ومضى عامٌ آخرٌ أيضًا.. ولا زالت وُرَيقَاتُ العُمرِ تتساقط دون توقّف..
أرتعش، أرتعب وأزداد خَوفًا كُلّما دنا العُمرُ مِن العِشرِين دُون إنجازاتٍ ودون أهدافٍ جديدة..
يَمضي ربيعُ أعمارنا ويَدنو خريفنا، بدأت الأوراق الخُضرُ تصفرّ شَيئًا فشَيئًا، وأيّام ريعاننا تقلّ وضَوء نهارِنا يَخفُت..
ترتعدُ فرائصي كُلّما دنا أجلي وأنا لا زلتُ فِي ذاتِ المَكان، ولا زالت نسبة تأثيري فِي هذا الكَونِ صِفرًا، فكَيف اذا انقطع من الدُّنيا أثري ؟
سيّدي بقيّة الله؛ إنّ هذا العُمر منذورٌ لكَ لا غَير، تاللهِ إنّ هذا القَلب رُغمَ تَقصيره يُحبِّكَ جِدًّا، ولا يبتغي لكَ إلّا خَيرًا، إنّكَ أنتَ المُعينُ رُغمَ أوجاعِك، أؤمنُ حَتمًا أنّ معرفتكَ كانت من توفيقِكَ لي لإعطائي فُرصةً فِي الخَوضِ في غِمار الدُّنيا، لأقاتِل النّفس والهَوى، لأصنع أثرًا..
سيّدي أنا ابنة التّسعة عشرة خطيئة.. وأنتَ ابن الألف عامٍ مِن نُور.. فتَحَنّن .
&&&
" ظُلُماتٌ ورِمال "
تيبّست شَفتاي عطشًا، وملأتني الرّمال فحوّلت بياض ملبسي لأصفرٍ داكِن، ورويدًا رويدا تسلّل البرد والرّطوبة ليُلامِس جِلدي، هذه المرّة الأمر مؤلمٌ جدًّا، فلن أستطيع أن أدفئ نفسي، ليس بمقدوري الحركة، فسَيّرتُ ذاكِرتي لتلك اللّحظة علّني أنسى ما أنا عليه الآن، ما أذكره حينها أنّني شعرتُ بالحَرارة تُحيط بجبهتي ورأسي وسُرعان ما تهاوى جسدي ليلتصق حُطامه بطبقات الأرض الصّلبة، هي ثوانٍ فقط، حتّى تحرّرت رُوحي وعادت تتحرّك، لكن ما هذا ؟! من هذا الّذي تراه مطروحًا أليس أنا ؟! كيف حصل ذلك ؟!
حطّم رُوحي منظر الدّم المُتدفّق من جبهته كصنبور الماء، أجل.. إنّه أنا.. رصاصة استقرّت وسط جبهتي لتُنهي ربيع عُمري اليسير..
حملوني وتعالى الهتاف ( لا إله إلّا الله.. الشّهيد حبيب الله )
وما بين رمالٍ وظُلُمات؛ كان مُستقرّي .
رحل الأحباب والأصحاب، وها أنا وحدي هُنا، مرّت عليّ السّنون وأصبح شاهِد قَبري تُرابًا، طاب ثراها أمّي كانت تعتني بتزيين قبري وكأنّها تحتفي بزفافي الّذي لَم يحصُل طِوال حياتي..
غدت عوالِمي تُرابًا وظُلُمات، أعطيتُهُم دمي ورُوحي، بعتُ راحتي وحياتي، أفنيت على السّواتر سنيّ ربيعي، وآلفت البارود رفيقًا، سهرتُ ليلي وودّعت راحة نهاري، وما إن عرجت رُوحي حتّى غدت ذِكراي مُرعبة، يهربون من ذِكري لأنّه مؤلم ! مؤلمٌ أن تتذكّر من غدا موطنه التّراب وصدى حنجرته لا يُسمع.. فاختاروا مصيري لأغدوا نسيًا منسيَّا..
أنا جسد الشّهيد المنسيّ؛ فمَن أنتَ ؟!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat