الاصلاح التربوي أولاً..
د . زينب فالح الشاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . زينب فالح الشاوي

إن عملية الإصلاح عملية مركبة، تحتاج من ناحية إلى رؤية واضحة وأهداف محددة، كما تحتاج من ناحية أخرى إلى تعاون وثيق ومستمر بين مجمل القوى الاجتماعية والفعاليات الاقتصادية ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز صنع القرار السياسي.
ومن هنا، فإن الحديث عن معضلة الإصلاح السياسي، يتطلب منا، بدءاً، تحديد طبيعة الخلل في المجتمع السياسي، كما يتطلب تحديد القوى الاجتماعية المستفيدة منه، وتحليل أولوياتها والمصالح التي تسعى إلى تحقيقها والمعبرة عنها، ومن ثم البحث في الآليات أو المقاربات اللازمة لتحقيق المشروع الإصلاحي الحاملة له, وان الاصلاح السياسي لن يكون بتعديلات دستورية وتشريعية فوقية, ولكن لابد ان يكون عبر عملية متكاملة من التنشئة السياسية منذ الصغر من خلال اكبر المؤسسات تأثيرا وأوسعها انتشارا, ألا وهي المؤسسات التربوية التعليمية.
وتشكل مسألة الإصلاح التربوي واحدة من القضايا المهمة في دول العالم كاستراتيجية قومية كبرى، حيث يعتبر النظام التربوي والتعليمي الركيزة الأساسية والقلب النابض لأنظمة المجتمع المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية للعالم المعاصر.
إن أهمية التربية تتمثل بكل اختصار في كونها أداة تشكيل شخصية الفرد ضمن الجماعة التي ينتمي إليها، وهي بذلك تعمل على تزويد المجتمع بالموارد والكفاءات البشرية التي تحافظ على مكانته، فهي تخرجها بحيث تكون متشبثة بتاريخها وهويتها وانتمائها، ومتشبعة بنور العلم والمعرفة والخبرة لتصنع مجد أمتها دون ذوبان أو انغلاق. وهكذا نجد الإصلاح التربوي أداة مواجهة التحديات على كافة المستويات، ووسيلة تحقيق الأهداف في كل الميادين، وضرورته لمواكبة التغييرات الحاصلة في المجتمع، سواء كانت إيجابية وبالتالي تدعيمها وتحيينها، أو سلبية وبالتالي تصحيحها وإعطاؤها الوجهة السليمة.
فقد اكد الخبراء المعنيون على أن التعليم بأنواعه المعروفة، هو الأساس القوي الذي يستند عليه بناء الدولة، لدرجة أن الإصلاح لا يمكن أن يؤتي أوكُله ما لم تكن هناك بنية تعليمية قوية يستند إليها العاملون في قيادة الدولة والمجتمع، لهذا ركّزت الدول الطامحة الى التطور والتقدم، على إصلاح الأساس العلمي لشعبها، إذ لا يمكن أن يتحقق التقدم المنشود لأي بلد إلا من خلال إنجاز الإصلاحات التربوية والتعليمية التي هي مفتاح كل إصلاح، كما يكمن الإصلاح في شقه السياسي في الإرادة السياسية الصادقة التي ترى الإنسان في بعده الإنساني والثقافي هو الرأسمال البشري الذي يشكل الثروة الوطنية الاستراتيجية لمواجهة التحديات.
وتعتمد أغلب دول العالم في تقدمها وتطورها وازدهارها على التعليم، اذ يمكن قياس مدى تطور وتحضر البلد عن طريق معاينة نظام التعليم المطبق فيها من حيث نوع المناهج التي تدرس في المدارس والجامعات ونسب المشاركين فيها.
طبعاً لا يمكن لعاقل أن ينكر اسبقية الإصلاح التربوي على أي إصلاح وضرورته في مجتمعات أدمنت الجمود والتقليد، وصارت بأمس الحاجة إلى نشر العقلانية في طرائق التفكير؛ لإزاحة روح الإقصاء والعقلية التقليدية الموجودة عند الناس التي لا تتقبل الديمقراطية والحريات السياسية.
إذن، المطلوب فلسفة تربوية جديدة، تعظم مفاهيم التعددية واحترام الآخر، وتعلم النشء مفهوم المواطنة المتساوية، وليس ثقافة تقزّم الآخر، وترسّخ الإقصائية والطائفية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat