني وأبو سفيان، وهم من تلامذته وقال لهما: إن المغرب أرض بور، فاذهبا واحرثا حتى يجيء صاحب البذر، فنزل أحدهما في بلدة (مراغة) والآخر في بلدة (سوف جمار) من أرض (كتامة)، فانتشرت الأفكار الشيعية في هذه النواحي، من خلال تعريف الناس بنسب أهل البيت(ع)، وتصحيح المسار الإسلامي الذي تم تحريفه من قبل السلطتين الأموية والعباسية، وأحقية البيت النبوي في قيادة الأمة، فيما جاء عن الرسول(ص) في حجة الوداع، ليس لأمر دنيوي، ولكن لإنقاذ البشرية جمعاء من براثن الخطيئة؛ وذلك لأن الإسلام دين الختام للناس في كل مكان، ولكن بسبب التآمر توقف الجزء الأكبر، وحُرمت فئات كبيرة من الشعوب التنعم بالإسلام، ولو كان حصل ذلك لنعمت الأرض بخير ونعيم، وقلّت مشاكل البشر وصراعاتهم وفسادهم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat