أصبحت ظاهرة غسيل الأموال تمثّل أهم الأخطار غير المنظورة التي تهدد الاستقرار الاقتصادي على مستوى العالم، فهي ترتبط بأنشطة غير مشروعة، وعمليات مشبوهة، تتحقق منها دخول طائلة تؤثربصورة سلبية على الاقتصاد المحلي والإقليمي والدولي، وتشمل عمليات غسيل الأموال مجموعة الأنشطة التي تنفّذ بعيداً عن أجهزة الدولة، وتتجسد عبر تصرفات أو معاملات تقوم بإخفاء الصفة أو انتفاء الصلة بالمصدر غير المشروع لهذه الأموال، والتي تأخذ دورتها العادية في تيار الدخل القومي بعد ذلك.
تطوّرت أساليب غسيل الأموال تطوراً كبيراً، وتنوّعت بمرور الوقت مع التقدم التكنولوجي،كذلك بالنسبة لمفهومهافقد تطوّرمفهوم عملية غسيل الأموالوتم تعريفها من قبل أكثر من واحد وبطرق وأساليب مختلفة، فقد ينظر إليها البعض بأنها تلك الأموال التي تكتسب بطرق غير مشروعة، فيلجأ أصحابها إلى إخفائها، وإعادة توظيفها في مجالات أخرى مشروعة، من خلال ما يُعرف باسم "عمليات غسيل الأموال ذات السمعة السيئة". كما يعدّها البعض الآخر ما هي إلاّ محاولة استخدام القنوات المصرفية والمؤسسات المالية في تنفيذ العمليات المالية، والتحويلات المصرفية للأموال الناتجة عن الدخول غير المشروعة والمودعة في هذه البنوك والمؤسسات، بغرض تغيير الصفة غير المشروعة للأموال، ووضع صعوبات كبيرة في تعقّبها بواسطة السلطات الأمنية، ثم إعادة ضخها في الاقتصاد المُعلن مرة أخرى بصفة جديدة.ولهذه العملية الكثير من الانواع،وهذه بعض الأنواع الأساسية لعملية غسيل الأموال:
1. إن تبييض الأموال، أوغسيل الأموال إصطلاحان جديدان في علم الاقتصاد، ولهما مدلولان متقاربان يختلفان في منطوقهما، ويلتقيان في مفهومهما، إذ أن انتشار المخدرات والتهافت على تناولها جعل منها سوقاً رائجة تدرُّ أرباحاً خيالية، لذلك فقد وجدت لها السوق، وإن التعامل بها يستلزم أن تتناولها الأيدي البائعة والمشترية، وبعدها سوف يتم التصاق الروائح تلقائياً بالأموال المدفوعة ثمناً لها، وما أن تأتي نهاية النهار إلاّ وهناك كمية كبيرة من تلك النقود، فلا يستطيع أصحابها إرسالها إلى البنوك، وهي على هذا الحال فيقومون بعملية تنظيفها من هذه الروائح حتى لا ينكشف سرّها.
2. يُعرف غسيل العملة بأنه تحويل العملة، أو عملية استثمار عملة مُحصّلة بشكل غير قانوني من قبل طرفٍ ثالث لطمس هوية مصدرها.ومفهوم غسيل العملة ينصرف كمفهوم إلى غسيل للنقود بمعناها الواسع، وإن هذه العملية لا يمكن أن تتم خارج الجهاز المصرفي. وإن النقود بهذا المعنى هي القناة الوحيدة لمتابعة الفعل غير القانوني المترتب على استخدامها في الغسيل .
اما مقوماتها (عناصر) عملية غسيل الأموال فهي:
- المالك (الغاسل): ويتمثل في الشخص، أو المنظمة صاحبة الأموال غير المشروعة، التي يُراد غسلها، وذلك بطريقة تحويلها من أموال غير مشروعة إلى أموال مشروعة بهدف إخفاء مصادرها وأصولها الحقيقية.
- المنظف: وهو ذلك الشخص الذي يتولى مهمة تنظيف الأموال لصالح الغير، عن طريق إجراءات مخالفة للقانون، أواللوائح الخاصة بالدول، أو البنوك أو المؤسسات، يؤدي هذا الدور عادةً موظفو البنوك والسماسرة والعملاء.
- المغسول: وهي تلك الأموال التي يتم الحصول عليها بطريق مباشر أو غير مباشر، من خلال ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون، واغلب هذه الأموال يكون ناتجاً عن الإتجار في المخدرات بأنواعها المختلفة، وتسمى بالمُستحصلات.
- المغسلة: وتمثل الأداة التي يتم استخدامها من قبل منظفي الأموال لإتمام عملية الغسل، وتحويل الأموال إلى مصادر مشروعة، وقدتكون هذه الأداة شركةً وهمية، أو تجارةً مشروعة، أو عمليات شراء الأصول الثابتة، أو التُّحف الثمينة، وغيرها من الأدوات في تنظيف الأموال.
و يتم غسيل الأموال ضمن عملية تتم من خلال ثلاث خطوات أو مراحل، وفيما يأتي عرض لهذه المراحل:
أولاً: مرحلة الإيداع (التوظيف).
ثانياً: مرحلة التغطية،ويتم في هذه المرحلة إخفاء علاقة الأموال غير النظيفة بمصادرها الأصلية (غير المشروعة).
ثالثاً: مرحلة الدّمج (التكامل)، أو الإستثمار في الاقتصاد المشروع، وفي هذه المرحلة- أي خلال المرحلة الأخيرة في عملية الغسيل- تكون الأموال غير المشروعة مندمجة في أموال متأتية عن نشاطات تجارية مشروعة، وذلك عند دخولها قناة التدفق الرئيسة للإقتصاد.
ومن أجل مواجهة هذه العمليةفهناكوسائل لمواجهة عمليات غسيل الأموال؛إن الآثار السلبية الكثيرة للاقتصاد الخفي تستدعي مكافحته والتقليل من آثاره. لذلك فإن الأمر يتطلب البحث عن وسيلة لجذب الاقتصاد الخفي للاقتصاد المعلن، ويراد بـ "الجذب" هنا جذب الجزء القانوني من الاقتصاد الخفي، وذلك من أجل ضمان إستمرار تلك الأنشطة وتوفير فرص عمل للشباب، وبما يحافظ على المستهلك، وحمايته من الإنتاج الرديء والسلع ذات الجودة المنخفضة .
وتأكيداً لما سبق، فإن المكافحة هي التي تتناول مكافحة الأنشطة غير المشروعة قانوناً، بينما الأنشطة المشروعة فإنه يفترض وجود وسائل لجذبها للاقتصاد المعلن، ولقد تم الإنتهاء من إعداد أكبر دراسة تعدّ الأولى من نوعها في العالم حول وحدات هذا القطاع، وسبل دمجه بالاقتصاد الرسمي، ممّا يمثل إضافة كبيرة للناتج المحلي والاقتصاد الوطني بشكلٍ عام.
لذا فإن هنالك وسائل عديدة للحدّ أو للتقليل من هذه العمليات بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وأهم هذه الوسائل هي:
1- تخفيض عمليات التهرّب الضريبي من خلال زيادة عمليات المراجعة الضريبية.
2- القضاء على ظاهرة الاقتصاد الخفي، إذ يتوجب زيادة الغرامات على الذين يعملون بصورة خفية، وعلى الذين يقومون بتوظيفهم.
3 - تقليص دور الحكومة في الأنشطة الاقتصادية قدر الإمكان، والحد من تدخلها في آليات السوق لتحديد الأسعار.
4- العمل على تنمية الوعي الجماهيري بأهمية الظاهرة وآثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع وضرورة تحجيمها.
5- التأكيد على دور القطاع الخاص بجانب دور القطاع العام والحكومة في خلق العديد من فرص العمل.
6- تكثيف وتشديد الرقابة في النوادي والتجمعات الشبابية، لمنع انتشار ظاهرة ترويج المخدرات فيها، والتوعية ضد أخطار المخدرات لصغار السن.
نخلص مما سبق إلى أن مكافحة الاقتصاد الخفي غير القانوني تؤدي إلى تقليص وتحجيم عمليات غسيل الأموال، وبما أن عمليات غسيل الأموال تعطي الشرعية لمصدر الأموال غير الشرعية وتحولها إلى أموال ذات مصادر شرعية، لذلك فإن لمكافحة هذه الظاهرة أهمية كبيرة جداً. بمعنى إن مكافحةَ أيٍّ من الظاهرتين يؤدي إلى تقليل الأخرى .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat