المستبصر إدريس هاني: قادني حدسي وفطرتي لأتبع مذهب أهل البيت(ع)
سرمد سالم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سرمد سالم

حاوره : سرمد سالم
دخول حلبة الحوار مع الذين اعتنقوا مذهبَ أهل البيت(ع)، يضفي أجواءً مفعمة بالحيوية، بالوقوف على عوالم كانت مغيَّبة وأصبحت تربو عند سواحل الحقيقة والمكاشفة الوجدانية، خاصة ما حصل مع ضيف حوارنا هذه المرة المستبصر (إدريس هاني) من المغرب العربي، وهو إعلامي وباحث وكاتب عن الدراسات الفكرية والثقافية، ومعني أيضا بالشؤون العربية..
صدى الروضتين: ما الذي قادَكَ لإتباع مذهب الحقّ مذهب أهل البيت (ع)؟
قادني حدسي وفطرتي لأتبع هذا المذهب وبكل هدوء ومن دون مؤثرات خارجية، لكن اهتماماتي بقضايا التاريخ وعلم الكلام أوقفتني أمام إشكالات وصلت إليها وفي وقت جداً مبكر، واليوم معظم عمري قضيته في هذا الطريق؛ لذلك فأنا لا أذكر الأيام التي كنتُ فيها بعيداً عن أهل البيت(ع)؛ ومجرد ما وقفت على محنتهم (ع) وعلى رأسهم الإمام الحسين (ع)، تفاعلت معه؛ لأنني كمغربي توجد للإمام الحسين مكانة في قلبي، فغضبتي للحسين غضبة فطرية كمغربي وليس كشيعي، ولم أستطع تجاوز هذه المحنة وهذه المصيبة، فاستوقفتني قضية الإمام الحسين(ع) فغيّرت مجرى حياتي وفكري وروحي..
صدى الروضتين: هل هنالك شيء قادك لتبصر ضياء نبراس الحق وسط التعتيم الموجود؟
المقت أو الرفض المطلق للظلم هو الذي جعلني أقف عند قضية الإمام الحسين(ع)، ومهما قدموا لي تبريرات فهي لم تقنعْني؛ ولقد بحثت كثيراً رغم قلة المصادر، لكنني حاولتُ من داخل (مدرسة العامة) أن أقف على بعض الحقائق، وعن طريق المقارنة بين بعض الحقائق اهتديت إلى بعض الأفكار، ثم جاءت ظروف مكنتني من استكمال التحقيق في هذا المجال.. ولقد أمضيت أكثر من ربع قرن من حياتي في البحث والتحقق في هذا الأمر، وأعتقد لم أجد التبريرات إلى هذا الوقت، ولم أقتنع بما يُقال لي: لماذا قُتل الإمام الحسين(ع)؟ يوم كنت صغيراً، واليوم وأنا في سنٍّ كبيرة، فبالتالي ظلت قضية الإمام الحسين نابضة في ذهني لم تبلَ، ولذلك وقبل أن أسمع من أفواه أتباعه حينما كانوا يقولون: (أبد والله لن ننسى حسيناً)، فأنا بالفعل لن أنسى حسيناً..
صدى الروضتين: كم عمرك عند استبصارك؟ ولماذا علقت في فكرك قضية الإمام الحسين(ع)؟
استبصرت منذ صغري، وبدأت أطرح هذه التساؤلات وأنا في الخامسة عشر من العمر، ولقد كانت عندي تساؤلات عديدة، واعتقاد كبير بأهل البيت (عليهم السلام)، وبدأت اهتم بهذا الاعتقاد وأن أبنيه بقدر استطاعتي على أسس علمية، وبالتالي اصطدمت بحقائق بالفطرة؛ لأن قضية الإمام الحسين هي قضية ظلم، هي قضية وجدانية لا تحتاج إلى برهان كبير، تحتاج إلى مجرد إعمال الوجدان والفطرة.. الحسين(ع) كان مظلوماً من كل الجوانب، فأنا أعتقد أن الحسين هو معيار إنساني، فإذا نسيت الإمام الحسين بمعنى أصبح لديّ خلل في معاييري الإنسانية، وأخشى أنني أنسى حسيناً فأفقد واحدة من المعايير التي تحدّد إنسانيتي وترضي ضميري..
صدى الروضتين: كيف كانت مجابهة الأهل والأقارب حينما علموا باستبصارك؟
قضية الإمام الحسين(ع) لا يستطيع أحد أن يجابه فيها، في المغرب الناس تحب أهل البيت(ع) وتحترمهم، ولكن هذه القضية كبيرة، فقد قتل حفيد النبي(ص)، مع هذه الفاجعة تتصادم ثقافتنا وصميم اعتقادنا، ولكن العناد الذي أتت به بعض الأفكار الشاذة، وهذا قد جاء فيما بعد من اتجاهات معينة، وهذه القضية لابد أن تطرح لك مشاكل كثيرة.. نحن نعيش في مجتمع حر، والمشكلة هنا انك لا تستطيع محاسبة إنسان فقط؛ لأنه اعتقد أو لمجرد خيارات فكرية أو اعتقادية، والمشاكل التي واجهتها مع أناس تلبسوا بمذاهب شاذة من بعض الاتجاهات عند أفكار غريبة حتى في بلدنا مثلاً.. وبعض التداعيات التي خلقت لنا بعض التحديات والمشاكل مع المحيط؛ ولكن الحمد لله أن تكون حسينياً فأنت تُلهم أيضاً وجدانٌ قوي وصبر وتصميم وإصرار على الحق والعدل، ولا أعتقد من كان حسينيا حقيقيا أن تمنعه هذه المشكلات والتحديات من أن يستمر في قناعته بل تزيده قوة ومناعة..
صدى الروضتين: حركة الشيعة والتشيّع في داخل المغرب؟
هنالك قناعات للناس الذين يعتقدون بمذاهب وأفكار واتجاهات كثيرة، وقد تحصل أن أحدهم ممكن أن يقتنع بالفكرة الشيعية، وهذا أمر موجود لكن ليس بالمبالغات التي تُستغل لأسباب سياسية، وتُوظف في سياقات التنابذ والتضارب والتقارع المذهبي والطائفي الذي تستغله الكثير من الجهات.. وأنا أعتقد إن هذه المسألة عادية جداً، لكن في الواقع مازالت مجتمعاتنا متخلفة عن استيعاب حق الاختلاف، وحق الناس في النظر والاقتناع والبحث..
صدى الروضتين: هل هنالك حركات لتضليل مذهب أهل البيت(ع) في المغرب، وكيف كانت مجابهتكم لهذه الحركات؟
بالنسبة لي أنا أحسّ بالامتلاء الفكري والروحي من خلال الحسين(ع)، وأعتقد أن كل من يريد أن يحاربني في هذه القضية سيكون هو الأضعف؛ وذلك لأن الحسين في قناعتي، وأستطيع أن أواجه العالم كله في قضية الإمام الحسين التي هي واضحة عندي، ولا أناقش فيها أو أخفيها؛ لأنك يجب أن تعرف الحسين(ع) حتى تعرف لماذا هؤلاء لا يعرفون الحسين، ولا يعرفون الحقيقة الحسينية التي شكلت تجلياً حقيقياً للإسلام، وجعلت الاستمرار للإسلام؛ لأن (الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء)، وهؤلاء الذين يجهلون هذه الحقيقة لا يمكن أن أفهمهم إياها، ولا أبرهن لهم عليها، هي ليست مسألة نظرية هي مسألة عملية، هي مسألة سلوك وخبرة نفسية، والحقيقة الحسينية هي ليست أن رجلاً ظُلم فقط.. فهي تعكس حقيقة الظلم والعدل، وتعكس كيف تصارعت الحرية ضد الاستبداد، وتعكس المعاني العميقة للإسلام المحمدي.
صدى الروضتين: كيف كان دورُك في نقل فكر وثقافة وأخلاق أهل البيت(عليهم السلام) في المغرب العربي؟
أعتقد أن الإنسان اليوم في هذه الوضعية التي يعيشها العالم في التقدم والتواصل والتقنيات الموجودة وغيرها، فلذلك أصبحت الحقائق موجودة وقريبة جداً، وأصبحت الكلمات تمشي على الأرض، وعملية اقتناء الأفكار لاتحتاج إلى أن يحمل الإنسان قراباً على ظهره ويتجول في البراري حتى ينشرها.. الحمد لله الأفكار هي نفسها أصبحت تمتلك أجنحة، والمطلوب منك أن تكون متخلقاً ورجلاً حراً.. وأنا لا أعتقد أني منتدب لمكان ما، وإنما أنا إنسان لأمة كاملة ولإنسانية كاملة، وما اقتنع به أفكر به بصوت عال، وأقوله للعالم، ويتقاسم معي هذه الحقيقة، وأحاول أن أقول بالتي هي أحسن، ومع احترامي للاختلاف والآخرين، ولكني لست مستعداً لكي أنسى حسيناً، وهذه المسألة الأساسية عندي في ما تبقى من عمري.
صدى الروضتين: ما رأيك في قول بعضهم: إن قضية الإمام كانت نزاعاً على سلطة؟
بعض الناس يتصورن أن قضية الإمام الحسين(ع) قضية منافسة على السلطة وغيرها.. الإمام الحسين(ع) زهد في السلطة وهو فوق السلطة، وفوق أن ينابز أولئك الذين يعشقون السلطة، هو كان مع القيم العليا، وواجه من أراد أن يرغمه على الخضوع، واجه من هدّده في كرامته، وواجه من حاول أن يخدش في مروءته، فلذلك قال: (هيهات منا الذلة)، فالحسين يلخص ذلك، وابنه الإمام زين العابدين(ع) يلخصها بشكل دقيق في دعائه المأثور: (اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة)، فبالتالي هذا هو النهج الحسيني.
صدى الروضتين: كيف كانت مقارنتك مع باقي المذاهب؟
هنالك مسألة وجدانية، الحقيقة تظهر، ولقد كنت دائماً أمارس هذه المقارنة في مجال الاعتقادات والمذاهب والأفكار ولازلت؛ لأن مطلق الفكر هو فكر مقارناتي، فالمقارنة تجري بوعي أو بغيره، فبالتالي لا يمكن أن يجري وحده، وحتى بالترجيحات التي يقوم بها هي ترجيحات في منطقة اللاوعي.. أما المقارنة فهي حاضرة دائماً، وإن تعاليم أهل البيت (ع) لايعلو عليها أحد، وإن الإسلام لا يمكن لي أن افهمه إلا من خلال تعاليمهم وتراثهم، فهم الموكلون بهذا الأمر بتوضيح الحقائق الوحيانية والدينية، ولا أثق في غيرهم ولست ملزماً به، والمسألة ليست قضية نظرية فقط فيها النظري والعملي.. وفي الآخر يجب أن نجرب، وأن ندخل في تجربة، فلقد منحوني(ع) الكثير من الطمأنينة النفسية والروحية والقناعة العقلية.. وبالتالي الأحمق وحده من يتخلى عن هذا المكسب..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat