الأنسنة في القرآن الكريم وجماليات التعبير
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من أبرز مجالات التصوير في القرآن الكريم هو الأنسنة التي تحيل الظواهر والانفعالات الى كائن بشري يموج بالعواطف، عبر مجال استعاري والفاظ مستعارة موحية تجعل الأمر ملموسا ومحسوسا. وتؤدي الانسنة الى امتزاج صوري (اشباع وتماثل) وتجعل في قراءتها المتعة. والاستخدام القرآني يدرك حاجة المتلقي النفسية الى تصور الأشياء والمشاعر، لتحمل الاقتناع الذهني والنفسي على جناح من الخيال الجميل والمؤثر...
والتشخيص يعني الأنسنة، فلنتأمل في قوله تعالى: (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُوسَى الغَضَبُ) فلابد من سبب قوي جعل الغضب في هذا الوضع، لأن بني اسرائيل قابلوا النعمة بالجحود، فارتدوا عن الايمان... فيبين هارون لموسى ع ماحدث: (قالَ ابنَ أُمَّ إِن القومَ استَضعَفُونِي وَكادُوا يَقتُلُونَنِي) فالغضب قوة ضاربة لها مردود نفسي، ولم يستخدم كلمة (سكن) بل جاءت (سكت الغضب) لتعطيها الزخم الانسني او لنقرأ قوله سبحانه: (فاذا جاء الخوف...) فقد رسمت الآية صورة نفسية رائعة تنضح بالسخرية، وحددت نموذجا لنمط من البشر ـ حالة الخوف والفزع والهروب وشل الحركة... فالخوف شخص مجسد هنا يجيء ويروح، ويفرض في مجيئه الهلع.
قال القرطبي: وصفهم بالجبن؛ إذ ينظرون يمينا وشمالا، ومفردة (ذهب) جاءت لتعكس حالة التضاد الداخلي للفرد الخائف، وتبقى حالة التضاد الأشمل هو العنت والصلف الذي يخرجون به حين يخرجون من جحورهم، ومثل هذا النموذج البشري موجود الى اليوم ويسمى (الازدواجية) قال تعالى: (فَإِذا ذَهَبَ الخَوفُ سَلَقُوكُم بِأَلسِنَةٍ حِدادٍ).
وفي قوله تعالى عن قصة ابراهيم: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَن إِبراهِيمَ الرَّوعُ وَجاءَتْهُ البُشرى) جسّد لنا (الروع والبشرى) الحديث مع الضيوف والذين هم من الملائكة، وامام بشارة مذهلة، وسبب الروع ان الضيوف لم يمدوا ايديهم في الطعام، فأوجس منهم خيفة، فالضيف عند العرب حين لايأكل يعني انه يضمر الشر...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat