صفحة الكاتب : د . احسان الغريفي

السجود بين الأصالة والتغيير
د . احسان الغريفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

        لقد ارتبطت كثير من الشعائر الإسلامية عند أكثر المسلمين ارتباطاً كبيراً بينها وبين السلطة الحاكمة منذ صدر الإسلام وحتى أواخر العهد العباسيّ، فكان الخليفة يعدُّ عندهم أحد مصادر التشريع التي اعتمدوا عليها، ومن هذه الشعائر التي ارتبطت بالحاكم  الصلاة، إذ جرت العادة أن يؤم الخليفة المسلمين في الصلاة أو مَن يوليه الخليفة على الأمصار، ولم يتقيَّد أغلب هؤلاء بسنَّة رسول الله، فراحوا يجتهدون اجتهادات خاصة كانوا يرونها مناسبة فيضيفونها في الصلاة، أو في غيرها من العبادات، وهذه الإضافات لم تكن موجودة في زمن رسول الله، حتى تغيرت صورة الصلاة عمَّا كانت عليه في زمن الرسول، ولم يقف الصحابة صامتين أمام كلّ هذه المستجدات، بل كانت صرخات الصحابة تعلو بين الحين والآخر مصرحة بتغيير شعائر الدين، ومنها الصلاة، فمرَّة يصرخ عبد الله بن مسعود قائلاً: (صَلَّيْتُ مَعَ النبيّ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ  أبي  بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ، فَيَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ(1). فابن مسعود يتمنى أن تقبل منه ركعتان من الركع الأربع التي صلاها خلف عثمان الّذي أبدل صلاة القصر بالصلاة التامة، وكان الرسولوأبو بكر وعمر يصلونها ركعتين، وصلاها عثمان أربع ركعات.
ونسب أحمد بن حنبل تغيير الصلاة، وتحريفها إلى الحجَّاج؛ فقال: (حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا عَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهالْيَوْمَ. فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ ولا الصلاة؟!
 فَقَالَ: أَوَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ مَا صَنَعَ الْحَجَّاجُ فِي الصَّلاةِ)(2). وقد صحح هذا الحديث شعيب الأرنؤوط قائلاً: "حديث صحيح".

وروى البخاري استياء الصحابي أنس بن مالك الَّذي يشكو من تغيير أمور الدين كلِّها حتَّى الصلاة، فقد روى البخاري حديثين بهذا الشأن، فقال: (... عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيّ . قِيلَ الصَّلاَةُ ؟!
 قَالَ: أَلَيْسَ ضَيَّعْتُمْ مَا ضَيَّعْتُمْ فِيهَا)(3).
ولم يتمكن أَنَس بْنِ مَالِكٍ من رفض هذا الواقع المرير فراح يبكي على ضياع الدين وضياع سنة رسول اللهكما يروي البخاري قائلاً:
...عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ)(4).
ومن هذه الأمور التي ضيعت السجود على التراب فغيَّرُوه، وأجازوا السجود على كل شيء من تراب وحجر ورمل وحصى وصوف وقطن وغير ذلك، بل على ظهر إنسان آخر عند الزحام، وهناك طائفة من قدماء علماء أهل السنَّة توافقنا في ملازمة البقاء على تأصيل شرائط السجود التي كان عليها رسول اللهوالسلف الصالح دون الجنوح إلى المستجدات التي أحدثت في السجود، فقد(قال ابن المنذر: كرهت طائفة السجود إلا على الأرض، كان جابر بن زيد يكره الصلاة على كل شيء من الحيوان ويستحب الصلاة على كل شيء من نبات الأرض)(5).
وروي عن الصحابي( ابن مسعود أنه كان لا يصلي على شيء إلا على الأرض)(6) .
(ومذهب مالك: أنه يكره السجود على الطنافس وثياب الصوف والكتان والقطن وبسط الشعر والأدم وأحلاس الدواب، ولا يضع كَفَّيِّه عليها، ولكن يقوم عليها ويجلس ويسجد على الأرض، ولا بأس أن يسجد على الخمرة والحصير وما تنبت الأرض، ويضع كفيه عليها)(7).
(وَقَدْ رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه الصَّلاة عَلَى شَيْء دُون الأرْض ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ غَيْر عُرْوَة)(8).
والظاهر أن أبا بكر كان يأمر بالسجود على الأرض مباشرة، فقد روي (أنه رأى قوماً يصلُّون على بسط، فقال لهم: أفضوا إلى الأرض)(9). ولم يجوِّز لهم الصلاة على البساط. فالسجود على التراب ليس بدعة كما زعم أتباع النهج الأموي في العصر الحاضر بل هو السجود الأصيل والصحيح حتَّى أنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كان يسجد على التراب كما سيأتي بيان ذلك في العدد القادم.
المصادر:
(1)  صحيح البخاري:111[باب تضييع الصلاة عن وقتها- ح. 529]،دار الكتب العلمية،بيروت-لبنان،ط.الخامسة؛2007م-1428هـ.
(2)  مسند أحمد بن حنبل:3/255[3/208]،[مسند أنس بن مالك- ح. 13174]، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط.الأولى؛1413هـ-1993م. 
(3)  صحيح البخاري:111[باب تضييع الصلاة عن وقتها- ح. 529].
(4)  نفس المصدر السابق:[ح. 530].
(5)  فتح الباري لابن رجب:2/259، دار ابن الجوزي، الدمام- السعودية ط. الثانية؛ 1422هـ.
(6)  ينظر: نفس المصدر السابق:2 / 254.
(7)  نفس المصدر السابق:2 / 260.
(8)  فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني:1/644[كتاب الصلاة/إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد]، تحقيق:عبد العزيز بن باز، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط.الأولى؛1410هـ-1989م.
(9)  فتح الباري لابن رجب:2 / 254.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . احسان الغريفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/04



كتابة تعليق لموضوع : السجود بين الأصالة والتغيير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net