صفحة الكاتب : محمد الموسوي

الأمة الإسلامية في عصر إمامة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
محمد الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   كانت الأمة الإسلامية في نهاية الدولة الأموية وما رافقها، تزخر بمظاهر الفساد والتخلف والبعد الفكري والعقائدي عن منظور الحياة الإسلامية التي أسسها رسول الله محمد (ص) والتي وصل في زمن إمامة الإمام جعفر الصادق عليه السلام في جميع المجالات في الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها من موروث سياسة الدولة الأموية الظالمة البعيدة عن روح الدين الإسلامي ومجيء الدولة العباسية التي هي الأخرى أخذت تقوم بتزوير صورة الدين والفقه الإسلامي على هواهم عن طريق الوضع في الحديث والفتوى بالرأي، وتمييع التشريع الإسلامي، بإدخال عناصر غريبة على الدين الإسلامي، وفي مصادره التشريعية، التي أدت إلى فقدان التشريع خاصيته وأصالته الإسلامية، ومحاولات الحكام العباسيين لتشجيع الغلاة والمتصوفة والحركات الأخريات ضد الشريعة الإسلامية الحقيقية وكثرة الضرائب الثقيلة على الناس وإدخال الموالي في مناصب حكومية مهمة، ما أدى إلى إرباك المسلمين الضعفاء الذين لجأوا إلى أهل البيت (ع) لأنهم أهل العدالة والتقوى، فكانت بداية كل الثورات ضد الأمويين والعباسيين بسبب هذه الظروف الصعبة وبسبب ظهور حركات غريبة على الواقع الإسلامي التي هيأت لها الظروف والأوضاع العامة في زمن الإمام جعفر الصادق (ع) حتى أصبحت خطراً على وجود وكيان الدين الإسلامي الحنيف منها التشريعي والعقائدي، إضافة الى وجود صراع سياسي ومذهبي داخل الأمة الواحدة. 
  فكان لابد للإمام الصادق (ع) أن يواجه كل هذه التناقضات والحركات ضد الإسلام والمسلمين، وهذه التيارات المنحرفة التي دخلت الى الأمة الإسلامية لتمزيقها وتهديد الإسلام في الصميم. لقد تولى الإمام الصادق (ع) قيادة الأمة الإسلامية سنة 114 هـ بعد استشهاد أبيه الإمام محمد الباقر (ع) وعاصر الإمام خلال فترة إمامته عدة حكام من بني أمية ومن بني العباس؛ أولهم هشام بن عبد الملك الذي سم الإمام محمد الباقر (ع) والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الولي،د ومروان بن محمد المعروف بـ(مروان الحمار) ومن العباسيين عبد الله بن محمد المعروف بالسفاح، وأبو جعفر المنصور، ودامت إمامته 34 سنة، والتي امتازت سنوات إمامته بالعدالة والتقارب بين المجتمع الواحد، والابتعاد عن التسلط والاضطراب وتفكيك الدين الإسلامي. فقد اطلع الإمام الصادق (ع) عن قرب على جرائم وظلم الأمويين ضد المسلمين عامة وضد آل بيت رسول الله (ص) وخاصة العلويين الذين قاموا بثورات ضد طغيانهم بداية من نهضة وثورة الامام الحسين المباركة عام 61 هـ وثورة زيد بن علي (ع) في 122 هـ وعدة ثورات قام بها العلويون ضد الدولة الأموية بانحرافها عن الدين الإسلامي.
  وعند سقوط الدولة الأموية جاءت الدولة العباسية؛ فاذا بها أظلم وأقسى وأجرم من الدولة الأموية. والظروف لم تسمح للإمام (ع) بإقامة حكومة إسلامية تنسجم فيها كل القيم والمبادئ، وعلى خطى جده رسول الله (ص) لكنه رفض التعاون مع الدولة العباسية، ويعترض على الحكام في الوقت المناسب، والدليل على ذلك؛ طلب أبو جعفر المنصور من الإمام جعفر الصادق (ع) أن ينصحه فكتب الإمام له قائلاً:    (من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة لا يصحبك) فقال المنصور: (لقد ميز الصادق طلاب الدنيا عن طلاب الآخرة). فان الإمام الصادق (ع) كان يؤمن بأن تسلم السلطة له وحده لا يكفي ولا يمكن من تحقيق عملية التغيير جذرياً اسلامياً ما لم تكن هذه القيادة مدعومة بقواعد شعبية واعية تعرف أهداف تلك السلطة وتؤمن بنظريتها في الحكم، وتعمل في سبيل حمايتها، فان تخطيط الإمام الصادق (ع) سريع فاتجه نحو العمل في بناء هذه القواعد الشعبية والإشراف عليها، وتنظيم عملها في مواجهتها الانحراف والتدخل الخارجي من الجماعات المنحرفة، وكذلك العمل على تحريك ضمير الأمة الإسلامية وإرادتها والاحتفاظ لضمير الإسلامي وارادته بدرجة أن الحياة والصلابة تحصن الأمة الإسلامية ضد التنازل المطلق عن شخصيتها وكرامتها للحكام العباسيين المنحرفين عن الخط الإسلامي. فتخلى الإمام الصادق (ع) عن العمل المسلح بصورة مباشرة ضد الحكام المنحرفين بل يمارس شخصياً على العمل داخل الأمة ويبني فيها قواعده الشعبية بناء واعياً تكون أداة تنظيمية لنشر أفكاره ومبادئه.
فقد سبقه آباؤه الأئمة الأطهار عليهم السلام في العمل على هذا المستوى وهذا المنهاج مبشرين الأمة الإسلامية بأن دولتهم ستظهر يوماً ما، ما دامت تسير بسيرة رسول الله (ص) وسيرة الائمة الاثني عشر المعصومين (ع) فكان الإمام علي السجاد (ع) قد مهّد للإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق عليهما السلام من بعده لتبدأ حركتهم ببناء أكبر مدرسة اسلامية تحكي دعوة رسول الله محمد (ص) ورسالة الإسلام الإلهي الأصيل بالظهور والانتشار في أوساط الأمة، لينشأ جيل من علماء الإسلام الحقيقيين، ولتبدأ على يدي هذين الإمامين بالتتابع وعلى أيدي الأئمة المعصومين من بعدهم معركة الرسالة السماوية بكل أبعادها ضد رسالة الظلم والطاغوت بكل أشكالها وألوانها، لينتشر جيل العلماء الذين تخرجوا من هذه المدرسة إلى كافة أقطار الأرض لتصل صافية نقية الى كل الأجيال المتعاقبة الى يومنا هذا، وما بعدنا من ظهور علماء ومرجعية رشيدة تسير على خطى الأئمة الأطهار (ع). فكانت مدرسة الإمام الصادق (ع) هي الأكبر بالنسبة لعدد الأشخاص الذين درسوا تحت يديه بسبب الظروف، فكانوا أكثر من أربعة آلاف طالب علم في كافة العلوم الإسلامية في التفسير والفقه والحديث والعلوم الطبيعية مثل الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات وغيرها حيث كشف لهم عن أسرار العلوم، فقد كتب وألف علماء المسلمين أسماء تلامذة الإمام الصادق (ع) الذي استشهد بالسم الذي أرسله أبو جعفر المنصور اليه في المدينة المنورة في الخامس والعشرين من شهر شوال عام 148 هـ ودفن في مقبرة البقيع الطاهرة إلى جوار أبيه وجده (ع) وقام بدفنه والصلاة على أبيه الإمام موسى الكاظم (ع).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/07



كتابة تعليق لموضوع : الأمة الإسلامية في عصر إمامة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net