بعد أن غيّبها ليلٌ طويلٌ مظلم كان قد أسدل ستائره السود على كلِّ نقطةٍ مضيئة لعقودٍ متتالية، وبعد أن عانت كربلاء ماعانته من ظلم الأنظمة الديكتاتورية، إنبثق فجرٌ جديدٌ يعلنُ بولاءٍ ومحبةٍ بدايةَ ربيعِ عهد جديد تفتّحت أزهارُه وامتلأ بشذاها أثيرُ كربلاء، وكان لابدّ أن يأخذ كل ذي حقٍّ حقه، وأن نستذكرَ الذين كان لهم علينا حق لدورهم الكبير الذي مارسوه لبناء أبرز المعالم الكربلائية..
ولغرض تسليط الضوء على ذكريات هذه الشخصيات الكربلائية على اعتبارها جزءاً لا يتجزأ من تاريخ مدينتنا المقدسة، ارتأت الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة توثيق هذه المرحلة من تاريخ العراق بشكل عام وتاريخ كربلاء بشكل خاص من خلال هذه الزيارات..
فكان لصدى الروضتين وقفة مع إحدى شخصيات كربلاء السيد علي جواد هاشم موسى هاشم موسى عيسى الخياط من السادة آل طعمة ومن مواليد كربلاء عام 1930 وهو أحد التدريسيين الكربلائيين الأكْفَاء والذين خدموا مهنة التدريس بأمانة واخلاص لعقود من الزمن، وكان من بين تلاميذه بعض السادة السياسيين في وقتنا الحاضر.. وعدد كبير من الأطباء والمهندسين والمدرسين وفي كافة الاختصاصات الأخرى..
• عملت في التدريس من العام 1950 ولغاية العام 1965 وبعدها انتقلت الى العمل كمعاون لمدير التربية وحتى العام 1982، كما تم ترشيحي لمنصب مدير التربية ولكني رفضت ذلك المنصب كوني أحب مهنة التدريس أكثر من باقي المناصب الأخرى؛ ولأني أشعر بأني أقدم للناس خدمة كبيرة، وقد تخرج على يدي الكثير من الأطباء والمهندسين والصيادلة والمدرسين وغير ذلك من باقي الاختصاصات.. كما دخلت العديد من الدورات خارج القطر مثل بيروت مرتين, ومرتين الى ايران كل مرة لمدة سنة، وقد درّست اللغة العربية، ولذلك كنت في بعض الأحيان أُنتدب للتدريس في دار المعلمين وفي دار المعلمات وفي بعض الثانويات المسائية، وأعطي المحاضرات في بعض الأحيان بعد انتهاء الدوام الرسمي في مديرية التربية..
• كما لابد أن أعرّج على سبب تسميتنا بالخياط، حيث كان جدُّ جدي هو الوحيد الذي يستطيع خياطة الستائر التي تعلق في ضريح سيدنا العباس عليه السلام، وكان يُعرف بالخياط لهذا السبب، وحين يسأل عنه أو عن أبنائه يقال الخياط او ابناء الخياط، واستمر الحال كذلك حتى بتنا نُعرف بآل الخياط..
• عندما أتجول بذاكرتي في كربلاء القديمة، أجدها كانت تقتصر على منطقة الحرمين وما يحيط بالحرمين من محلات وتنقسم إلى ست محلات كبيرة، هي باب بغداد، وباب النجف، وباب السلالمة، وباب الخان، وباب الطاق، والمخيم.. وكانت الدور ملتصقة بحائر حرم الإمام الحسين عليه السلام، وحائر حرم الإمام العباس عليه السلام. كانت الطرق ضيقة وليست شوارع كبيرة كما هو الحال الآن، حتى أن السيارات لا تتمكن من الدخول إلى داخل المدينة القديمة والوصول الى حرمي أبي عبد الله وأبي الفضل العباس عليهما السلام، وكانت الخدمات في ذلك الوقت قليلة ومنها الكهرباء، حيث كانت الكهرباء في ذلك الوقت ضعيفة وغير كافية حتى لإضاءة الشوارع، وكانت الشوارع تُضاء بالمصابيح النفطية (الفوانيس)...
• زوار كربلاء المقدسة في تلك الفترة قليلون جداً بالمقارنة مع الزائرين في الوقت الحاضر، وحتى الحرم كانت مساحته ليست بالاتساع الموجود في الوقت الحاضر، فكان صحن الحرم المطهر يستوعب جميع الزائرين؛ لأنهم قليلون. أما عن الكيشوانيات فكانت قليلة جداً بالقياس مع ما موجود الآن، فكانت مقتصرة على ثلاث كيشوانيات هي كيشوانية سيد رضا، وكيشوانية شيخ علي، وكيشوانية الحاج صادق.. كانت علاقات الناس ببعضها تعتمد على أساس علاقات الرحم والمصاهرة والجوار، فنتيجة صغر مساحة مدينة كربلاء في ذلك الوقت كان الكربلائي يعرف كل الموجودين بمحلته، وكثيراً من الآخرين في المحلات الأخرى.. لذلك لم يكن الغريب يدخل الى هذه المحلات من غير أن يُعرف...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat