شعوب مستلبة بلا مناعة ثقافية الجزء الثاني
عدنان الصالحي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عدنان الصالحي

إن مصطلح محدودية الثقافة، لا نقصد به نقص ثقافة خاصة، كثقافة الاقتصاد، أو ثقافة الاجتماع، أو ثقافة التربية، أو ثقافة الجيش، أو ثقافة الإمارة، أو ثقافة الحكم، أو ثقافة الزراعة، أو ما أشبه.. وإنما نقصد نقص ثقافة الحياة بمجموعها، فإن من الضروري:
أولاً: أن يعرف الإنسان طبيعته.
وثانياً: أن يعرف ماذا يلائمها، وماذا ينفرها؟
وثالثاً: أن ينظر هل الاجتماع مكوّن من الملائم أو المنافر؟
في عام 2000، التقى قادة العالم في نيويورك، وأصدروا إعلان الألفية الرنان، الذي وعد بخفض أعداد أولئك الذين يعانون من الفقر المدقع والجوع من البشر إلى النصف، بحلول عام 2015. كما تعهدوا بخفض أعداد البشر المحرومين من مياه الشرب الآمنة، والصرف الصحي، إلى النصف.. ومن المرجح إلى حد كبير، أن يفشل قادة العالم بحلول عام 2015 في الوفاء بوعودهم (المخففة)، حسب (بيتر سِنجر الأستاذ في جامعة برينستون)، وهذا ما نشاطره الرأي فيه، فقد أغفل أو أبعد قادة العالم، أهم أسباب تردي تلك الأوضاع، وهي نوعية ومستوى الثقافة العام للشعوب، والذي يلعب البعض على بقائه متدهوراً، بشكل يثبت دعائم حكمه وسياسته، لذلك سيجد نفسه بين تيارين متعاكسين؛ الأول، ناشئ من عمله، حسب الاتفاق المبرم على تحسين الأوضاع المعاشية والحياتية للمواطن. والثاني، في عدم دفع المواطن للتفقه في العلوم العامة، كي لا يتحول الى مناقش ومعارض، أو حتى منافس، لو فهم الكثير مما يغفله حاضراً عن الكثير من الأمور.
إن الثقافة المقصودة للمجتمع، لا تكتفي بالتعليم، وتلقين الطالب المعلومات وتوصيلها إليه، بإحدى الطرق السهلة، خلال سنوات الدرس المثبتة، إنما يتطلب ذلك عدة أهداف، يتطلب الوصول إليها منها:
1- التعليم المقترن بغرس المبادئ الجميلة، التي تخلق من المرء مواطناً صالحاً، ايجابياً في التعامل مع ظروف الحياة، يقبل على العلم بمحبة، ويرغب بتطوير نفسه، واكتساب المهارات المتعددة، والقدرة على تطوير الذاتن وإتقان العمل، وإيجاد الطرق الى معلومات أخرى تفيد نفسه ومجتمعه.
2- الإكثار من القراءة والاطلاع والدراسة في كل المجالات التي تساعده في التقدم، وعدم الركون في المكان نفسه؛ لأن الحياة تتطور بسرعة، وتدعو الى اللحاق بها، وكما أسلفنا فان الجمود يعني الفناء.
3- الدفع باتجاه التعمق بالمواد المدروسة، وعدم التسطح في مفاهيمها.
4- إشعار الفرد والمجتمع عموماً، بأهمية معرفته للأشياء التي تحيط به، وكونها لا تقل أهمية عن طلبه للرزق والبناء، وسائر الأفعال اليومية.
5- التأكيد على إن حل أكثر المشاكل صعوبة، يبدأ من الفرد في كيفية التعامل معها، وعدم رميها على الأقدار والأسباب الخارجية، فالإنسان صانع الحياة، وإذا ما فهم معادلة الحياةن فانه سينجح في حل طلاسمها.
6- إفهام المتلقي بأن تثقيف الفرد، هو بمثابة تحصين له من جميع الأفكار التي قد تقوده نحو الانهيار الخلقي، أو الخنوع والخضوع، واكتسابه القدرة على التخطي للمكائد والهفوات التي قد تودي به الى فشل ذريع.
7- الثقافة الجيدة هي الثقافة التي تنتج قيماً جيدة، والثقافة السيئة تنتج قيما سيئة، لذلك فلابد من تحسين نوعية الثقافة التي ترتكز على قيم الحرية، واحترام التنوع، والحوار السلمي، واللاعنف، وتقدير الكفاءات، وتفويض القدرة، ونبذ الاستئثار والاقصاء، والاتفاق على احترام مبدأ تكافؤ الفرص.
لقد منح الخالق (عز وجل) لكل إنسان القدرة على أن يتكامل في جميع الحواس التي متعه بها، ولعل السير في تنمية قدراته الفكرية، تبدو في طليعة من أوجبت الشريعة والعلم العمل بها، والحث على طلبها، لذا فمن الضروري اليوم أن نأخذ باهتمام متزايد، ما يتطلبه العصر الحالي من توسع بالثقافات الحقيقية التنموية لعقلية الشعوب، والنهوض بالمستوى الفكري، لينسجم ومتطلبات المرحلة، من تطور تقني في جميع جوانب الحياة، وحماية المجتمعات، وتحصينها من أي تسخير ثقافي، أو استغلال فكري، أو استلاب نفسي، أو اغتراب حضاري.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat