صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

مع بولس في رسائله - (3)
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

6)) رسالة بولس الى اتباعه في مدينة رومية (روم)

لم يذهب بولس الى مدينة روما (رومية) بإرادته بل ذهب مخفوراً اليها بعد الاضطرابات التي تسبب بها في نهاية رحلته الثالثة. ويقال أنَّه كتب هذه الرسالة قبل ذلك بسنوات، حينما كان في كورنثوس حوالي خريف 57 أو ربيع 58م. وهذه الرسالة هي احدى الرسائل الاربع ذات الموثوقية بأنَّ بولس هو كاتبها، وفقاً لبعض علماء المسيحية.

وابرز الاثارات التي وجدناها في رسالته الوحيدة الى اتباعه في هذه المدينة:

· مشكلة عدم إكمال بولس لعباراته

في هذه الرسالة وعدّة رسائل أخرى لبولس، هناك مشكلة وهي عدم اكمال بولس لعباراته، والترجمات الحديثة تحاول التغطية على هذه المشكلة وعدم الاشارة اليها من خلال اضافة كلمات او تغيير في معنى عباراته التي تعاني من هذه المشكلة! وفيما يلي استعراض لمواضع هذه المشكلة في رسالته الى اتباعه في رومية:

ـ في روم(16:2) {الكاثوليكية}: (وسيظهر ذلك كله)، وفي الهامش التعليق التالي: (اضيفت هذه الكلمات التي لم ترد في الاصل ليستقيم المعنى. والارجح ان هذه الآية تتمة لما جاء في الآية 13. ورد مثل ذلك غير مرة في رسائل بولس، لأنه كان يملي رسائله فكان يبدأ في الجملة ثم ينسى ان يتمها)!

وفي روم(20:2) {الكاثوليكية}: (لأن لك في الشريعة اصول المعرفة)، وفي الهامش التعليق التالي: (لم يتم بولس المعنى المقصود. راجع ما جاء في حاشية الآية 16)!

ـ في روم(24:9) {الكاثوليكية}: (بل من بين الوثنيين أيضاً ...). وفي الهامش التعليق التالي: (لم يتم بولس الجملة كما لم يتمها في مواضع اخرى {12:5 ، 15: 23-24}).

وقد وجدنا ظهور مثل هذه المشكلة في رسالة بولس الى اتباعه في أفسس (3: 1و2)، كما سنتناولها في موضعها.

· بولس يجيز الكذب من اجل البشارة!

في روم(7:3) {فاندايك}: (فإنه إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان أنا بعد كخاطئ؟).

وقد تجنَّب اصدار "الكتاب المقدس الدراسي" التعليق على هذه العبارة! وكذلك تجنب التعليق عليها كل من: الطبعة الكاثوليكية للعهد الجديد، الطبعة اليسوعية للكتاب المقدس، الخوري بولس الفغالي في الطبعة الرعائية للعهد الجديد، و"التفسير التطبيقي للكتاب المقدس"!

وهذه العبارة تعني بوضوح جواز الكذب من اجل الانتصار للبشارة والإيمان!! فكيف ستكون هناك ثقة بكلام بولس او بغيره من القساوسة ورجال الدين المسيحيين!!

وكما يفهم القاريء اللبيب فإنَّ جواز الكذب يعني جواز تغيير معاني كلمات أو حذفها أو إضافتها. فكيف نتوقع أنَّ مَنْ هذا ديدنه سيبقي على بشارات ظهور رسول آخر الزمان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

· عبارة سفسطائية لبولس حول الايمان والاعمال

في روم(3: 28-31): (إذا نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس. أم الله لليهود فقط؟ أليس للأمم أيضا؟ بلى، للأمم أيضا. لأن الله واحد، هو الذي سيبرر الختان بالإيمان والغرلة بالإيمان. أفنبطل الناموس بالإيمان؟ حاشا! بل نثبت الناموس).

وهذه العبارة سفسطائية فكيف يقول بولس انه يثبت العمل بالشريعة من حيث انه يدعو لعدم العمل بها!!

وإذا كان موقفه هو فقط الغاء العمل بالشريعة بالنسبة للوثنيين المعتنقين للايمان بالمسيح لربما تفهمنا ذلك، ولكنه بالحقيقة امتنع هو نفسه وهو اليهودي من العمل بالشريعة التوراة بعد اعلانه اعتناق الايمان بالمسيح، ولم يدعُ في رسائله اليهود من اتباعه المؤمنين بالمسيح الى الاستمرار بالعمل بشريعة التوراة!! مما يكشف ان بولس وضع ديناً جديداً لأتباعه وهو نبذ العمل بشريعة التوراة بغض النظر عما اذا كان المؤمن به من اصل يهودي او وثني!!

· تكفير الآخر في كلام بولس

في روم(31:15) {فاندايك}: (لكي أنقذ من الذين هم غير مؤمنين في اليهودية).

في اليسوعية: (حتى انجو من الكفرة الذين في اليهودية).

في الكاثوليكية: (لأنجو من الكفار الذين في اليهودية).

في الرعائية: (ليُنقذني من أيدي الخارجين على الإيمان في اليهودية).

وفي طبعة رجارد واطس 1833م على ترجمة رومية 1671م: (لانجو من الكافرين الذين هم في اليهودية).

وفي طبعة القمص قزمان البراموسي 1981م: (لأنجو من الكافرين في اليهودية).

وفي الطبعة البولسية 2007م: (لكي أنجو من الكفرة الذين في اليهودية).

وفي ترجمة العالم الجديد لشهود يهوه: (لكي أُنقَذ من غير المؤمنين في اليهودية).

بينما الطبعات الانجليزية اختلفت بين ترجمتها الى التعابير التالية (unbelievers) غير المؤمنين، (disobedient) المتمردين، (unfaithful) غير المخلصين.

ففي ترجمة الملك جيمس الانجليزية: (from them that do not believe in Judaea).

وفي طبعة جنيف 1599م: (disobedient in Judea).

وفي الاسبانية [طبعة Reina-Valera 1960]: (los rebeldes) أي المتمردين!

وفي الالمانية [طبعة لوثر Luther Bibel 1545]: (den Ungläubigen) الكفار.

وفي الفرنسية [طبعة Louis Segond]: (des incrédules) الكفار.

وهذه العبارة هي احد المواضع التي ورد فيها لفظ التكفير في الكتاب المقدس، وهناك مواضع اخرى نذكر منها:

ـ في يشوع بن سيراخ (7:16) {اليسوعية}: (في مجمع الخطاة تتقد النار وفي الامة الكافرة يضطرم الغضب).

ـ في سفر المكابيين الاول (8:3) {اليسوعية}: (وجال في مدن يهوذا، وأهلك الكفرة منها، وصرف الغضب عن إسرائيل).

ـ في سفر المكابيين الاول (15:3) {اليسوعية}: (ثم تجهز للخروج وخرج معه جيش قوي من الكفرة يظاهرونه وينتقمون من بني إسرائيل).

ـ في سفر المكابيين الاول (5:7) {اليسوعية}: (فآتاه جميع رجال النفاق والكفر من إسرائيل وفي مقدمتهم ألكيمس، وهو يطمع أن يصير كاهنا أعظم).

ـ في سفر المكابيين الاول (31:7) {اليسوعية}: (فلما رأى نكانور أن مشورته قد كشفت، خرج لملاقاة يهوذا بالقتال عند كفر سلامة).

ـ في سفر المكابيين الاول (25:9) {اليسوعية}: (فاختار بكيديس الكفرة منهم، وأقامهم رؤساء على البلاد).

ـ في سفر المكابيين الثاني (17:1) {اليسوعية}: (ففي كل شيء تبارك إلهنا الذي أسلم الكفرة).

ـ في سفر المكابيين الثاني (13:6) {اليسوعية}: (فإنه إذا لم يهمل الكفرة زمنا طويلا، بل عجل عليهم بالعقاب؛ فذلك دليل على رحمة عظيمة).

ـ في سفر المكابيين الثاني (21:6) {اليسوعية}: (فخلا به الموكلون بأمر الضحايا الكفرية لما كان بينهم وبينه من قديم المعرفة).

ـ في سفر المكابيين الثاني (14:8) {اليسوعية}: (وباع اخرون كل ما كان باقيا لهم وكانوا يبتهلون الى الرب ان ينقذهم من نكانور الكافر الذي باعهم قبل الملتقى).

ـ في سفر المكابيين الثاني (33:8) {اليسوعية}: (وبينا هم يحتفلون بالظفر في وطنهم؛ أحرقوا كلستانيس وقوما معه في بيت كانوا قد فروا إليه، وكانوا قد أحرقوا الأبواب المقدسة فنالهم الجزاء الذي استوجبوه بكفرهم).

ـ في سفر المكابيين الثاني (23:12) {اليسوعية}: (وشد يهوذا في آثارهم، يثخن في أولئك الكفرة، حتى أهلك منهم ثلاثين ألف رجل).

ـ في رسالة بولس الى اهل رومية، ذكرنا النص اعلاه.

ـ في رسالة بولس الثانية الى اتباعه في كورنثوس (4: 3و4) {الكاثوليكية}: (عن الكفار الذين اعمى بصائرهم إله هذه الدنيا).

ـ في رسالة بولس الثانية الى اتباعه في كورنثوس (14:6) {الكاثوليكية}: (لا تكونوا مقرونين بالكفار في نير واحد).

ـ في رسالة بطرس الاولى (18:4) {الكاثوليكية}: (واذا كان البارُّ يخلُصُ بعد جَهدٍ، فما هي حالةُ الكافر والخاطيء؟).

· تحيات بولس بالتقبيل حولوها الى السلام!

في الفصل السادس عشر من هذه الرسالة هناك تكرار لعبارات السلام على اشخاص متعددين رجالاً ونساءً. وقد وجدتُ ان عبارات السلام المتعددة في هذا الفصل قد تمت ترجمتها في طبعة سارة هدجستون 1811م باللغة العربية الى كلمات القبلات والمصافحات، بينما تمّت ترجمتها في ترجمات أخرى الى كلمة (سلام) او (يسلِّم). وننقل النص كاملاً للفصل السادس عشر من طبعة سارة هدجستون 1811م ليتضح للقاريء ما تحتويه هذه الطبعة من ترجمة الظاهر انها طبق الاصل للمخطوطات المنقولة عنها بينما الطبعات الحالية قامت بإخفاء الموضوع واستبداله بالسلام بدلاً من القبلات والمصافحات دفعاً لإحراجٍ محتمل!!

والنصّ هو: [واستودعكم فيفن اختنا شماسة الكنيسة التي في كنخرااس * لتقبلوها[1] بالرب بما هو اهلا للقديسين وتقيموا لها باي امر تحتاجه منكم لانها هي قد صارت قيمة بكثيرين وبي انا نفسي * صافحوا ابرسكيلا واكيلان مساعدي في يسوع المسيح * اللذين من اجل نفسي بذلا اعناقهما اللذين لست انا وحدي شاكر لهما بل وجميع كنايس الامم * والكنيسة التي في منزلهما قبلوا اباناطون حبيبي الذي هو مقدمة اخاييا لدي المسيح * صافحوا مريم التي تعبت فيكم كثيراً * قبلوا اندرونيكوس ويونيا نسيبي والمستاسرين معي[2] الذين هما في الرسل جليلين الصايرين في محبة المسيح قبلي * صافحوا امبليان حبيبي بالرب * قبلوا اورفانوس معيننا في المسيح واسطاشيس حبيبي * اقروا السلام علي ابللس المجرب في ديانة المسيح سلموا علي ارسطوفولس * قبلوا ايروديرنا نسيبي صافحوا اهل نركيصص الذين هم للرب * قبلوا تريفانا وتريفاسا التعبين الشاخصين في الرب صافحوا ابرسيده الحبيبة التي تعبت في مودة الرب كثيرا * سلموا علي روفس المصطفي للرب وامه اياه وامي انا ايضا * قبلوا اسنقريطن وفلافونطا ارمان وارمين والاخوة الذين معهم * صافحوا فيلولوغس ويوليان ونيرااس واخته واوليميان وجماعة القديسين الذين معهم * صافحوا بعضكم بعضاً بقبلة قديسة ويصافحكم كافة كنايس جماعات المسيح * يا اخوتي اتضرع اليكم ان تترقبوا الصانعين الشقاقات والفتن بخلاف التعليم الذي تعلمتموه انتم واجنحوا عنهم * لان الذين هم مثل هولاء ما يخدمون ربنا يسوع المسيح بل يخدمون بطنهم وبالكلام الطيب والتبريك يطغون قلوب الساذجين * لان طاعتكم قد ورد خبرها الي الكل وانا مسرور بما فيكم واريدكم ان تكونوا في الخير حكماء وفي الشر ودعاء * واله السلامة يسحق الشيطان تحت اقدامكم سريعا نعمة ربنا يسوع المسيح معكم * يصافحكم تيموثاوس معيني ولوكيوس وياصن وسوسيباطرس انسبايي * اقبلكم انا ترتيوس كاتب هذه الرسالة بالرب * يسلم عليكم غاييوس ضايفي وضايف الجماعة كلها يسلم عليكم اراسطس خازن المدينة وكوارطس الاخ * نعمة ربما يسوع المسيح مع جماعتكم امين * والالاه الحكيم وحده يسوع المسيح المستطيع ان يثبتكم علي بشارتي وكرازة يسوع المسيح على ما يختص باعتلان السر المصموت عنه في سنين ابدية * والظاهر الان بكتب انبيايه علي ما يختص بامر الإلاه الابدي والمعروف لطاعة الايمان في الامم كلها * له المجد الي الدهور كلها امين].

ويمكن للقاريء ان يقوم بمقارنة هذا النص مع اية ترجمة في اي طبعة أخرى لديه لهذا السِفر ليتعرّف على الاختلاف في الترجمة بين النصّين!

وهذا الموضوع يكشف عن الحاجة الى الاطلاع على المخطوطات القديمة للكتاب المقدس، ورسائل بولس خاصة. كما ان هذا الموضوع يسلط الضوء على حقيقة انه لا توجد مخطوطة واحدة كاملة عند الكنائس يمكن ان يبرزوها ويقولوا للمسيحيين هذه مخطوطة لكتابكم المقدس، بدون ادخال تعديلات وتغييرات في ترجمتها!! وربما موضوع السلام بالقبلات والتقبيل هو واحد من اسباب ذلك!!

 

ولا يقف موضوع التقبيل بين المسيحيين عند هذا الحد، بل يمتد ليشكل جزءاً من الطقوس المسيحية. فقد كتب مايكل فيليب بين[3] Michael Philip Penn مقالاً بعنوان (تاريخ موجز لقبلة الطقوس المسيحية) جاء فيه ان اقدم الوصايا للمسيحيين بتبادل القُبلَة وردت في رسائل بولس في نهاية رسالة تسالونيكي الأولى ، وكورنثوس الاولى ، وكورنثوس الثانية ، ورومية، وهم متطابقون تقريبًا في صياغتهم: "سلموا بعضكم على بعض" (أو تسالونيكي الأولى ، "كل الإخوة") "قُبلَة مقدسة". على الرغم من أن هذه الجمل المكونة من سطر واحد لا تحتوي على الكثير من البيانات التي يمكن من خلالها إعادة بناء الطقوس، إلا أنها تشكل الأساس للعديد من النظريات العلمية المتعلقة بأصل القُبلَة. ويذكر "مايكل فيليب بين" ثلاثة احتمالات حول نشوء هذا التقليد المسيحي، الاول ان مصدره هو يسوع نفسه وانه اول من ابتدأ القُبلَة الطقسية، ولكنه يستدرك بأنه من الصعب تتبع طقس منسوب الى يسوع وهو غير مذكور في كتابات العهد الجديد، ويقول: (إذا كان يسوع هو من ابتدأ القُبلَة الطقسية ، فلماذا لا ينسب مؤلفو القرن الأول أو الثاني أو الثالث أساسها إليه؟!)، ويذكر أنَّ احد علماء المسيحية يقترح أنَّ لبولس دور فعال في إنشاء قُبلَة الطقوس عن قصد أو على الأقل تشجيعها! ويقول: (لم يقدم بولس في رسائله أي تفسير لماذا ومتى وكيف ينبغي على المسيحيين تقبيل بعضهم البعض. حتى في رسالة رومية، وهي رسالة موجهة إلى جماعة لم يعثر عليها ، يفترض بولس أن المتلقين على دراية بقُبلَة الطقوس. إذا كان بولس ، كما تشير هذه البيانات ، ينقل ببساطة تقليدًا موجودًا مسبقًا ، فيجب على علماء العهد الجديد إضافة القُبلَة إلى قائمة طقوس ما قبل بولس إلى جانب الطقوس مثل التعميد والوجبة المشتركة، يعد التقبيل جزءًا من أقدم طبقات ممارسة الطقوس المسيحية)! ويجادل عالم مسيحي آخر بأن رسائل بولس خلقت بالصدفة قُبلَة الطقوس. لقد استخدم بولس ببساطة اصطلاحًا إلكترونيًا واسع الانتشار مشابهًا للعصر الحديث "أعطه قُبلَة من أجلي" ؛ ولم يكن يقصد حقًا أن على متلقي الرسائل تقبيل بعضهم البعض في خدمة العبادة. لم يدرك مسيحيو القرن الثاني، مثل العلماء المعاصرين ، أن بولس كان يستخدم صيغة رسالية معيارية. بدلا من ذلك ظنوا أنه كان يتحدث حرفيا عن تقبيل بعضهم البعض. أصبح هذا الخطأ التفسيري في النهاية مسؤولاً عن المسيحيين اللاحقين بما في ذلك القُبلَة في ليتورجيا الكنيسة. ومع ذلك ، نظراً لوجود عدد قليل جدًا من الأمثلة غير المسيحية للقُبلَة كإغلاق للرسائل ، كل ذلك في رسائل تبدو أكثر حميمية من القُبلَة، وفقًا لإدوارد فيليبس، بغض النظر عما إذا كانت القُبلَة المسيحية قد أسسها يسوع أو بولس (عمدًا أم بغير قصد) أو (كما يبدو على الأرجح) واحد أو أكثر من المسيحيين الأوائل غير المعروفين، يبقى السؤال ما هو مصدر الإلهام لهذه الطقوس؟ يجادل العلماء بأن الممارسات من مجموعة واسعة من المجموعات - اليهود، الغنوصيين قبل المسيحيين، والعبادات اليونانية الغامضة ، والفيثاغوريون الجدد - أثرت في إنشاء القبلة المسيحية. ومع ذلك ، تظل كل هذه الاقتراحات غير مدعومة لأن مؤيديها لم يتمكنوا من العثور على أي إشارة إلى أعضاء هذه المجتمعات يتبادلون قُبلَة طقسية مع بعضهم البعض. حتى اليهودية المبكرة ، وهي مصدر مهم للعديد من الطقوس المسيحية ، لا يبدو أنها كانت تمارس أي ممارسة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقُبلَة الطقوس المسيحية. ونظراً لندرة الإشارات المسيحية في القرن الأول إلى القُبلَة وعدم وجود أعمال مسيحية قبل القرن الرابع تناقش بدايات القُبلَة أو أوجه التشابه غير المسيحية الصريحة ، فإن أي محاولة لاكتشاف أصل القُبلَة الطقسية تظل تخمينية للغاية. وبسبب قيود المصدر هذه ، يقول مايكل فيليب بين أنه أقل اهتمامًا ببداية القُبلَة مقارنةً بتفسيرها وتطورها لاحقًا. ومع ذلك يقترح جانبين من جوانب التقبيل القديم المتأخر الذي ربما أدى إلى استخدام القبلة كطقوس في المجتمعات المسيحية الأولى. وبمجرد أن كتب بولس عن القُبلَة وأصبحت كتاباته موثوقة بشكل متزايد ، كان للكنيسة تفويض واضح لدور القُبلَة في طقوس مسيحية. بالإضافة إلى ذلك ، أصبح المسيحيون الأوائل على دراية بكيفية تبادل الكنائس المجاورة للقُبلة وغالبًا ما يقلدون (أو في بعض الحالات يتحدون) الطريقة التي تم إجراؤها. نتيجة لذلك، على عكس ندرة المصادر المتعلقة ببدايات القُبلَة، هناك ثروة من المعلومات حول ممارساتها وتفسيرها اللاحقين. وتأتي الإشارة الأخيرة للقُبلة الطقسية في القرن الأول من رسالة بطرس الأولى (14:5): "سلموا بعضكم على بعض بقُبلة حب[4]". يُظهر الفرق بين "قُبلَة بولس المقدسة" و "قُبلَة الحُب" لبطرس الأول أنه، حتى في القرن الأول، لم يستخدم جميع المسيحيين نفس المصطلح لوصف القُبلَة الطقسية. وتشير هذه الإشارات الخمس للقُبلَة في القرن الأول إلى أنه في وقت مبكر من عام 50 م ، شكّل التقبيل جزءًا من ممارسة طقوس العديد من المجتمعات المسيحية. ويشير أثيناغوارس Athenagoras إلى التبادل الدقيق للقُبلة كمثال على ضبط النفس المسيحي. ويحذر كليمنت الإسكندري Clement of Alexandria من أن التحية الجريئة بين المسيحيين هي مثل عض العناكب في الشفتين. لتجنب "سم الفسق" هذا، يجب على المسيحيين أن يتبادلوا القُبلَة بـ "بفم عفيف ومغلق". يرى كلا المؤلفين القُبلَة على أنها تحية ، مما يدل على وجود صلة بأوامر العهد الجديد لتحية بعضهما البعض بقُبلَة. إن تشبيه كليمنت لعنكبوت يقوم بحقن السم عن طريق لمس الفم وتحذيره من القُبلات "غير العفيفة" أصبح أول المؤشرات في العديد من المصادر المسيحية المبكرة على أن القُبلَة الطقسية كانت قُبلَة على الشفاه. بالاقتران مع اقتراح أثيناغوراس بأن القُبلَة المفرطة في الحماسة يمكن أن تفسد أجساد أولئك الذين يطلق عليهم الإخوة والأخوات وإشارة كليمنت إلى "الاستخدام المخزي للقُبلَة"، تشهد على تقبيل الرجال والنساء في أواخر القرن الثاني لبعضهم البعض. وبحلول منتصف القرن الثالث ، تتحدث كتابات من روما وأثينا والإسكندرية وقرطاج وشمال إفريقيا وآسيا الصغرى وسوريا عن طقوس التقبيل بين المسيحيين. لا يزال ترتليان وأوريجانوس والتقليد الرسولي يربط القُبلَة بنهاية الصلاة ، على الرغم من أن أوريجانوس هو أيضًا أول كاتب يربط مباشرة بين القُبلَة الطقسية والقربان المقدس. يشهد التقليد القبرصي والتقليد الرسولي القبلة كجزء من مراسم التعميد. يعطي التقليد الرسولي أول مثال على استخدام القُبلَة في الكهنوت. وعلى الرغم من أن معظم المصادر المسيحية المبكرة تشير إلى أن القُبلَة تكون على الشفاه ، إلا أن هناك أعمال ابوكريفا the Apocryphal Acts تعدّلها لتكون قُبلة للقدمين أو اليدين. وعلى عكس النصوص السابقة التي سمحت للنساء والرجال بتبادل القُبلَة مع بعضهم البعض ، فإن التقليد الرسولي هو المصدر الأول على وجه التحديد الذي يحظر هذه الممارسة. بحلول نهاية القرن الرابع ، ظهرت العديد من هذه الاتجاهات - انتقال القُبلَة من ختم الصلاة إلى التحضير للافخارستيا ، واستخدام القُبلَة في عدد متزايد من الأوضاع الليتورجية وغير الليتورجية ، وفرض قيود إضافية على مَنْ يُقبِّل مَنْ - تصبح ممارسة قياسية.

بالإضافة إلى ذلك ، يظهرون قيودًا متزايدة على كيفية تبادل المسيحيين للقُبلَة. على غرار التقليد الرسولي ، تقصر الدساتير الرسولية The Apostolic Constitutions القُبلَة على نفس الجنس. مثل الأعمال الملفقة Apocryphal Acts ، الرسالة الثانية الزائفة لكليمنت حول العذرية the ascetic Pseudo-Clement's Second Letter on Virginity، لم يعد فيها مسيحيون من جنسين مختلفين يتبادلون قُبلَة شفوية. تؤكد وثائق القرن الرابع أيضًا وجود انقسام بين عامة الناس ورجال الدين: تنص الدساتير الرسولية The Apostolic Constitutions على أن رجال الدين يُقَبِّلون فقط رجال الدين الآخرين وعامة الناس يُقَبِّلون عامة الناس الآخرين[5]!

وكتبت مارين جاسك: (يشجع القديس بولس المسيحيين على تقبيل بعضهم البعض بسلام على أفواههم. لكن بعد قرنين ، في عام 397 ، حظرها مجلس قرطاج بين الرجال والنساء. يجب القول أن الكنيسة تعتقد أنها تخلق الفجور، يبدأ بقبلة على الشفاه أثناء القداس وينتهي عارياً في الاعتراف)[6]!

وقال الأب بولس الفغالي في تعليقه على 1كور(20:16): (بقُبلَة مقدسة. تدلّ على الاحترام المتبادل والوحدة. ما زالت في عدد من الكنائس تمارس خلال الليتورجيا والخدمة الإلهيّة)[7].

فالرسائل الخمسة التي ورد فيها الأمر بالتقبيل بين المسيحيين هي:

1. رسالة بولس الاولى الى اهل تسالونيكي (26:5): (سلموا على الإخوة جميعا بقبلة مقدسة).

2. رسالة بولس الاولى الى اهل كورنثوس (20:16): (سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة).

3. رسالة بولس الثانية الى اهل كورنثوس (12:13): (سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة).

4. رسالة بولس الى اهل رومية (16:16): (سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة).

5. رسالة بطرس الاولى (14:5): (سلموا بعضكم على بعض بقبلة المحبة).

هذا بحسب الترجمات المعاصرة، وإلا فقد بيّنا آنفاً ان طبعة سارة هودجسون للكتاب المقدس بالعربية 1811م تحتوي على مواضع اخرى ذُكِر فيها التقبيل.

وفي هذا الطبعة (طبعة سارة هودجسون 1811م) نقرأ بخصوص تحية التقبيل مواضع اخرى في العهد الجديد:

· في رسالة بولس الى رومية (22:16): (اقبلكم انا ترتيوس كاتب هذه الرسالة بالرب)، بل ما ورد في الفصل السادس عشر كله كما بيناه آنفاً.

· في رسالة بولس الاولى الى كورنثوس (20:16): (يسلم عليكم الاخوة اجمعون ليقبل بعضكم بعضا بقبلة قديسة). {اشرنا اليها آنفاً}

· في رسالة بولس الثانية الى كورنثوس (12:13): (ليقبل بعضكم بعضاً بقبلة قديسة). {اشرنا اليها آنفاً}

· في رسالة بولس الى فيلبي (21:4): (قبّلوا كل قديس بيسوع المسيح يصافحكم من الاخوة الذين معي).

· في رسالته الاولى الى تسالونيكي (26:5): (قبلوا الاخوة كلهم بقبلة قديسة). {اشرنا اليها آنفاً}

· في الرسالة الى العبرانيين (24:13): (قبلوا جماعة روسايكم وكافة القديسين يسلم عليكم الذين من ايطاليا).

· في رسالة بطرس الاولى (5: 13و14): (تقبلكم البيعة المختارة التي ببابل التي معنا ومرقص ابني * ليقبل بعضكم بعضاً بقبلة قديسة). والمثير ان ترجمة فاندايك حذفت كلمة (البيعة) التي تعني الكنيسة! فكتبتها هكذا: (تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم، ومرقس ابني * سلموا بعضكم على بعض بقبلة المحبة)!

· في رسالة يوحنا الثالثة (15:1): (السلام لك يقبلك اصدقاوك سلم علي اصدقاينا كل واحد باسمه). بينما ترجمة فاندايك كتبتها هكذا: (سلام لك. يسلم عليك الأحباء. سلم على الأحباء بأسمائهم)!!

ويمكن للقاريء ان يقارن هذه النصوص مع مثيلاتها في الطبعات الموجودة لديه للكتاب المقدس او العهد الجديد ليرى كيف تم تبديل النصوص بحذف كلمة قبلوا او التقبيل واستبدالها بتحية السلام او التسليم، في اغلب المواضع المذكورة!!

· مجاهيل وأسماء لا يعرفون هل هي لرجال ام لنساء!

في روم(7:16) {فاندايك}: (سلموا على أندرونكوس ويونياس نسيبي، المأسورين معي، اللذين هما مشهوران بين الرسل، وقد كانا في المسيح قبلي)!

وفي الكاثوليكية: (سلّموا على أندرونيقُس ويونِياس نسيبيَّ وصاحبيّ في الأسر، فهما من كبار الرُسُل، بل اهتديا قبلي الى المسيح)!

وفي طبعة العهد الجديد 1643م: (اقروا السلام على اندرونيقوس ويونيا قريبي اللذان كانا سبيا معي وهما معروفان عند الرسل وكانا قد تقدماني في الايمان بالمسيح).

وفي طبعة العهد الجديد 1737م: (صافحوا اندرونيكوس ويونيا نسيبيّ والمستاسرين معي ، اللّذين هما في الرسل جليلين، الصايرين ايضاً في المسيح قبلي).

وفي الكتاب المقدس طبعة سارة هودجسون 1811م: (قبّلوا اندرونيكوس ويونيا نسيبي والمستاسرين معي الذين هما في الرسل جليلين الصايرين في محبة المسيح قبلي). لاحظ ان هذا النص هو نفس النص في طبعة 1737م سوى تبديل كلمة (صافحوا) بكلمة (قبّلوا)!

وفي طبعة رجارد واطس 1833م عن ترجمة رومية 1671م: (اقروا السلام علي اندرونيقوس ويونيا قريبيّ اللذان كانا سبيا معي وهما معروفان في الرسل وكانا قد تقدماني في المسيح).

وفي طبعة العهد الجديد في الهند 1816م: (وسلّموا على قريبيّ ورفيقي في السجن اندرونيقوس ويرنيا المشهورين بين الحواريين الّذين انتسبا الى المسيح قبلي).

وفي ترجمة الملك جيمس 1611م:

"Salute Andronicus and Junia, my kinsmen, and my fellow-prisoners, who are of note among the apostles, who also were in Christ before me".

أي: (سلموا على أندرونيكوس ويونيا ، وأقاربي ، وزملائي الأسرى ، الذين هم من الرسل، وهم ايضاً كانوا في المسيح قبلي).

وفي ترجمة لوثر 1516م:

"Grüßet den Andronikus und den Junias, meine Gefreundeten und meine Mitgefangenen, welche sind berühmte Apostel und vor mir gewesen in Christo".

أي (سلموا على أندرونيكوس ويونياس ، أصدقائي وزملائي الأسرى ، الذين هم من الرسل المشهورين وكانوا قبلي في المسيح).

وفي طبعة [1940Bulgarian Bible] البلغارية :

"Поздравете Андроника и Юния, моите сродници и <някога> заедно с мене затворници, които между апостолите <се считат> за бележити и които още преди мене бяха в Христа".

أي: (سلموا على أندرونكوس ويونياس ، أقاربي والأسرى معي ، الذين هم من الرسل والذين كانوا قبلي في المسيح).

وفي طبعة العهد الجديد (العالم الجديد) الصادرة عن شهود يهوه: (سلِّموا على أَندرونِكُوس ويُنياسَ نسيبيَّ ورفيقيَّ في الأسر، اللَّذين هما مشهوران بين الرسل وقد كانا في اتحاد بالمسيح قبلي). انظر الى هذه الترجمة الذكية باستخدام تعبير: (اتحاد بالمسيح قبلي)! للتعبير عن الايمان بالمسيح والتذكير بأن هذا الايمان هو الاتحاد الجسدي به عبر الكنيسة! هي ترجمة لا تعبّر عن واقع الكلمات الاصلية ولكنها تدغدغ مشاعر القاريء، وكأنما المترجم اكثر تعمّقاً في الايمان من بولس نفسه!

وتقول كارين كينج[8] Karen L. King: (تم حجب مكانة امرأة واحدة على الأقل في التاريخ بتحويلها إلى رجل! في رومية 16: 7 ، يرسل الرسول بولس تحياته إلى امرأة اسمها يونيا. يقول عنها وعن شريكها أندرونيكوس إنهما "أقاربي وزملائي في الأسر ، وبارزين بين الرسل وكانوا في المسيح قبلي". استنتاجًا بأن النساء لا يمكن أن يصبحن رسل ، قام محررو النصوص والمترجمون بتحويل جونيا إلى جونياس ، رجل)[9]!

وجاء في الكتاب المقدس الدراسي: (يونياس. الطريقة المفضلة لقراءة هذا الاسم باللغة اليونانية هي "جونيا"، وهو اسم مؤنث. ربما كان أندرونيكس ويونياس زوجين (قارن مع بريسكلا وأكيلا {آية 3} فيلولوغوس وجوليا {آية 15}. بين الرسل. لهذه العبارة تفسيران محتملان: (1) تستخدم كلمة "رسل" بمعنى أوسع من الاثني عشر، فتعني المبشرين بالإنجيل المعروفين من الكنائس (انظر أع 4:14 والتعليق،14؛ 1 تس 6:2). (2) كلمة "رسل" هنا معرفة، فربما يعني هذا أن المقصود بها الاثني عشر. لو كان الامر كذلك فسيكون المعنى أن هذين الشخصين كانا متميزين في نظر الرسل)[10].

بينما التفسير التطبيقي للكتاب المقدس يقول عنهما: (جاء في بعض الترجمات أن اندرونيكوس ويونياس كانا "مشهورين بين الرسل"، ويحتمل جداً أنهما كانا مرسلين بارزين. وليس من المؤكد عند العلماء ما إذا كان الاسم الثاني وهو "يونياس" (مذكراً) أو "يونيا" (مؤنثاً)، فإذا صح أنه "يونيا" فالأرجح عند البعض أنها كانت زوجة لأندرونيكوس)[11].

وهكذا نجد ان هذين الشخصين المهمين هما مجهولي الحال بل ان احدهما لا يُعرف هل هو ذكر أم أنثى! فلم يرد بهما تعريف لا في العهد الجديد ولا في تواريخ المسيحيين الاولى! وكم من شخصية مجهولة في الكتاب المقدس والعهد الجديد! وهذه صفة تضاف الى صفاته الأخرى وهي صفة وجود أشخاص مجهولين فيه، الى جانب ان مجهولية كُتّاب بعض اسفاره، وضياع البعض الآخر منها، والتناقضات بين مواضع بين اسفاره، والتغيير في ترجمة العديد من كلماته!

7)) رسالة بولس الى اتباعه في مدينة فيلبي (فل)

زار بولس هذه المدينة اول مرة في رحلته الثانية وللمرة الثانية في رحلته الثالثة.

وابرز الإثارات في هذه الرسالة التي يُقال انه كتبها وهو في السجن في رومية سنة 63م، غير ان الرأي الاغلب هو انه كتبها وهو في أفسس سنة 56م[12]:

· عقيدة لا معقولة

في رسالته فل(2: 5-11) نقرأ نصاً عن عقيدة بولس، وهي عقيدة بدائية، رغم ما فيها، قبل ان تتطور من قبل رجال الدين المسيحيين بصورة تدريجية، حيث يقول (فاندايك): (فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا: الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه، آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضا، وأعطاه اسما فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب). وفي الترجمة الكاثوليكية: (ولا ينظرن احد الى منفعته، بل الى منفعة غيره. تخلقوا بخلق المسيح، فمع انه في صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة، بل تجرّد من ذاته متخذاً صورة العبد وصار على مثال البشر، وظهر بمظهر الانسان، فوضع نفسه واطاع حتى الموت، الموت على الصليب. لذلك رفعه الله ووهب له الأسم الذي يفوق جميع الاسماء، كيما تجثوا لأسم يسوع كل ركبة في السماء وفي الارض وفي الجحيم، ويشهد كل لسان ان يسوع المسيح هو الرب تمجيداً لله الآب).

فهذا النص يكشف عمّا تعانيه المسيحية من تناقضات ولا معقولية! فقوله: (فمع انه في صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة) يخالف العقيدة المسيحية التي تقول ان المسيح هو الله وانه ابن الله وانه الاقنوم الثاني، وانَّ الاقانيم الثلاثة متساوية في القيمة! بينما النص يجعل المسيح في مرتبة ادنى ولكونه أصبح مساوياً لله الا انه لا يعد تلك المساواة غنيمة!!

وقوله: (بل تجرّد من ذاته متخذاً صورة العبد وصار على مثال البشر)، فأمّا ان المسيح وهو الأقنوم الثاني بحسب العقيدة المسيحية يقوم بالتجرّد من ذاته أي إنّه ترك ألوهيته أو أخلى ذاته من اللوهية وأصبح بصورة إنسانية! وهذا مخالف للعقيدة المسيحية التي تقول ان الاقنوم الثاني لم يتجسّد بمعنى ان الطبيعة الإلهية تلبست بجسد بشري، بل كان هناك اتحاد بين طبيعتين الاولى إلهية والثانية بشرية بدون امتزاج ولا انفصال!! فليس ان المسيح تخلى عن ألوهيته وتجرّد من ذاته كما يقول بولس!!

ومن الناحية العقلية البديهية فهذا النص سفسطائي بإمتياز لأن الإله لا يمكن ان يتخلى عن ألوهيته، فهذا الأمر ممتنع، لكون الإله أزلي في وجوده. وهناك عدة امور ممتنعة بذاتها، هذا واحد منها، ومن الأمور الأخرى الممتنعة ذاتاً على سبيل المثال لا الحصر: ان يموت الإله، ان يكون للإله شريك في الألوهية، أن يكون الإله فقيراً، وأن يكون له حد وان يكون له جهة، وغيرها من الممتنعات لذاتها.

فهذا النص عن تجرّد المسيح من ذاته متخذاً صورة العبد يخالف العقل البديهي كما يخالف عقيدة المسيحيين بخصوص وجود طبيعتين للمسيح!

وقوله (رفعه الله ووهب له الأسم الذي يفوق جميع الاسماء)، يبين ان الله أعلى مرتبة من المسيح، وهذا مخالف لعقيدة المسيحيين التي تقول ان الله هو المسيح، وان المسيح هو ابن الله وإنَّن المسيح هو الاقنوم الثاني وهو مساوٍ لأقنوم الأب في المرتبة والاعتبار!!

وامّا قوله (تمجيداً لله الآب) فهو يوضح فكرة بولس عن ان الإله هو الأب وما المسيح الا ابن له ادنى مرتبة، فلم تكن فكرة الأقانيم الثلاثة المتساوية موجودة في ذهن بولس.

وهذه العبارات تكشف عن تدرج في تكوين العقيدة المسيحية ابتداءاً من عصر بولس!

· رسالة مفقودة الى اتباعه في فيلبي

في فل(1:3) {فاندايك}: (أخيرا يا إخوتي افرحوا في الرب. كتابة هذه الأمور إليكم ليست علي ثقيلة، وأما لكم فهي مؤمنة). وفي الطبعة الكاثوليكية نقرأها: (وبعدُ، ايها الأخوة ، فافرحوا في الرب. لا يثقلُ عليَّ أن أكتب إليكم بالأشياء نفسها، ففي ذلك أمان لكم). وفي الهامش، ص657، التعليق التالي: (قد يكون في هذه العبارة اشارة الى رسالة كتبها بولس قبل هذه الرسالة ولكنها فقدت فيما بعد فلم تقع الى ايدينا). إذن هناك رسالة ضائعة من بولس الى اهل فيلبي سبقت هذه الرسالة، وهذا يعني ان الإله لم يحفظ النصوص المقدسة لدينه!!

وربما لذلك يقول بعض علماء المسيحية ان رسالة بولس الى أهل فيلبي هي في الأصل ثلاث رسائل تم تجميعها في وقتٍ ما من قبل شخص مجهول لتصبح رسالة واحدة!![13]. مما يعني ان هناك رسالتان مفقودتان الى اهل فيلبي وليس رسالة واحدة فقط!!

· إشارة الى خلاف بولس مع تلاميذ المسيح

في فل(3: 2-5) نقرأ {فاندايك}: (انظروا الكلاب. انظروا فعلة الشر. انظروا القطع. لأننا نحن الختان، الذين نعبد الله بالروح، ونفتخر في المسيح يسوع، ولا نتكل على الجسد. مع أن لي أن أتكل على الجسد أيضا. إن ظن واحد آخر أن يتكل على الجسد فأنا بالأولى. من جهة الختان مختون في اليوم الثامن، من جنس إسرائيل، من سبط بنيامين، عبراني من العبرانيين. من جهة الناموس فريسي).

ونقرأ في الطبعة الكاثوليكية التعليق التالي على كلمة (الكلاب) الواردة في النص اعلاه: (عبارة تحقير كان اليهود يستعملونها في كلامهم على الوثنيين. والمراد بها في هذه الآية اليهود الذين ارادوا فرض عاداتهم على المسيحيين). وقوله (انظروا القطع): (تهكّم بأنصار الختان)!

فلم تخلُ هذه الرسالة من اصداء الخلاف بين بولس وقادة اليهود المسيحيين، بل نجد فيها تصعيد باستخدام ألفاظ حادّة! وهذا يعني انه في هذه الفترة العلاقات بينهما قد تكون سيئة أو مقطوعة تماماً!

· مساعدات مالية الى بولس

في فل (15:4) يبين ان اتباعه في فيلبي هم الوحيدون الذين يساعدونه بالمال، قال {فاندايك}: (وأنتم أيضا تعلمون أيها الفيلبيون أنه في بداءة الإنجيل، لما خرجت من مكدونية، لم تشاركني كنيسة واحدة في حساب العطاء والأخذ إلا أنتم وحدكم).

ولم يرد تعليق على هذا الموضوع في الطبعة الكاثوليكية للعهد الجديد ولا في التفسير التطبيقي للكتاب المقدس، ولا في الحواشي على الطبعة اليسوعية. كما انهم في اصدار "الكتاب المقدس الدراسي" تهربوا من الموضوع بمهارة رغم تعليقهم على العبارة!

وفي الطبعة الرعائية للعهد الجديد كتب بولس الفغالي في التعليق على هذه العبارة: (الأخذ والعطاء. أخذت الجماعة من بولس الروحيات واعطته الماديات، أي المعونة الماديّة. تلك هي المشاركة الحقة التي عاشها بولس مع كنيسة فيلبي)[14].

8)) رسالة بولس الى اتباعه في مدينة كولوسي (كول)

كتب بولس هذه الرسالة في أواخر حياته، وبعد تكوين نظرياته الدينية. لم يزر بولس مدينة كولوسي ولا أنشأ الكنيسة فيها، "فإنَّ قوماً من تلك المدينة سمعوا كلامه إذ كان يبشر بالدين المسيحي في أفسس حيث أقام اكثر من سنتين (رسل 1:19 و10:8) فآمنوا بالسيد المسيح ثم عادوا الى مدينتهم فهدوا جماعة من اهلها الى الدين المسيحي"[15]. كتب بولس رسالته هذه وهو في السجن. وكان من اتباعه في كولوسي مسيحيون من اصول وثنية وكذلك من اصول يهودية.

كتب الخوري بولس الفغالي: (كتب بولس الرسالة الى كولوسي خلال اسره الأول (61-63))[16].

ويذكر ديفيد سيلفا ان علماء المسيحية منقسمون حول هوية مؤلف هذه الرسالة، أي ان هناك منهم من يشكك في ان بولس هو كاتب هذه الرسالة فعلاً[17]، وابرزهم فرديناند كريستيان باور[18] F. C. Baur ومدرسته[19].

وأبرز الإثارات في هذه الرسالة:

· بولس ضد المباديء العقلية

في كول(8:2و9) الكاثوليكية: (إياكم وأن يخلبكم أحد بالفلسفة، بذلك الغرور الباطل القائم على سُنّة الناس وأركان العالم، لا على المسيح، ففيه يحل جميع كمال الألوهيّة حُلولاً جسدياً)!

وفي الترجمة الرعائية: (وانتبهوا لئلا يسلُب أحد عقولكم بالكلام الفلسفي والغرور الباطل القائم على تقاليد البشر وقوى الكون الاولية، لا على المسيح. ففي المسيح يحل ملءُ الإلوهيّة كلُّهُ حُلولاً جسديّاً).

وهنا يكشف بولس بوضوح ان دين المسيحية الذي اعلنه لا يخضع لمقاييس العقل والبديهيات، فليس المقصود بالفلسفة في كلامه تلك الفلسفة الظنية الذوقية المبنية على الراي والاحتمالات، بل المقصود الفلسفة المبنية على العقل والبديهيات الفطرية، لقول بولس (سُنّة الناس وأركان العالم). ويقصد باركان العالم القوانين الطبيعية التي ينتظم وفقاً لها ومن اهمها القوانين البديهية التي وضعها الله سبحانه في عقل كل إنسان عاقل.

ولنا ان نتسائل لماذا يعلّم بولس ضد القوانين العقلية البديهية ويضع الايمان بالمسيح بديلاً لها؟! الجواب هو ان الايمان بالدين الذي وضعه بولس يتعارض مع الأسس العقلية البديهية، فقضية تجسّد الإله تتعارض مع العقل لأن الإله اذا تجسّد فيعني ذلك:

1. انه يحتاج الجسد البشري الذي خلقه! وهذا يتعارض مع كماله كغني عن مخلوقاته.

2. احتياج الإله لخشبة الصليب ليغفر خطايا المؤمنين به! وهذا الاحتياج يجعل من الإله فقيراً ومحتاجاً الى مخلوقاته!!

3. ان اتحاد الطبيعتان اللاهوتية والناسوتية في جسد بشري واحد سيجعل من الإله محدوداً بحدود الجسد، وفي جهة هي التي تحتوي الجسد، وبذلك يكون محتاجاً للحد والجهة، ومن هذه صفاته يكون محدثاً وليس قديماً. أي لا يمكن أن يكون إلهاً وهو محتاج للحد والجهة.

4. عقيدة بولس بتضحية الإله بأبنه ليصبح له الحق في غفران الخطايا! بينما الإله قدير وعظيم، ولا يحتاج لمبرر أو وسيلة لغفران خطايا التائبين، بل حتى غفران خطايا المذنبين إذا شاء ذلك وفقاً لحكمته سبحانه. وهذه هي صفات الإله في العهد القديم، فما حدا مما بدا وتغيّرت صفاته بعد ظهور بولس ودينه الجديد؟!

 

 

ونقصد بالعقل القضايا الفطرية الراسخة فيه والتي لا يختلف عليها اثنان والتي تسمى أيضاً بالمنطق، ولا يقصد بالعقل مجرد الآراء الشخصية والاستحسانات الذهنية الشخصية.

فالعقدة التي تعاني منها المسيحية هي تعارضها مع العقل، ولذلك يُنظِّر رجال الدين المسيحيون الى تقديم الايمان على العقل!! وهم يتباهون بأن عقيدتهم المسيحية غير معقولة ولا يدركها العقل والمنطق!! يقول احدهم: "ولكن كيف صار هذا الاتحاد، أو كيف يكون لطبيعة السيد المسيح الواحدة صفات اللاهوت وصفات الناسوت معاً بدون اختلاط وبدون امتزاج وبدون تغيير، أو كيف يكون للسيد المسيح صفات الطبيعتين ولا تكون له الطبيعتان، هذا ما لا نعرفه!! إنه سر من الأسرار الالهية، لا يمكن أن نفهمه أو نعيه أو نحتويه في عقولنا. من هنا سمي في الاصطلاح الكنسي بسر التجسد الالهي. فنحن نؤمن بنوع من الاتحاد يفوق كل فهم بشري وكل تصور. قد تكون هذه مشكلة كبيرة بالنسبة للعقل الفلسفي أو للعقل المادي، وقد يكون فيها تناقض، وقد يكون فيها ما يتعارض مع قوانين العقل والمنطق والحس والمادة والمصطلحات الفلسفية. كل هذا قد يكون صحيحاً ، ولكننا نصدق ونؤمن بتجربة باطنية روحية صوفية عالية على كل منطق وعقل. أن هذا أمر ممكن ، ذلك لأن الله أراده ، وإذا أراد الله شيئاً فهو ممكن، وحتى لو كان هذا غير معقول للعقل فإنه معقول للعقل الروحاني الذي لا يعرف لقدرة الله حدوداً. وهذا هو ((الايمان الذي بلا فحص)) الذي يصرخ من أجله الكاهن القبطي في القداس الالهي"[20].

انظروا لعظمة الإسلام وتهاوي العقائد الباطلة، الاسلام الذي يدعوا الى التعبد بعقل وفهم ومعرفة، والمسيحية التي تدعوا للتعبد بإيمان لا يمكن تعقله!!؟ ففي الاسلام، روى الشيخ الصدوق في أماليه عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال: (لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال له: وعزَّتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إلي منك، ولا اُكمِلُكَ إلا فيمن أحبُ، أمَا إنّي إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أثيب).

لقد غفل المسيحيون عن إنَّ الانسان الذي لا يتعبد بما يعقله يصبح كالمجنون الذي لا تكليف له! لأن الفرق بين العاقل والمجنون هو العقل الذي من خلاله يثيبُ اللهُ الإنسانَ ويحاسبه، فإذا كانت العقيدة الايمانية غير معقولة تساوى امامها العقلاء والمجانين!!

 

· قرائن على أنَّ هذه الرسالة الى كولوسي كُتِبَت بعده

في كول(1: 5و6): (من أجل الرجاء الموضوع لكم في السماوات، الذي سمعتم به قبلا في كلمة حق الإنجيل، الذي قد حضر إليكم كما في كل العالم أيضا، وهو مثمر كما فيكم أيضا منذ يوم سمعتم وعرفتم نعمة الله بالحقيقة). وفي (23:1): (إن ثبتم على الإيمان، متأسسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل، الذي سمعتموه، المكروز به في كل الخليقة التي تحت السماء، الذي صرت أنا بولس خادما له).

وهاذان النصان هما احد القرائن على ان رسالة كولوسي كتبت في زمن بعد عصر بولس، لأن انتشار المسيحية في عصر بولس لم يكن على النحو الموصوف في النص: (في كل العالم) و(في كل الخليقة التي تحت السماء).

ويقول ديفيد سيلفا: (بعض الدارسين العلماء لاحظوا أنَّ كولوسي 6:1، 23، التي تقول أنَّ "كل الخليقة" قد سمعت الإنجيل، ينبغي أن تكون علامة على تأليف ما بَعد-بولسي، بما أنَّه لا يمكن تقديم تصريح كهذا عن إتّساع مدة انتشار الإنجيل الى هذا الحد في زمن بولس. على أية حالٍ فإنَّ هذا التصريح قد يكون مجرّد مبالغة أو مغالاة في المرحلة ما بعد-البولسية {بالحقيقة، حتى وقتنا الحاضر} كما في زمن حياة بولس، فهذا النوع من الدليل غير مساعد)[21]. ويظن البعض ان ادّعاء المبالغة للنص تجنّبهم إحراجه! فوجود نص يفترض أنَّه إلهي ووحي ومقدس ومع ذلك يوصف بأنَّ فيه مبالغة أو مغالاة فهذا يعني انَّ هناك خللاً في مكان ما!! لاسيما وان ديفيد سيلفا نفسه يقول بأنَّ المبالغة والمغلاة مستمرة الى وقتنا الحاضر!

ويعلل بعض رجال الدين المسيحي هذا النص {قول بولس: في كل العالم} بقولهم: (6:1 في العالم أجمع. مبالغة القصد منها تصوير الانتشار السريع لرسالة الانجيل في جميع أرجاء الإمبراطورية الرومانية على مر ثلاثة عقود بدءاً من يوم الخمسين {انظر الآية 23 ، رو 8:1 والتعليق، 18:10 ، 19:16}. يدحض بولس الرسول اتهامات المعلمين الكذبة مؤكداً أن الإيمان المسيحي ليس مجرّد إيمان محلي أو إقليمي وإنما عالمي في نطاقه)[22]. وهذا النص يلمّح الى خلاف بولس مع اكابر الرسل تلاميذ المسيح الذين كانوا يقتصرون على تبشير اليهود، فيقول لهم بولس ان الدين الذي يبشِّر به سينتشر في جميع انحاء الارض لأن بولس يبشِّر الوثنيين، وهم في كل مكان!

 

 

· تعبير يظهر مرة واحدة في العهد الجديد!

وهو تعبير (كلمة المسيح) الذي نجده في كول(16:3) {فاندايك}: (لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى، وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضا، بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، بنعمة، مترنمين في قلوبكم للرب)!

وسوف نستعرض عدّة ترجمات لهذا النص وكيف تمّت ترجمة العبارة ( كلمة المسيح)، وهي عبارة لم تتكرر في العهد الجديد!ولم يستعملها اي كاتب آخر من كتبة اسفاره!!

في ترجمة العهد الجديد العربية 1643م: (لتحل فيكم كلمته[23] ويعينكم بكل حكمة وكونوا تعلمون نفوسكم وتودبونها بالمزامير والتسابيح واغاني الرواح وبالنعمة كونوا ترتلون الله في قلوبكم).

في ترجمة العهد الجديد العربية 1737م: (قول المسيح فليسكن فيكم بسعةٍ لكافة الحكمة. معلّمين انفسكم وموعظيها بالمزامير والتسابيح والترنّيمات الروحانية. مترنّمين بنعمةٍ في قلبكم للربّ).

في ترجمة الكتاب المقدس العربية 1811م: (وليسكن فيكم قول الله بغزارة بكافة الحكمة اذ تعلمون انفسكم وتعظونها بالمزامير والتسابيح والترنمات الروحانية مترنمين للرب في قلوبكم).

في ترجمة هنري مارتن المطبوعة بالهند للعهد الجديد 1816م: (ولتستقم فيكم كلمة المسيح بانواع الحكمة كلّها استقامة كاملة وانتم تتواعظون وتتناصحون بالمزامير والتسابيح والتّرنّمات الروحانية وتترنمون بالنعمة للرب في قلبوكم).

في طبعة رجارد واطس 1833م على ترجمة رومية 1671م: (لتحل كلمة المسيح فيكم بفضل بكل حكمة وكونوا تعلّمون نفوسكم وتعظون بالمزامير والتسابيح واغاني الروح بالنعمة تكونوا ترتلون لله في قلوبكم).

وفي ترجمة الدومينيكان 1875م: (لتحلّ كلمة المسيح فيكم بتفاضل وبكل حكمة كونوا معلمّين وواعظين بعضكم بعضاً بالمزامير والتسابيح واغاني روحيّة بالنعمة. مترنّمين قي قلوبكم).

وفي اليسوعية 1897م: (ولتحلَّ كلمة المسيح فيكم بكثرة معلِّمين وناصحين بعضكم لبعضٍ بكل حكمة وبمزامير وتسابيح وأغاني روحيّة مرنّمين في قلوبكم بالنعمة لله)!

في الكاثوليكية 1977م: (لينزل فيكم كلام المسيح وافراً لتعلِّموا بعضكم بعضاً وتتبادلوا النصيحة بكل حكمة. رتلو الله من صميم قلوبكم شاكرين بمزامير وتسابيح وأناشيد رُوحانيَّة)!

وفي ترجمة القمص قزمان البرموسي 1981م: (ليُقِم فيكم كلامُ المسيح بفيضٍ بكل حكمةٍ، ليُعلِّم وينصح بعضكم البعض، وسبحوا الرب في قلوبكم واشكروه بمزامير وتسابيح وبأناشيد روحيّة).

وفي الطبعة البولسية 1995م: (لتحل فيكم كلمة المسيح بوفرة، علّموا وانصحوا بعضكم بعضاً بكل حكمة، رنموا بالنعمة لله في قلبوكم بمزامير وتسابيح وأناشيد روحية).

وفي طبعة العهد الجديد الرعائية 2004م: (لتحل في قلوبكم كلمة المسيح بكل غناها لتُعلِّموا وتنبّهوا بعضُكُم بعضاً بكل حكمةٍ. رتلوا المزامير والتسابيح والأناشيد الروحيّة شاكرين الله من أعماق قلوبكم).

هكذا حاروا في ترجمة هذا التعبير الذي ظهر مرّة واحدة في العهد الجديد، بين (كلمة المسيح) و(كلام المسيح)! وشتان بين كلمة (المسيح) ككلمة وبين كلمة (المسيح) كقضية أقنومية كالتي بدأ بها انجيل يوحنا! ولأن من المستبعد ان يكون المقصود بها القضية الاقنومية فقد ترجمها بعض رجال الدين المسيحيين بـ (كلام المسيح) دفعاً للاشتباه!

وتوسع بعض رجال الدين المسيحيين في هذا النص المحيّر في معناه فألصقوا به معاني لاهوتية واسعة لا يحتملها النص. ولو كان المقصود به تلك اللاهوتيات التي ألصقوها به فلماذا لم يتكرر هذا التعبير في رسائل بولس ولو مرّة واحدة على الأقل؟!

يقول بولس الفغالي في هامش الطبعة الرعائية للعهد الجديد: (كلمة المسيح {أو: كلمة الرب ، كلمة الله}التعليم المسيحي كما وصل بطريقة شفهيّة الى الكولوسيين)[24]. فهو يعلم انه من غير الممكن ان يكون المقصود بـ (كلمة المسيح): (كلام المسيح) المكتوب أي الاناجيل لأن الاناجيل لم تكن مكتوبة حينذاك، وإذا كان هذا هو المقصود فعلاً – كما في بعض الترجمات - فهو يعني وجود اناجيل كانت متداولة حينذاك (ولو من قبل المسيحيين اليهود اتباع تلاميذ المسيح) زمن كتابتها يسبق زمن كتابة الاناجيل الاربعة.

إن عدم تكرار هذا التعبير في رسائل بولس وظهوره في هذه الرسالة مرّة واحدة هو من القرائن التي يستند اليها بعض العلماء المسيحيين في القول بأنَّ هذه الرسالة ليست من كتابة بولس بل هي منحولة له!

فهذه العبارة تحمل معنى غنوصي واضح يتضمن الحلول والتقمّص الباطني. وهي من الادلة على ان كاتب هذه الرسالة كانت له تجربة غنوصية القت بظلالها عليها، ولذلك تجدون في الترجمة الرعائية كتبوها (لتحل في قلوبكم كلمة المسيح) فجعلوا الحلول في القلب، في محاولة للخروج من شهبة التقمّص والغنوصية!

 

· فقدان رسالة بولس الى مدينة لاودكية

في كول(16:4): (ومتى قرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقرأ أيضا في كنيسة اللاودكيين، والتي من لاودكية تقرأونها أنتم أيضا).

وهذا النص يكشف عن ضياع عدد من رسائل بولس، من ضمنها هذه الرسالة الى اهل لاودكية (لاذقيّة).

يقول بولس الفغالي: (رسالة لاودكية. ضاعت هذه الرسالة، الا اذا كانت تلك الرسالة الدوّارة التي ارسلت الى افسس ولاودكية وكنائس أخرى)[25].

وفي التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: (يظن البعض أن "الرسالة الى كنيسة اللاودكيين" هي الرسالة الى أفسس، ولكن الأكثراحتمالاً أنه كانت هناك رسالة خاصة الى الكنيسة في لاودكية، ليست بين أيدينا الآن، إذ يبدو أن الرسول بولس كتب بعض رسائل أخرى لم تصل إلينا)[26].

وقد ذكرنا آنفاً في تعليقنا على رسالة بولس الى اتباعه في فيلبي (1:3) ان هناك رسائل أخرى مفقودة، وانَّ فقدان عدد من رسائل بولس يعني أنها بإعتبارها وحياً كما يزعم رجال الدين المسيحيين لم تكن من الاهمية بحيث يحفظها الإله من الضياع في تلك المرحلة المبكرة من عمر الدين المسيحي!

وأصبح عدد الرسائل المفقودة من رسائل بولس أربع رسائل هي:

1. رسالة بولس إلى أهل اللاذقية : ورد ذكرها في رسالة بولس إلى أهل كولوسي (16:4).

2. رسالة بولس الأولى إلى أهل فيلبي : ورد ذكرها في رسالة بولس إلى أهل فيلبي (1:3).

3. رسالة لبولس إلى أهل كورنثوس : ورد ذكرها في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس (9:5).

4. رسالة لبولس إلى أهل كورنثوس : ورد ذكرها في رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس (8:7).


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

 

[1] المقصود هنا (التقبّل) من القبول. وفي ترجمة العهد الجديد 1816م: (ان تتقبّلوها في الرب).

[2] كانا مع بولس في سجنه، بالاضافة الى ارسطرخس المذكور في رسالته الى كولوسي (10:4).

[3] مدرّس الدين في كليّة ماونت هوليوك Mount Holyoke College، ومؤلف كتاب: تقبيل المسيحيين: طقوس ومجتمع في أواخر الكنيسة القديمة (Kissing Christians: Ritual and Community in the Late Ancient Church).

[4] في اغلب الترجمات الانجليزية كتبوها: (kiss of love) ، والقليل منها كتبوها: (loving kiss) و (kiss of charity)!

[5] مقال بعنوان (A Brief History of the Christian Ritual Kiss) ، بقلم Michael Philip Penn، منشور في الموقع الالكتروني (Church Life Journal) ، بتاريخ 15 شباط 2021م، عبر الرابط: https://bit.ly/2ScAvR1

[6] مقال بعنوان (Le bisou sur la bouche, ou l’histoire du roulage de pelle) ، بقلم MARINE GASC، منشور في الموقع الالكتروني (Raconte-moi l'Histoire)، بتاريخ 20/1/2016م ، عبر الرابط: https://bit.ly/3f5hRU4

[7] العهد الجديد، قراءة رعائية – التعليق على 1كور (20:16) – ص583.

[8] كارين إل كينج أستاذة دراسات العهد الجديد وتاريخ المسيحية القديمة بجامعة هارفارد في كلية اللاهوت. لها منشورات كثيرة في مجالات الغنوصية والمسيحية القديمة ودراسات المرأة.

[9] مقال بعنوان (Women In Ancient Christianity: The New Discoveries)، بقلم Karen L. King، منشور في الموقع الالكتروني (FRONTLINE)، عبر الرابط: https://to.pbs.org/3f5p1Yk

[10] الكتاب المقدس الدراسي – ص2740.

[11] التفسير التطبيقي للكتاب المقدس – ص2415.

[12] المدخل الى رسالة بولس الى اهل فيلبي، في الطبعة الكاثوليكية، ص648.

[13] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص259 و260.

[14] العهد الجديد ، قراءة رعائية، كتب مداخلها وهوامشها بولس الفغالي / جمعية الكتاب المقدس / الاصدار الاول الطبعة الاولى 2004، لبنان – ص670.

[15] العهد الجديد / الطبعة الكاثوليكية، الطبعة الخامسة 1977م – المدخل الى رسالة بولس الى اهل قولسي – ص663.

[16] العهد الجديد ، قراءة رعائية، كتب مداخلها وهوامشها بولس الفغالي – ص672.

[17] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص330.

[18] جاء في موسوعة الويكيبيديا العربية: {فرديناند كريستيان باور (باللاتينية Ferdinand Christian Baur) ثيولوجي ألماني وقائد مدرسة توبنغن الثيولوجية التي سميت نسبة لجامعة توبنغن. اتبع ديالكتيك هيغل ووضع أدلة بأن مسيحية القرن الثاني كانت مركبة من توجهين مختلفين هما المسيحية اليهودية والمسيحية البولصية. في النقد العالي اقترح تاريخا متأخرا لرسائل بولس الشخصية}.

[19] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص336.

[20] تعليم كنيسة الاسكندرية فيما يختص بطبيعة السيد المسيح / وهيب عطا الله جرجس/ يونيو1961– ص17 و18.

[21] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا - ج2 ص336.

[22] الكتاب المقدس الدراسي – ص2870.

[23] اي المسيح، لأن الجملة التي سبقتها كتبوها هكذا: (وكونوا تشكرون المسيح) فيكون الضمير في (كلمته) يعود على المسيح.

[24] العهد الجديد ، قراءة رعائية – ص683.

[25] العهد الجديد، قراءة رعائية – ص685.

[26] التفسير التطبيقي للكتاب المقدس – ص2569.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/01



كتابة تعليق لموضوع : مع بولس في رسائله - (3)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net