صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

مع بولس في رسائله – (1)
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المقدمة:

لاشك ان المسيحية قائمة بالدرجة الاساس على فكر بولس وتبشيره. وطيلة مسيرة بولس التبشيرية بدينه الجديد كانت هناك مشكلة تواجهه وهي مشكلة الاصالة! فمن الناحية الاجتماعية، كانت دعوة المسيح التي انتهت برفعه الى السماء قد توارثها من بعده تلاميذه الحواريون الذين انتخبهم واختارهم، وقد تزعمهم بطرس (الصخرة) ومن خلفه جميع الذين آمنوا بالمسيح حال حياته بينهم، ويذكر العهد الجديد ان المسيح عندما رُفِعَ الى السماء كان ذلك بمشهد (500) مؤمن من انصاره. فإذا أضفنا لهم المؤمنين به في مدن عدّة متفرقة في فلسطين، فيكون خلف زعامة بطرس حشد كبير من اليهود المؤمنين بالمسيح. فالمسيح لم يطلب من اليهود الذين آمنوا به ان يتجرّدوا عن يهوديتهم أو ينسلخوا عن العمل بشريعة التوراة، بل على العكس فقد كان يقول انه جاء ليكمل الشريعة لا لينقضها. وإزاء هذا الحشد اليهودي المؤمن بالمسيح، ظهر بولس الذي كان يضطهد اليهود المؤمنين بالمسيح (اليهود المسيحيين) وإذا به يعلن إيمانه بالمسيح، ولكنه لم يكن قد آمن بنفس طريقة تلاميذ المسيح بل كان له إيمانه الخاص الذي يقول انه تلقاه من المسيح مباشرة، وكان يدعوا إليه سرّاً طيلة (14) سنة، تحت غطاء تواصله وتعاونه مع قادة اليهود المسيحيين من تلاميذ المسيح (الحواريين)، حتى إذا أسس قواعده وكوّن له اتباعاً في عدّة مدن يونانية في حوض البحر المتوسط، بدأ بإعلان عقيدته الجديدة، وهي: (إيمانه بأن المسيح هوابن الإله المولود منه والصادر عنه وانه هو خالق كل شيء وأن الإله به خلق كل شيء، فهو الرب ابن الإله، وقد ضحّى بنفسه على الصليب ليدفع كفّارة خطايا المؤمنين به ثم قام من الموت بعد ثلاثة ايام وارتفع الى السماء)!

وهكذا نشأ تياران رئيسيان كل منهما يرفع أسم المسيح ويعتبر نفسه الممثل الشرعي له، هما تيار بطرس واتباعه من اليهود المسيحيين المؤمنين بنبوة المسيح وانه عبد من عباد الله، وتيار بولس واتباعه وغالبيتهم من الوثنيين (الأممين) المؤمنين بالمسيح الرب ابن الإله. وأصبح لكل فريق زعماء ومبشِّرون وأناجيل ورسائل وكتابات وانصار، يتصارعون فيما بينهم فكريّاً لينشر كل فريق مبادئه. ولكون بطرس وتياره لم يكن يستهدف سوى اليهود في فلسطين ومدن حوض البحر المتوسط (العالم الهليني[1])، فقد كان نطاق حركتهم ضيقاً ومحدوداً يستهدف اليهود في تلك المدن بصورة رئيسية، بينما كان نطاق حركة بولس اوسع حيث بأفكاره التعددية (الإله وأبنه المسيح الرب) امكنه الانتشار بين الوثنيين بسهولة أكبر مما هو بين اليهود الموحدين، رغم انه لم يتمكن ان يتجاوز عقدة التبشير بين اليهود، بسبب طبيعة حياة المسيح ورسالته التبشيرية، فقد كان بولس ملتزماً بالدخول في مجامع اليهود ومجالسهم والتبشير بينهم رغم قلّة ما يجنيه من فائدة وانصار.

ويمكننا دراسة الفكر اللاهوتي لبولس والمبني على الشراكة بين (المسيح الرب والأب الإله) من خلال المصادر الاكثر وثوقاً بصدورها عن بولس وهي الرسائل الاربعة الرئيسية[2] ذات الموثوقية العالية بأنَّ بولس كاتبها! وهي حسب تسلسل كتابتها:

1. رسالة بولس الاولى الى اهل كورنثوس.

2. رسالة بولس الى اهل غلاطية.

3. رسالة بولس الثانية الى اهل كورنثوس.

4. رسالة بولس الى اهل رومية.

 

وحتى هذه الرسائل الاربعة من بينها رسالة واحدة لا تخلو من الشك ان بولس هو كاتبها وهي رسالة بولس الثانية الى اهل كورنثوس! حيث يرى بعض علماء المسيحية ان هذه الرسالة مركبة من عدّة رسائل[3]! ونحن لا نعرف على وجه اليقين هل هذه الرسائل المركّبة جميعها لبولس! وبذلك لا يكون امامنا من رسائل ذات موثوقية عالية لمعرفة فكر بولس سوى الثلاث رسائل الأخرى: كورنثوس الاولى وغلاطية ورومية. ولكن بقية الرسائل العشرة إن لم يكن بولس هو كاتبها فبالتأكيد ان بعض تلاميذه هم كتبتها، وبذلك يمكن ان نستفيد منها بدراسة تطور فكر بولس وكيف انتقلت عقيدته الدينية الى تلاميذه ثم تلاميذهم، الآباء المؤسسون، فتطورت على ايديهم حتى انتهت الى ما هي عليه المسيحية اليوم.

 

 

توقيع بولس لرسائله:

كان بولس معتاداً على توقيع رسائله بأن يكتب في نهايتها بخط يده، كدليل على موثقية صدورها عنه. حيث أشار كاتب رسالة بطرس الثانية (3: 15و16) الى ان رسائل بولس كانت تتعرّض للتحريف، بقوله: (واحسبوا أناة ربنا خلاصا، كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضا بحسب الحكمة المعطاة له، كما في الرسائل كلها أيضا، متكلما فيها عن هذه الأمور، التي فيها أشياء عسرة الفهم، يحرفها غير العلماء وغير الثابتين، كباقي الكتب أيضا، لهلاك أنفسهم)!

عموماً هذه العلامة (توقيع بولس) غير مجدية بالنسبة للجيل الاول بعد بولس لأنه مع عمليات نسخ الرسائل لن تكون هناك إمكانية من تمييز الرسالة الاصيلة بخط بولس مما سواها.

والرسائل التي جاء فيها أو في نهايتها عبارة بخط بولس هي:

1- رسالة بولس الاولى الى اتباعه في كورنثوس (21:16).

2- رسالة بولس الى اتباعه في غلاطية (11:6).

3- رسالة بولس الى اتباعه في كولوسي (18:4).

4- رسالة بولس الثانية الى اتباعه في تسالونيكي (17:3).

5- رسالة بولس الى فيلمون (19).

فقط خمس رسائل تحتوي الخاتمة بخط بولس، بينما الرسائل التسع المتبقية المنسوبة له تخلو من هذه الخاتمة مما يعني بصورة واضحة ان هناك تلاعباً طرأ عليها أدّى الى اختفاء الخاتمة التي بخط يد بولس او انها فعلاً رسائل مَنحُولة لم يكتبها بولس!

 

رحلات بولس والمدن التي زارها:

يمكن اختصار وتعداد مراحل حياة بولس والمدن التي زارها ومارس فيها دعوته المسيحية و"بشارته" - التي ملّخصها ان "الرب المسيح ابن الإله" تجسّد في رحم إمرأة ثم وُلِدَ ثم ضحّى بنفسه على الصليب ليغفر لكل من يؤمن به وبآلامه وتضحيته وقيامته من الموت!! - بعد الرجوع الى سِفر أعمال الرسل ورسائل بولس، بالتالي:

§ اعتناقه الايمان بالمسيح وتأسيسه الدين الجديد

§ خط سير بولس بعد اعتناقه المسيحية: دمشق - بلاد العرب {مملكة الانباط شرقي الاردن وجنوب دمشق} – دمشق - أورشليم {جاءها بعد 3 سنوات من ذهابه الى بلاد العرب، ورافقه اليها برنابا وتيطس، وبقي فيها 15 يوم} - سورية - كيليكيّة - طرسوس {مسقط رأسه}.

 

§ رحلة بولس الاولى ، اعمال الرسل (2:13 – 28:14)، (برنابا وبولس، ويوحنا الملقب مرقس معاونهما)، حوالي (46-48)م:

أَنْطَاكِيَةَ - سَلُوكِيَةَ (مرفأ أَنْطَاكِيَةَ) - [قُبْرُسَ – سَلاَمِيسَ – بَافُوسَ] – {فراق مرقس لهما} - بَرْجَةِ في بَمْفِيلِيَّةَ - أَنْطَاكِيَةَ - بِيسِيدِيَّةَ - أيقونية - لِسْتَرَةَ - دَرْبَةَ - لِسْتَرَةَ - إِيقُونِيَةَ - أَنْطَاكِيَةَ - بِيسِيدِيَّةَ - بَمْفِيلِيَّةَ - أَنْطَاكِيَةَ.

§ رحلة بولس الثانية ، اعمال الرسل (40:15 – 22:18)، حوالي (50-52)م، افترق في بدايتها برنابا عن بولس.

أَنْطَاكِيَةَ - سُورِيَّةَ - كِيلِيكِيَّةَ - دَرْبَةَ - لِسْتَرَةَ -{مرّوا نواحي فِرِيجِيَّةَ و غَلاَطِيَّةَ واجتازوا مِيسِيَّا دون مكوث، ولم يدخلوا بِثِينِيَّةَ} - تَرُوَاسَ – سَامُوثْرَاكِي - نِيَابُولِيسَ - فِيلِبِّي {اول مدينة في مقاطعة مَكِدُونِيَّةَ} - لِيدِيَّةَ - {اجتياز أَمْفِيبُولِيسَ وَأَبُولُونِيَّةَ دون مكوث} - تَسَالُونِيكِي - بِيرِيَّةَ - {افتراق بولس وسيلا} - أَثِينَا - كُورِنْثُوسَ. وفيها: كتب بولس رسالتيه الى اهل تسالونيكي {عن هامش الطبعة الكاثوليكية}. {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان بولس هو فعلاً من كتب الرسالة الثانية الى اهل تسالونيكي} - {التحاق سِيلاَ وَتِيمُوثَاوُسُ ببولس من مَكِدُونِيَّةَ} - {بعد مكوثه 18 شهر في كُورِنْثُوسَ ابحر نحو سورية ومعه بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ} - {حلق رأسه في كَنْخَرِيَا بسبب نذر} - أَفَسُسَ {فيها ترك بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ} - قَيْصَرِيَّةَ - أُورُشَلِيمَ - أَنْطَاكِيَةَ.

 

§ رحلة بولس الثالثة ، اعمال الرسل (23:18 – 17:21)، حوالي (53-57)م.

أَنْطَاكِيَةَ - غَلاَطِيَّةَ - فِرِيجِيَّةَ - أَفَسُسَ {بقي فيها اكثر من 2 سنة و3 أشهر وهي عاصمة مقاطعة أَسِيَّا الرومانية غرب الأناضول}، ومنها ذهب على الاقل بزيارة واحدة الى أخائِيَّة[4]. وفيها: كتب بولس رسالته الاولى الى اهل كورنثوس، ورسالته الى اهل غلاطية، وربما رسالته الى اهل فيلبي {عن هامش الطبعة الكاثوليكية}.{يقول بعض علماء المسيحية ان رسالة بولس الى أهل فيلبي هي في الأصل ثلاث رسائل تم تجميعها[5] في وقتٍ ما من قبل شخص مجهول لتصبح رسالة واحدة!! ولا يعرفون هي هي مركبة من رسائل جميعها لبولس ام لأشخاص مختلفين} - مَكِدُونِيَّةَ، وفيها كتب بولس رسالته الثانية الى أهل كورنثوس {عن هامش الطبعة الكاثوليكية}، {يقول بعض علماء المسيحية ان رسالة بولس الثانية الى أهل كورنثوس هي رسالة مركبة من عدّة رسائل[6] في وقتٍ ما من قبل شخص مجهول الهوية!! ولا يعرفون هي هي مركبة من رسائل جميعها لبولس ام لأشخاص مختلفين} - هَلاَّسَ (اليونان) {بقي فيها 3 أشهر}، وفيها: كتب بولس رسالته الى رومية إذ كان في كورنثوس {عن هامش الطبعة الكاثوليكية} - فِيلِبِّي - تَرُوَاسَ - أَسُّوسَ - مِيتِيلِينِي - خِيُوسَ - سَامُوسَ - تُرُوجِيلِيُّونَ - مِيلِيتُسَ - كُوسَ (قُوش) - رُودُسَ - بَاتَرَا - {سفينة تبحر الى فِينِيقِيَةَ} - قُبْرُسَ - سُورِيَّةَ - صُورَ - بُتُولِمَايِسَ - قَيْصَرِيَّةَ - أُورُشَلِيمَ {حصول اضطراب بسببه ثم سجنه في قَيْصَرِيَّةَ} - جزيرة اقريطيش (كريت) {مرَّ عليها إثناء ذهابة الى الاقامة الاجبارية في روما}.

 

§ الإقامة الإجبارية لبولس في روما (61-63)م

 

في هذه الفترة كتب رسالته الى اهل كولوسي، ورسالته الى فيلمون. {العهد الجديد قراءة رعائية، مدخل الى الرسالة الى كولوسي بقلم الاب بولس الفغالي} { ويذكر ديفيد سيلفا ان علماء المسيحية منقسمون حول هوية مؤلف هذه الرسالة، أي ان هناك منهم من يشكك في ان بولس هو كاتب هذه الرسالة فعلاً[7]}.

 

· رحلة بولس المفترضة الى اسبانية {لا يوجد دليل حسّي أو نقلي على حدوثها}!

 

· االفترة الغامضة في حياة بولس ومقتله حوالي سنة 67م.

 

المدن التي زارها بولس في رحلاته التبشيرية:

وفيما يلي نستعرض رسائل بولس الى المدن التي زارها وارسل لاتباعه فيها رسائل، ونرتِّبُها وفق التسلسل المفترض لكتابتها تبعاً لأشهر اقوال رجال الدين المسيحيين، مع مراعاة التركيز على الرسائل الأربعة الأساسية، المشار إليها آنفاً (وإن كانت الرسالة الثانية لكورنثوس هي تجميع رسائل متعددة لا نعرف من هو الذي قام بتجميعها، ومتى كتب بولس رسائله المتعددة هذه، وهل إنَّ جميعها كتبت لأتباعه في كورنثوس ام ان بعضها مكتوب لأتباع في مدن اخرى! وهل قام ذلك الشخص المجهول بتجميع رسائل بولس فقط ام اضاف اليها نصوصاً من مصادر خارجية، ومتى قام الشخص المجهول بالتجميع، وهل كان القائم بالتجميع أميناً في عمله ام قام بإدخال تعديلات عليها بحسب رؤيته وعقيدته؟! الى غيرها من الاسألة المهمة).

ومن المفيد أولاً استعراض الترتيب الزمني لجميع أسفار العهد الجديد وفق التورايخ المذكورة في بعض المصادر المسيحية، وهو يخالف الترتيب التقليدي لأسفار العهد الجديد.

1. رسالة يعقوب. كُتِبَتْ قبل مجمع اورشليم 50م او في الستينات. {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان يعقوب هو فعلاً من كتب هذه الرسالة}[8].

2. رسالة بولس الاولى الى اهل تسالونيكي. كُتِبَتْ 51م.

3. رسالة بولس الثانية الى اهل تسالونيكي. كُتِبَتْ (51-52)م. {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان بولس هو فعلاً من كتب هذه الرسالة}[9].

4. رسالة بولس الى اهل غلاطية. كُتِبَتْ (51-53)م او (53-57)م.

5. رسالة بولس الاولى الى اهل كورنثوس. كُتِبَتْ 55م او 57م.

6. رسالة بولس الثانية الى اهل كورنثوس. كُتِبَتْ 55م او 57م. {يقول بعض علماء المسيحية ان رسالة بولس الثانية الى أهل كورنثوس مركَّبة من عدّة رسائل في وقتٍ ما من قبل شخص مجهول الهوية!!}[10].

 

7. رسالة بولس الى اهل رومية. كُتِبَتْ 57م او 58م.

8. رسالة بطرس الاولى. كُتِبَتْ في الفترة (64-67)م وقيل سنة 60م. {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان بطرس هو فعلاً من كتب هذه الرسالة}[11].

9. رسالة بولس الى اهل فيلبي. كُتِبَتْ (53-55)م او (57-59)م او 61م. وقيل (61-63)م. {يقول بعض علماء المسيحية ان رسالة بولس الى أهل فيلبي هي في الأصل ثلاث رسائل تم تجميعها في وقتٍ ما من قبل شخص مجهول لتصبح رسالة واحدة!!}[12].

 

10. رسالة بولس الى اهل كولوسي. كُتِبَتْ 60م. وقيل (61-63)م. {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان بولس هو فعلاً من كتب هذه الرسالة}[13].

11. رسالة بولس الى اهل افسس. كُتِبَتْ 60م. وقيل (61-63)م. {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان بولس هو فعلاً من كتب هذه الرسالة}[14].

12. رسالة بولس الى فليمون. كُتِبَتْ 60م. وقيل (61-63)م.

13. رسالة بولس الاولى الى تيموثاوس. (63-65)م {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان بولس هو فعلاً من كتب هذه الرسالة}[15].

14. رسالة بولس الى تيطس. كُتِبَتْ (63-65)م. {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان بولس هو فعلاً من كتب هذه الرسالة}[16].

15. رسالة بولس الثانية الى تيموثاوس. كُتِبَتْ (66-67)م {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان بولس هو فعلاً من كتب هذه الرسالة}[17].

16. انجيل مرقس. كُتِبَتْ بين (65-70)م.

17. الرسالة الى العبرانيين. كُتِبَتْ قبل 70م ، وقيل 65م

18. رسالة يهوذا. قيل كُتِبَتْ 65م، أو في العقد السابع او 80م. {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان يهوذا هو فعلاً من كتب هذه الرسالة}[18].

19. انجيل لوقا. كُتِبَتْ (80-90)م او السبعينات من القرن الاول الميلادي.

20. انجيل متى. كُتِبَتْ بين (80-90)م و قيل 50م او الستينات او السبعينات من القرن الاول الميلادي.

21. سفر اعمال الرسل. كُتِبَتْ 80 او 63 او 70م.

22. رسالة بطرس الثانية. كُتِبَتْ بعد العقد التاسع في القرن الاول او (65-68)م. {هناك خلاف بين علماء المسيحية هل ان بطرس هو فعلاً من كتب هذه الرسالة}[19].

23. رسالة يوحنا الثالثة. كُتِبَتْ (85-95)م.

24. رسالة يوحنا الثانية. كُتِبَتْ (85-95)م.

25. رسالة يوحنا الاولى. كُتِبَتْ (85-95)م.

26. انجيل يوحنا. كُتِبَتْ 85م او 95م.

27. رؤيا يوحنا اللاهوتي. كُتِبَتْ 95م. {وقيل انه كان في الاصل جزئان كتبا في وقتين مختلفين ثم دمجا في سفر واحد}.

 

واهم مصادر التواريخ التقديرية لكتابة اسفار العهد الجديد، والتي اعتمدناها في هذا الترتيب هي:

1) الكتاب المقدس، الطبعة اليسوعية.

2) العهد الجديد، المطبعة الكاثوليكية.

3) الكتاب المقدس الدراسي، طبعة كوريا 2011م.

 

إثارات في رسائل بولس:

نتناول الآن الرسائل المنسوبة الى بولس بحسب التسلسل الزمني لكتابتها، وهو تسلسل زمني تقريبي ومحتمل، وضعه رجال الدين المسيحيين من خلال دراستهم لحياة بولس ورسائله. وهذا التسلسل الزمني لرسائله هو:

1. رسالة بولس الاولى الى اتباعه في مدينة تسالونيكي.

2. رسالة بولس الثانية الى اتباعه في مدينة تسالونيكي.

3. رسالة بولس الى اتباعه في مدينة غلاطية.

4. رسالة بولس الاولى الى اتباعه في مدينة كورنثوس.

5. رسالة بولس الثانية الى اتباعه في مدينة كورنثوس.

6. رسالة بولس الى اتباعه في مدينة رومية.

7. رسالة بولس الى اتباعه في مدينة فيلبي.

8. رسالة بولس الى اتباعه في مدينة كولوسي.

9. رسالة بولس الى اتباعه في مدينة أفسس.

10. رسالة بولس الى تلميذه فيلمون.

11. رسالة بولس الاولى الى تلميذه تيموثاوس.

12. رسالة بولس الى تلميذه تيطس.

13. رسالة بولس الثانية الى تلميذه تيموثاوس.

14. الرسالة الى العبرانيين.

 

وفيما يلي استعراض لأبرز الاثارات في هذه الرسالئل.

 

1)) رسالة بولس الاولى الى اتباعه في مدينة تسالونيكي (1تس)

زار بولس مدينة تسالونيكي في رحلته الثانية حوالي (50-52)م. والذي ورد في اعمال الرسل عن اعمال بولس في تسالونيكي نقرأه في (17: 1-10): (فاجتازا في أمفيبوليس وأبولونية، وأتيا إلى تسالونيكي، حيث كان مجمع اليهود. فدخل بولس إليهم حسب عادته، وكان يحاجهم ثلاثة سبوت من الكتب، موضحا ومبينا أنه كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات، وأن: هذا هو المسيح يسوع الذي أنا أنادي لكم به. فاقتنع قوم منهم وانحازوا إلى بولس وسيلا، ومن اليونانيين المتعبدين جمهور كثير، ومن النساء المتقدمات عدد ليس بقليل. فغار اليهود غير المؤمنين واتخذوا رجالا أشرارا من أهل السوق، وتجمعوا وسجسوا المدينة، وقاموا على بيت ياسون طالبين أن يحضروهما إلى الشعب. ولما لم يجدوهما، جروا ياسون وأناسا من الإخوة إلى حكام المدينة صارخين: «إن هؤلاء الذين فتنوا المسكونة حضروا إلى ههنا أيضا. وقد قبلهم ياسون. وهؤلاء كلهم يعملون ضد أحكام قيصر قائلين: إنه يوجد ملك آخر: يسوع!» فأزعجوا الجمع وحكام المدينة إذ سمعوا هذا. فأخذوا كفالة من ياسون ومن الباقين، ثم أطلقوهم. وأما الإخوة فللوقت أرسلوا بولس وسيلا ليلا إلى بيرية).

إذن بولس بقي في تسالونيكي حوالي ثلاثة أسابيع. وكتب بولس رسالتيه الى اهل تسالونيكي في رحلته الثانية بعد ان زار المدينة ثم استمر في رحلته الى أن وصل مدينة كورنثوس فكتب فيها رسالتيه الى اتباعه في تسالونيكي. وهذه الرسالة هي اول رسالة كتبت من رسائل بولس وثاني سِفر من أسفار العهد الجديد بعد رسالة يعقوب!

 

وأهم الاثارات في رسالته الاولى:

· اتباعه التسالونيكيين جميعهم من الوثنيين

قوله في 1تس (9:1) {فاندايك}: (لأنهم هم يخبرون عنا، أي دخول كان لنا إليكم، وكيف رجعتم إلى الله من الأوثان، لتعبدوا الله الحي الحقيقي).

وفي الطبعة[20] الكاثوليكية[21]: (فهم يخبرون كيف جئنا اليكم وكيف اهتديتم الى الله وتركتم الاوثان لتعبدوا الله الحي الحق).

هذا النص يبين ان جميع الذين يخاطبهم بولس من اتباعه في رسالته الاولى هم من الوثنيين، ولم يكن فيهم احد من اليهود المؤمنين بالمسيح. فلم يكن بولس ينجح بجذب اليهود الموحّدين الى عقيدته القائمة على ثنائية (الإله – الرب)!

 

· أصل عقيدة بولس هو أنَّ المسيح رب

قوله في رسالته 1تس (10:1): (وتنتظروا ابنه من السماء، الذي أقامه من الأموات، يسوع، الذي ينقذنا من الغضب الآتي). وهي تتضمن صراحة الكلام عن اعتبار يسوع ابناً للإله. وقد ورد هذا التعبير مرّة واحدة في هذه الرسالة. ولم يرد في الرسالة الثانية الى تسالونيكي! في حين وردت كلمة (الرب) في هذه الرسالة الاولى والتي يعني بها المسيح (18) مرّة، ووردت في الرسالة الثانية الى تسالونيكي (12) مرّة.

فبولس في هاتين الرسالتين وهما من اول ما كتب، كان في بداية دعوته يولي اهتماماً كبيراً لوصف المسيح بالرب، واهتماماً قليلاً لوصفه بالابن!

فأصل عقيدة بولس انَّ المسيح رب لأنه الصادر الاول الذي صدر عن الإله، وهذا الصدور هو بطريقة الفيض، ولذلك يقول بولس عن المسيح أنه (أبن الإله). فالأصل ان المسيح هو الرب خالق كل شيء، ويفسر لأتباعه مصدر ربوبيته بأنَّه "ابن الإله"!

 

 

· الشراكة بين التوحيد والوثنية في عقيدة بولس

لم يتطرق بولس في هذه الرسالة الى موضوع الختان وعدم ضرورة الالتزام بشريعة التوراة لكون المخاطبين بالرسالة هم من الوثنيين. وهذا يعني فشل جهود بولس في اقناع اليهود في تسالونيكي بالايمان بالمسيح وإنما تمكن من إقناع الوثنيين لكونه جاء لهم بدين من نفس نمط دينهم الوثني ولكن بصورة حيّة، اي ان الآلهة التي كانوا يعبدونها ايام وثنيتهم ويتعرفون اليها من خلال قصص قديمة وحكايات وتماثيل، قد جعلها بولس امامهم واقعية بصورة إله غير منظور في السماء وابنه الرب يسوع الذي نزل الى الارض وضحى بنفسه لينقذهم من خطاياهم ثم قام من بين الاموات ورجع بجسده الناسوتي الى عالم الألوهية! فهي عقيدة من نمط ما كانوا يألفونه في القصص اليونانية الوثنية. كما أنَّ لها اصلاً فلسفياً يونانياً متعلق بمصطلح "الصادر الاول"، وهو قول بعض فلاسفة اليونان أنَّ الإله لا يصدر عنه سوى صادر واحد على نحو الفيض، وهذا الصادر الاول هو الذي خلق الكون. وسنتطرق الى تفاصيل هذا الموضوع بعد قليل إنْ شاء الله.

 

 

2)) رسالة بولس الثانية الى اتباعه في مدينة تسالونيكي (2تس)

يقال ان بولس كتبها الى اهل تسالونيكي بعد شهور من رسالته الاولى اليهم، ومن مدينة كورنثوس ايضاً في نفس رحلته الثانية.

 

وأهم الاثارات في هذه الرسالة:

· تغيير في الطبعات الحديثة بين كلمة (تقاليد) وكلمة (تعاليم)

نجد ذلك في موضعين في هذه الرسالة، الاول في (15:2)، والثاني في (6:3).

ففي 2تس (15:2) طبعة ترجمة فاندايك: (فاثبتوا إذا أيها الإخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا).

وفي الطبعة اليسوعية: (وتمسَّكوا بالتقالِيد التي تعلَّمتموها امّا بكلامنا وإما برسالتنا)[22].

 

وفي 2تس (6:3) نقرأ في ترجمة الفاندايك: (وليس حسب التعليم الذي أخذه منا)! فهذه الطبعة البروتستانتية كتبت الكلمة (التعليم) في حين ان الاصل اليوناني يعني كلمة (التقليد)! وسبب تغييرهم لمعنى هذه الكلمة هو ان البروتستانت لا يؤمنون بالتقليد المسيحي، وهو عادة تقليد شفوي في القرون الاولى تم تدوينه فيما بعد من قبل المؤرخين ورجال الدين المسيحيين!

نقرأ نفس النص في ترجمة الآباء الدومينيكان الكاثوليكية: (ثم إننا نوصيكم يا اخوة بأسم ربّنا يسوع المسيح أَن تجانبوا كل أخ يسير خلاف الترتيب، ولا حسب التقليد الذي تسلَّموه عنَّا).

وفي الطبعة اليسوعية الكاثوليكية: (بغير مقتضى التقليد الذي تسلموه منّا).

 

وفي الحواشي على الطبعة اليسوعية نقرأ التعليق التالي على هذه العبارة: (قد صرح الرسول هنا بذكر أشياء علّمهم اياها بالكلام الشفاهي واوصاهم بأن يتمسكوا بها. وفي ذلك برهان قاطع على ان الرسل لم يدوّنوا كل ما علّموا واوصوا بحفظه وعلى هذا درج الآباء الاولون وصرَّحوا به في كلامهم كالقديس باسيليوس الذي يقول ان من الوصايا الرسولية ان يُتمسك بالتقاليد الغير المدونة كم قال بولس اني امدحكم ايها الاخوة لأنّكم ... تحافظون على التقاليد كما سلمّتها اليكم (1كورنتس 2:11). وكقوله تمسكوا بالتقاليد الخ واورد هذا الموضع. وكذلك القديس يوحنا الذهبي الفم فإنّه يقول في تفسير الآية التي نحن في صددها ما ترجمته: قد تبيّن من ههنا انّ الرسل لم يعلّموا كل شيء في رسائلهم وانهم علّموا اشياء كثيرة لم يكتبوها لكن ينبغي لنا ان نصدّق الامور الغير المدوّنة كما نصدّق الامور المدوّنة. وقال القديس يوحنا الدمشقي قد علمنا مما كتبه بولس ان الرسل سلّموا الى المؤمنين أشياء كثيرة بغير كتابة فلذلك ايها الاخوة تمسّكوا بالتقاليد الخ فوضح من ذلك كلّه ومن مواضع اخرى في نصوص الاسفار الالهية ان الرسل قد علّموا اشياء جمّة لم يسطروها بالقلم والمداد وامروا المؤمنين بالتمسُّك بها كما امروهم بالتمسُّك بالأشياء المكتوبة من غير أدنى تمييز وان الكنيسة قديماً والآباء القديسين كلهم قد جروا على ذلك بلا خلاف).

 

وفي طبعة الدومينيكان نقرأ النص في 2تس(15:2): (وتمسَّكوا بالتقالِيد التي تعلَّمتموها منّا سواء كان مشافهةً أم برسالتنا).

وفي هامش هذه الطبعة نقرأ: (ترى من هذا انه يجب التمسّك بتقاليد الرسل ولو كانت غير مكتوبة في الكتاب المقدس).

 

وجاء في الكتاب المقدس الدراسي في التعليق على 2تس (15:2): ("بالتعاليم" حرفياً "تقاليد". حتى وقت كتابة العهد الجديد كان التعليم المسيحي ينتقل بواسطة "التقليد" (الروايات المنقولة)، مثلما كان الحال مع شريعة الربانيين (انظر مت 2:15 والتعليق)، إما بصورة شفاهية أو كتابية. في 1كو 3:15 (انظر التعليق هناك) يستخدم بولس الرسول المصطلحات الفنية في الاشارة الى استلام وتسليم التقليد)[23].

والتعليق الذي اشاروا إليه في (1كو 3:15) هو التالي: (أني سلمتكم، في أول الأمر، ما كنت قد تسلمته. هنا يربط بولس الرسول نفسه بالتقليد المسيحي المبكر. لم يكن هو الذي أنشأ هذا التقليد، كما انه لم يستلمه مباشرة من الرب، بل كان مصدره من مسيحيين آخرين. والأفعال التي التي استخدمها هي مصطلحات فنية تشير الى استلام وتناقل التقليد (انظر التعليق على 23:11) وما يلي هو قلب الانجيل: ان المسيح مات لأجل خطايانا)[24] إلخ...

وفي التعليق على (1كورنثوس 23:11) نقرأ: (فإني قد تسلمت من الرب. لا يعني بولس الرسول بالضرورة أنّه تلقى رسالة العشاء الرباني من المسيح مباشرة، بل قد تكون المعلومات قد وصلت إليه من آخرين كانوا قد سمعوها من الرب يسوع المسيح)[25].

وفي (1كورنثوس 10:7): (فأوصيهم لا من عندي بل من عند الرب. يستشهد بولس الرسول بوصية من الرب يسوع المسيح، نطق بها في أثناء خدمته على الأرض، تقول بأن الزوجين عليهما أن يبقيا معاً (مت 32:5 ، 19: 3-9 ، مر 10: 2-12 ، لو 18:16). لعل بولس الرسول قد سمع عن هذه الوصية من التلاميذ الآخرين)[26].

 

وهكذا تلاحظون ان طبعة الفاندايك البروتستانتية كتبت الكلمة (التعاليم) في حين ان الاصل اليوناني يعني كلمة (التقاليد)! وسبب تغييرهم لمعنى هذه الكلمة هو ان البروتستانت لا يؤمنون بالتقليد المسيحي، وهو عادة تقليد شفوي في القرون الاولى تم تدوينه فيما بعد من قبل المؤرخين ورجال الدين المسيحيين، ويتمسك الكاثوليك والارثوذكس (بشقَّيهم الشرقي والمشرقي) بالعمل به!

فكيف نأمن البروتستانت على صحّة ترجمة الكتاب المقدس وهم يغيّرون كلماته بما يناسب آرائهم واهوائهم؟! وهل ان بقية المسيحيين هم امناء على ترجمات الكتاب المقدس اذا تعارضت الترجمات مع مصالحهم واهوائهم؟!

 

واما ما جاء في بعض المصادر المسيحية التي ذكرناها آنفاً من أنَّ: (لم يكن هو الذي أنشأ هذا التقليد، كما انه لم يستلمه مباشرة من الرب، بل كان مصدره من مسيحيين آخرين)!! كما نقلناه من "الكتاب المقدس الدراسي" فهو وهم من عندهم لأنه يخالف كلام بولس نفسه الذي يُعتبر المؤسس للتقليد المسيحي بل وللمسيحية كلِّها. وعبارة بولس في (1كورنثوس23:11): (لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً)، نقلنا آنفاً كيف إنّهم في "الكتاب المقدس الدراسي" يقولون (لا يعني بولس الرسول بالضرورة أنّه تلقى رسالة العشاء الرباني من المسيح مباشرة، بل قد تكون المعلومات قد وصلت إليه من آخرين كانوا قد سمعوها من الرب يسوع المسيح)[27]!! وهو رأي مخالف بوضوح لصريح كلام بولس ومقصده. بل ويناقضون كلامهم في نفس المصدر حيث نجدهم في "الكتاب المقدس الدراسي" نفسه في تعليقهم على رسالة رومية (25:16) قول بولس: (وفقاً لأنجيلي وللبشارة بيسوع المسيح)، كتبوا: (لأنجيلي. ليس المقصود إنجيلاً غير الذي بشر به الآخرون، بل ذلك الذي تسلمه بولس الرسول بإعلان مباشر. انظر غل12:1). و(غل12:1) الذي اشاروا اليه هو قول بولس في رسالته الى اتباعه في غلاطية (1: 11و12): (وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به، أنه ليس بحسب إنسان. لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته. بل بإعلان يسوع المسيح). وهو نص واضح وصريح بأنَّ بولس لم يأخذ تقليده من مسيحيين آخرين، لا من تلاميذ المسيح ولا من غيرهم من اليهود المؤمنين بالمسيح في الجيل الاول بعد المسيح، بل هو يقول أنَّه تلقّى اعلانه وبشارته وإنجيله مباشرة من المسيح. فالتقليد المسيحي الذي جاء عن طريق بولس لم يتعلمه من تلاميذ المسيح ولا من اليهود المؤمنين بالمسيح والمعاصرين له. إنما هؤلاء المسيحيّون في "الكتاب المقدس الدراسي" يريدون بعبارتهم الموهومة تلك ان يدفعوا عن بولس شبهة تأسيسه للمسيحية بإنتهاء التقليد إليه!! ولكن أنّى لهم ذلك!!

 

ولا بدَّ وقد تحدثنا عن مفردة (التقليد) في المسيحية ان نسلّط عليها المزيد من الضوء بالرجوع الى نصوص الطوائف المسيحية، بما يوضح طبيعة اختلاف موقف الطوائف المسيحية منها.

 

 

أهمية التقليد في الفكر المسيحي:

ويمثل هذا المحور المسيحية الكاثوليكية والمسيحية الآرثوذكس الشرقية والمشرقية، حيث يتبنيان التقليد كمصدر اعلى في الفكر المسيحي!

يعرِّف جون ادوارد: (التّقليد (παραδοσισ) هو كل تعليم مرئي و مسموع و حيّ تسلّمته الكنيسة من الرسل القدّيسين، ليس مجرّد آراء أو أفكار بل عمل الرّوح القدس في رجال الله القدّيسين. لهذا لم يتهاون القدّيس بولس مع كاسر التعليم المسلّم للكنيسة، و بدوره الكهنوتيّ و واجبه الرعويّ يحذّر كنيسة تسالونيكي أربع مرّات بخصوص الذين هم بلا ترتيب)[28]، اشارة الى ما ورد في المواضع التالية:

· (1تس 5 : 14): (ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس. أسندوا الضعفاء. تأنوا على الجميع).

· (2تس 3 : 6) (ثم نوصيكم أيها الإخوة، باسم ربنا يسوع المسيح، أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب، وليس حسب التعليم الذي أخذه منا).

· (2تس 3 : 7): (إذ أنتم تعرفون كيف يجب أن يتمثل بنا، لأننا لم نسلك بلا ترتيب بينكم).

· (2تس 3 : 11): (أننا نسمع أن قوما يسلكون بينكم بلا ترتيب، لا يشتغلون شيئا بل هم فضوليون).

ويقول الأنبا غريغوريوس: (التقليد في الاصطلاح الكنسي هو تعاليم الكنيسة وترتيباتها ونظم عبادتها وطقوسها التي وصلت إلينا غير مذكورة في الكتاب المقدس. بل سُلّمت إلينا من جيل الى جيل إبتداء من الرسل الأطهار وآباء الكنيسة في الأجيال المسيحية الأولى، إما عن طريق الكتابة أو عن طريق الكلام أو عن طريق الاستعمال. غير أننا لا نعتمد اليوم على تقليد شفاهي بل هذه التقاليد مسطورة الان ومكتوبة في كتب الكنيسة المقدسة)[29].

 

وكتب الأب متى المسكين: (حيثما يُذكر التقليد، نذكر في الحال جماعة الآباء الأوائل الذين عاشوا في التقليد الرسولي بلمساته الأولى الحية وأحبوه وعشقوه واغتنوا به، وطبعوه على قلب الكنيسة التي حملته الينا بحيويته الأولى مع نفثات عطرة من كل قطر وكل بلد من بلاد العالم. فالقديس إيرينيئوس من فرنسا وهيبوليتس من الاسكندرية وإيطاليا، وترتليان من أفريقيا، والقديس أثناسيوس من مصر، والقديس كيرلس من اورشليم، والقديس باسيليوس من قيصرية، والقديس يوحنا ذهبي الفم من القسطنطينية، هؤلاء وغيرهم جعلوا التقليد الكنسي زاخراً بشتى أنواع المواهب التي أفاضها الروح القدس عليهم)، ثم نقل مقولة القديس إيرينيئوس: (وإذا لم يكن الرسل قد تركوا لنا كتاباتهم، ألم نكن مضطرين أن نعتمد على التعاليم التي في التقليد كما سلموها للذين وُضعت الكنائس في عنايتهم)[30].

 

والمسيحيات الكاثوليكية والآرثوذكسيتان يعطون قيمة عليا للتقاليد المسيحية التي نقلت شفاهاً ثم دوّنت بعد ذلك، ويعتبرونها المرجع الاعلى للمسيحية وللكتاب المقدس، فما وافقها وافقوه وما اختلف عنها خالفوه!!

يقول أوريجانس: (لا يُعتبر أي امر أنه حق الا إذا كان لا يتناقض قط مع التقليد الكنسي الرسولي)[31].

ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: (وعلينا أن نعتبر جداً هذا التقليد الذي هو تعليم وإيمان الكنيسة الجامعة الذي اعطاه الرب منذ البدء، وكرّز به الرسل، وحفظه الآباء، والذي عليه تأسست الكنيسة وقامت)[32].

ويقول القديس أغسطينوس: (أنا لا أؤمن بالإنجيل إلا كما يوجهني سلطان الكنيسة)[33].

ويقول القديس فانسان من ليرين: (وهنا ربما يسال إنسان: إن كان الأسفار المقدسة قد تحددت قانونياً وهي كاملة وكافية في ذاتها لكل شيء بل وأكثر من كافية أيضاً، فما الحاجة أن نضيف إليها سلطان الكنيسة من جهة تفسيرها؟ والرد على ذلك هو أنه بسبب عمق الأسفار المقدسة صار مستحيلاً أن يفهمها الجميع أو يقبلوها بمعنى واحد، فواحد يفهم الكلمات بطريقة، والآخر بطريقة أخرى، حتى بدت وكأنها قابلة لأن تُشرح بطرق تساوي عدد الشُرّاح أنفسهم. فنوفاتيان (المبتدع) يشرحها بطريقة، وسابيليوس رفيقه بطريقة أخرى، وهكذا دوناتوس وىريوس وإينوميوس ومقدونيوس وفوتينوس وأبوليناريوس وبريسكليان وإيفونيان وبيلاجيوس وسيلستيوس واخيراً نسطوريوس، لهذا أصبح من الضرورة المحتّمة بسبب هذه الإنحرافات المشوشة الخطيرة أن يُفرض قانون يحدد شرح وفهم الأنبياء والرسل في إطار التفسيرات الكنسية الأصيلة الجامعة. على أن تتخذ كافة الإحتياطات لأن نتمسك بالإيمان الذي ساد على مدى الزمن وقَبِله الجميع في كل مكان، فهذا حقاً هو الإيمان "الكنسي الجامع" بالمعنى الدقيق)[34].

 

وقال آباء مجمع أفسس الثاني 449م: (إذا وضع أي أحد إيمان الآباء جانباً ليكن أناثيما (محروماً)، وإذا تطفل أي أحد عليه فليكن اناثيما. ونحن سوف نحفظ إيمان الآباء)[35].

 

وأهم المصادر المعبّرة عن التقليد المسيحي والمتولدة عنه[36]:

1) أسفار العهد الجديد. وهي (27) سفراً، ولولا التقليد المسيحي لما تم الاتفاق بين الكنائس على هذه الاسفار بعينها ونبذ أسفار اخرى عديدة.

 

2) الليتورجيا وكتب الخدم الطقسية: نستطيع أن نجد في صلوات الليتورجيا في كل أسرارها، وصلوات التدشين، واللقانات، وصلاة على المنتقلين، نجد تعليم الكنيسة وإيمانها، فالليتورجيا تجمع النموذج والهدف معاً، لأنها تحمل العديد من الحقائق اللاهوتية والعقائد، ومن الفهم الكنسيّ السليم الذي أودعته الكنيسة في صلواتها وفي ليتورجياتها، فالطقوس هي حياة الكنيسة العملية، كالألحان الكنسيّة، والتسبحة التي تشرح العقيدة والروحانية، والطقس بصورة شعر ليتورجي.

 

3) المجامع المسكونية: للمجامع المسكونية الدور الأكثر أهمية، لأنها تمثّل صوت الكنيسة الناطق وسلطتها العليا المعبّرة عن تعليمها العقائدية، وهم يعتقدون بأنَّ آباء المجامع أُعطوا السلطان من قبل الروح القدس العامل في المجامع[37]، أن يقرروا وفقاً لما تسلموه من الآباء الذين سبقوهم، والنموذج الكتابي الواضح هو مجمع أورشليم، ففي المجامع حُدّدت قوانين الإيمان، كما حُددت أمور أخرى مثل قوانين الكنيسة وطقوسها…. كان السبب الغالب لانعقاد مجمع هي الهرطقات، لذا نجد في المجامع توضيح أوسع للعقائد بالاستناد الى التقليد.

 

4) قوانين الإيمان: وهي شروحات قديمة مختصرة للإيمان مبنية على أساس كتابات "الرسل" وتقليدهم، وكانت تُستعمل في الكنائس الأولى من أجل التعليم أو حين المعمودية، وقد كان لكل كنيسة محلية في البداية قانون خاص، والاختلاف بين هذه القوانين في الشكل لا في المضمون، ثم بدأت هذه الدساتير تأخذ بالتدريج شكلاً واحداً إلى أن تحدّد دستور إيمان واحد لكل الكنائس في المجمعين المسكونين الأول عام 325م والثاني عام 381م.

 

5) قوانين الكنيسة: تشمل قوانين الآباء الرسل وتعاليمهم وقوانين المجامع المسكونية والمجامع الإقليمية أو المكانية المقبولة في الكنيسة… كذلك قوانين الآباء الكبار معلمي البيعة.

 

6) الآباء الشهداء والقديسين: آباء الكنيسة هم مصدر هام للتقليد الكنسيّ، إذ فكتابات الآباء القديسين: وهي تراث ضخم ومتنوع وذات قيمة روحية عالية، كتبه عدد من آباء الكنيسة مستنيرين بعمل الروح القدس عبر مختلف عصورها، كما أن حياة الآباء القديسين نموذج للإيمان العملي المشخصن فيهم. وجاء في الرسالة الى العبرانيين (7:13): (اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم). لذا يُعتبر تاريخ الكنيسة هو الذي حوى سير الآباء، كما شمل تاريخ العقائد المضادّة التي يسمونها (الهرطقات) والمجامع وبالتالي صياغة العقائد.

 

وأشهر كتابات الآباء في التقليد: علم الباترولوجي في أصله كما نعلم لم يُكتب لكن تسلمه الأبناء من آبائهم؛ وانتقل هكذا شفاهاً، وبالتالي يعتبر علم الباترولوجي فرعاً من التقليد المسلم من الآباء، ومن كتابات الآباء التي تسلمناها كثير منها ما يخص التقليد ومن أمثلة ذلك ما يلي:

أ) كتابات بابياس أسقف هيرابوليس (آسيا الصغرى 130م): الذي عاش في أواخر القرن الأول الميلادي (كان عمره 30 عاماً في نهاية القرن الأول)، تقبل الإيمان بالتسليم من شهود عيان، ويعتبر أن ما تسلمه من الشيوخ هو ثقة وحق، حيث يقول عن شرح أقوال الرب “لا أتردد أن أضيف إلى تفاسيري كل الأمور المسلمة من الشيوخ، فإني أعرفهم جيداً وأتذكرهم حسناً وأثق في الحق الذي لهم، لا أسر بالذين يتكلمون كثيراً بل بالذين يُعلّمون الحق، وإنني أظن أني لم أعتمد كثيراً على الكتب بل على المنطوقات النابعة عن الصوت الحيّ والذي يبقى حياً”.

ب‌) كتابات القديس إيريناؤس (140-202م): الذي عاش في القرن الثاني وسجل ما تسلمه بالتقليد، حيث يقول “لم أزل أتذكر أحداث تلك الأيام بوضوح أكثر مما يتذكره المحدثون، لأن الأمور التي نتعلمها في الطفولة تنمو مع النفس، فإن أستطيع أن أصف حتى المكان الذي جلس فيه بوليكاريوس، وأصف خروجه ودخوله وطريقة حياته وملامحه الشخصية والمقالات التي وعظ بها الشعب، وكيفية مناقشته مع يوحنا الإنجيلي”.فإيريناؤس عاش مع بوليكاريوس تلميذ يوحنا الحبيب ويصف أدق التفاصيل في حياته ودخوله وخروجه وكيفية معيشته.

جـ) كتابات يوستين الشهيد (100-165م): من مدافعي القرن الثاني ولقد وصف لنا وصفاً كاملاً للإفخارستيا الخاصة بخدمة يوم الأحد العادية، وعرّف الإفخارستيا بأنها (تلك الذبيحة التي تنباً عنها ملاخي، وأنه لا مجال بعد لتقديم ذبائح دموية؛ فالإفخارستيا هي الذبيحة التي طال الاشتياق إليها، إذ الذبيح هو اللوغوس نفسه)، كما استخدم يوستين مصطلحات كنسية فذكر الشمامسة والإفخارستيا ورئيس الإخوة والميلاد الجديد، وقد وصف صلوات تقديس الإفخارستيا:

ـ قبلة السلام “كإعداد لتقديس الإفخارستيا”.

ـ ليتورجيا الكلمة “قراءة العهدين القديم والجديد والعظة”.

ـ الصلوات الإفخارستية “صلوات الشكر”، كما أنه كتب لنا تفاصيل الليتورجيا.

د‌) كتابات القديس أغناطيوس الشهيد أسقف أنطاكية (99م): كتب القديس أغناطيوس رسائله عن الكنيسة والإفخارستيا وأهمية هذا السرّ، وعن الجسد الذي هو الرب يسوع المسيح المصلوب القائم من الأموات، والخبز المقدس دواء وترياق للموت الروحيّ كما يقول (لا يمكن تقديس الإفخارستيا بدون أسقف أو كاهن يعهد إليه الأسقف بذلك).

هـ) الكتابات الرسوليّة:

أ‌- الديداكية: يرجع كتاب الديداكية بين عام (100-150م) وهي تضم تعاليم الليتورجيا وإرشادات نظامية.

ب‌- الدسقولية: وُضعت باليونانية بعد قوانين الرسل حيث جاء في مقدمتها “وكنا قد قررنا قوانين ووضعناها في الكنيسة”، كذلك كُتبت بعد استشهاد القديس يعقوب الرسول حيق ذُكر استشهاده فيها، وتتميز الدسقولية بطابعها التعليمي وبها استدلالات من الكتاب المقدس بعهديه وحوادث منه، وبها أبواب تقترب إلى العظات، ففيها عظة عن التوبة وعظة عن قراءة الكتاب المقدس، كذلك تستشهد بالأسفار التي حذفها البروتستانت، ففيها إشارة إلى قصة سوسنة “باب 8″، وإشارة إلى سفر باروخ، ثم يهوديت، صلاة منسى الملك، وهي توضح الحياة الكنسية في القرن الثالث وملامح السلوك المسيحي وواجبات الأسقف وعمله، الشماسية، خدمة الأرامل والأيتام، بعض القوانين التي وضعها الرسل.

 

7) الآثار المسيحية: ونقصد بها الأعمال الفنية القديمة المعبّرة عن تقليد الكنيسة من عمارة وموسيقى وأيقونات …إلخ. العمارة مثلاً تُعطينا فكرة عقائدية: مثل أن تكون المعمودية في الجزء البحريّ الغربيّ من الكنيسة… كما أن وجود جرن المعمودية الذي يرجع للقرون الأولى هو دليل على أن المعمودية بالتغطيس …. إلخ. كذلك الأيقونة التي لا نستطيع أن نفصلها عن العقيدة وعن التاريخ، فالأيقونة ليست مجرد رسم ديني هدفه إيقاظ المشاعر، وإنما هي سبيل من السبل التي يُعلن بها الله للإنسان، فالأيقونات تشكل جزءاً من التراث التقليدي، فرسّامها ليس حراً في إجراء الاقتباس أو التجديد الذي يحلو له؛ لأنه يجب أن يعكس عمله روح الكنسية وليس أحاسيسه الجمالية الشخصية، فالإلهام الفنيّ ليس مستبعداً، بل يجب تطبيقه ضمن حدود بعض القواعد المرعية، فمن المهم أن يكون رسام الأيقونات فناناً جيداً، ولكن أهم من ذلك أن يكون مسيحياً مخلصاً، يحيا في روح التقليد، ويُعد نفسه لعمله من طريق الاعتراف والمناولة، لابد للفنان أن يلم بلاهوت الأيقونة، وتاريخ الكنيسة وطقوسها.

 

 

ثورة البروتستانت على التقليد:

وفي الجهة المقابلة نجد لوثر واتباعه البروتستانت الثائرين على بعض أفعال البابوات، وحيث ان اولئك البابوات لم يتمكنوا ان يبرروا أفعالهم من خلال الكتاب المقدس بل استندوا غالباً الى التقليد المسيحي، فقد هاجم البروتستانت التقليد وتبرؤوا منه ورفضوه، وتمسكوا بالكتاب المقدس وحده الذي لم يتمكن البابوات من الاستناد اليه في الدفاع عن افعالهم. فوقع البروتستانت في فخ التناقض! فهم من جهة يرفضون التقليد ومن جهة يتمسكون بالكتاب المقدس بينما الكتاب المقدس هو أيضاً من افرازات التقليد المسيحي في القرون الاولى! ونفس الشيء بالنسبة الى قانون الايمان الذي يؤمن به البروتشتانت فهو ايضاً من انتاج التقليد المسيحي والمجامع المسيحية، فكيف يتبنون قانون الايمان والذي يرفضون طريقة انتاجه وما يستند إليه!!

 

وفيما يلي ننقل وجهة نظر البروتستانت في رفضهم للتقاليد المسيحية الشفوية (التي كُتِبَت فيما بعد)، حيث كتب احد رجال الدين المسيحيين البروتستانت شارحاً موقفهم من التقاليد: (ان عدم اتفاق الجميع في التقليدات هو من جملة البراهين على كذب دعواها. وحضرتكم تسالون كيف يصحُّ الاستدلال على كذب دعوى التقليدات من عدم الاتفاق عليها واختلاف الكنايس فيها! ونحن نجيبكم ان الذي يمعن النظر جيداً في هذا الامر يمكنه ان يستدل على ذلك من دون صعوبة، لانه لما كانت التقليدات المختلف فيها لا توجد راساً في الكتب المقدسة كانت معرفة صحيحها من فاسدها موكولةً بالتمام الى مطالعة كتب التواريخ المختلفة الواصلة الينا التي ربما قدرنا بواسطتها ان نعرف اصل هذه التقليدات وكيفية وضعها وزمانه ومكانه ومن هو الواضع وكيف وصلت الى ما وصلت اليهِ من القوة والامتداد وهلمَّ جرَّا من الظروف التي يحتاج من يفحص عن صحة التقليدات الى معرفتها لكي يمكنه ان يميّز ما كان منها صحيحاً واجباً فيعتقد به او غير صحيح فيرفضه. ولا ريب انكم بذلك تكونون قد سلَّمتم زمام الحكم على صحيح التقليد وفاسده الى روية المطالع الخصوصية، وهذا من اعظم ما تنكرونه، وتكونون ايضاً قد نزَّلتم الكتب التاريخية في تعليم الناس ووقايتهم من الضلال منزلة الكتب المقدسة نفسها كانها اناجيل عديدة مختلفة متممّة للانجيل الواصل الينا الذي تدَّعون بعدم كفايتهِ وحدهُ لارشادنا في الايمان والعمل، وهذا مناف لكلامه تعالى. هذا مع ما نراه من الاختلافات بين المؤرخين واضطرارنا الى عدم تصديقهم في كل ما يقولونه بما انهم بشر غير معصومين نظيرنا وربما كانوا اشقيآءَ ما يلين الى التعويج، فضلاً عن انه لا يوجد نص إلهي ولا قانون كنايسي يامرنا بتصديق ما نقلوه كموحىً بهِ من الله او ضروري للخلاص. واذا كنتم ايها الحبيب لا تسلمون بنتيجة الخواجا ميخائيل مشاقة[38] فيلزمكم ان تسلموا بالوفٍ من الكتب كضرورية للخلاص ومعصومة من الغلط نظير الكتب المقدسة نفسها. لنهُ يجب علينا ان نعرف صحيح التقليد من فاسده وهذا كما تقدم لا يمكن الا بواسطة هذه الكتب. وكل ما لا يتمُّ الواجب الا به فهو واجب كوجوبهِ. فتكون النتيجة ان مطالعة هذه التواريخ واجبة كوجوب الكتب المقدسة وهذا مما لا يسلم به احد. لأننا لا نقدر ان نزيد على عدد الانبياء او الرسل ولا ان نؤمن بكل روح الا ما كان من الله. وزِدْ على ذلك انهُ اذا لم يكن للخواجا ميخائيل مشاقة ولا لنا سبيل الى التمييز بين صحيح التقليد وفاسده الا اقوال المؤرخين وكان ذلك من الواجبات الضرورية فانهُ يجب على حضرتكم اولاً ان تحكموا على الجميع بمطالعتها ككتب ضرورية ومتممة للوازم الخلاص كما تحكمون بقرآة الكتب المقدسة. ثانياً ان تحكموا بصحتها حكماً قاطعاً قانونياً لا ريب فيه. ثالثاً ان تفرزوا ما كان منها غير واجبٍ تصديقهُ او ما لا يعنيكم رفضهُ ولا قبولهُ. رابعاً ان تفهموهم كم يجب ان يصدقوا منها والى اي صفحةٍ من التاريخ يقدرون ان يصدقوا ولا يؤلموكم. خامساً ان تبينوا لهم كيف يجب ان يقرأوا هذه التواريخ بروح التَقوَى والايمان من دون ارتيابٍ كأنهم يقرأون كتاب الله نفسهُ. سادساً ان ترشدوهم الى المورخين الذين يجب ان يلتجيئُوا اليهم. وهنا ننصحكم ان تحذّروهم من مطالعة كتب مؤرخي اللاتينيين او غيرهم من الخارجين عن كنيستكم، لان مورخي هولآءِ لا يتفقون مع مورخي السنكسار وبستان الرهبان المقبولَين عندكم اللذين ربما كنتم انتم لا تثقون باخبارهما. ومع ذلك ايها الحبيب ما ابعد آرآءكم عمَّا نقلهُ المورخون الاقدمون وبعض الابآء المعتبرين. اما نحن فلا نعلق ايماننا ورجآءَ خلاصنا على كلام الناس او اقوال المورخين نظيركم ولهذا لا نحتاج اليهم لاجل اثبات تعاليمنا ومعتقداتنا، ولا ناتي بذكر شيء من اقوالهم الا لاجل مجرد الشهادة التي لا يكون منها فايدة زايدة على ما قد قيل في متى ومرقس وغيرهما من الانجيلية والرسل. اما المجامع فالباين انكم لم تتركوا لنا محلاً للايمان بعصمتها من الغلط لاننا نرى انكم تشكُّون بمعظمها واقدمها كالتي حرَّمت تقديم السجود للايقونات. فان كنتم انتم مع اعتقادكم بالعصمة الجمعية تنكرونها على البعض منها فكيف يمكننا نحن ان نتحقق عصمة البعض الآخر مع ان ما تنكرون عصمتهُ اقرب عهداً الى المسيح واعلم بصحة التقليدات المزعومة منكم. ومعلوم حضرتكم ان هذا الخلاف مما يوفع المجامع كافةً تحت الشبهة والريب فلا يبقى لنا سبيل الى تصديق شيء منها او الاستناد عليهِ)[39].

 

ويرد احد رجال الدين الآرثوذكس، وهو الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة، على موقف البروتستانت من التقليد فيقول: (فالذين رفضوا التراث الآبائي، وبدأوا من جديد، كونوا لأنفسهم تراثًا جديدًا خاصًا بهم، ولكنه لا ينتمي في جذره للآباء الأولين فما رفضوه، وما أنكروه على الكنيسة الأرثوذكسية قاموا به بعينه ولكن مبتدئين من أنفسهم. اليوم يوجد تراث بروتستانتي يرجع إلى القرن الـ16 منذ مارتن لوثر وكالفن وغيرهما... وصارت لهم تفاسير لمشاهير الوعاظ خاصة بهم، كمثلما نرجع نحن إلى تفاسير الآباء الأولين، ولهم نمط مميز في الحياة والخدمة والاجتماعات يميزهم، كمثلما لنا طقس ونظام وصلاة يميزنا كأرثوذكس... حتى أنك بسهولة تكتشف أن هذا الواعظ أو هذا الاجتماع بروتستانتي أو أرثوذكسي... لأنهم أيضًا لهم تراث، ورصيد فكرى، ومنهج تفسير خاص بهم، كما يوجد عندنا تمامًا. فلماذا يرفض المنهج الأرثوذكسي؟ ولماذا ينكر على الأرثوذكس حقهم في أن يكون لهم هوية خاصة، ومنهج خاص، وتفسير خاص؟ علمًا بأن هذا المنهج والهوية والتفسير يستمدون أصولهم من الآباء الرسل، وآباء الكنيسة بطول التاريخ. والذين يرفضون التمسك بالعقيدة، وينادون باللاطائفية قد اخترعوا لأنفسهم عقيدة خاصة هي اللاطائفية.. وفي الحقيقة الأمر عندما يجتمعون يسلكون بالطقس البروتستانتي، من حيث الترنيم والوعظ والصلاة... فكيف يكونون لا طائفيين؟ إنها طائفة أخرى بروتستانتية.. فلماذا تغطية الحقائق؟)[40].

 

 

وكتب المفكر المسيحي حلمي القمص يعقوب: (ونستطيع أن نقول إن الفكر البروتستانتي بنى على مبدأ خطير وهو "مسيحية بلا كنيسة " وتبنى البروتستانت مبدأ "الكتاب المقدَّس وحده " Sola Scriptura، وكانت نتيجة هذا المبدأ الخطير الهدام أن تعددت التفاسير والمفاهيم والانقسامات، وبالتالي تعددت الطوائف البروتستانتية، فيقول الأب جون واتيفورد Fr. John Whiteford وهو خادم بروتستانتي سابق "إذا كانت البروتستانتية ومبدأها الأساسي عن Sola Scriptura هي من الله، فلماذا تسببت في أكثر من 20000 عشرين ألف طائفة مختلفة لا تستطيع أن تتفق على المبادئ الأساسية التي في الكتاب المقدَّس، ولا حتى على معنى كلمة "مسيحي "؟ إذا كان الكتاب المقدَّس وحده يكفى ولا حاجة إلى التقليد فلماذا يزعم "المعمدانيون " و"شهود يهوه " و"الكاريزماتيكيين " و"الميثودست" إنهم يؤمنون بما يقوله الكتاب المقدَّس ولكن لا تستطيع طائفتان منهم الاتفاق على ما يقوله الكتاب المقدَّس؟)[41]!

ومما تقدم نجد ان الكاثوليك يجعلون التقليد هو القيّم والمرجع الاعلى لكل الإيمان وللكتاب المقدس! وحافظوا على قدسية التقليد من الانهيار أمام العقل والمنطق والفطرة الانسانية بان قالوا ان الايمان يكون وفقاً للتقليد اولاً ثم ياتي العقل والفطرة بالمرتبة التالية! وبذلك وقعوا في مأزق أنهم بذلك يجعلون كتباً غير مقدسة في مرتبة اعلى من الكتاب المقدس وتكون مرجعية حاكمة عليه!! ويجعلون مؤلفين غير ملهمين هم الآباء المؤسسون في مرتبة اعلى من مرتبة كتبة أسفار الكتاب المقدس، وهذه سفسطة واضحة!!

أما البروتستانت فقد رفضوا التقليد وتمسكوا بالكتاب المقدس وحده وهم يظنون بذلك انهم خرجوا من ازمة وجود مرجع غير مقدس للكتاب المقدس وحاكم عليه! فوقعوا في ازمة جديدة وهي ان قانون الايمان الذي يؤمنون به إنما جاء عن طريق التقليد وان اختيار أسفار الكتاب المقدس بعهده الجديد إنما جاء عن طريق التقليد! فكيف يعترفون بصحة النتيجة ويرفضون صحة الوسيلة التي انتجتها!! هذه سفسطة أخرى! وكذلك فهم حينما يواجهون التناقض في أسفار العهد الجديد لن يتمكنوا من الاستناد الى التقليد في إثبات الإيمان رغم التناقضات!

  • مع التقليد أو بدونه لا تخلو من السفسطة والانهيار امام متطلبات العقل البديهي والمنطق.

 

اختلاف الكاثوليك والآرثوذكس في التقليد:

ورغم ان الكاثوليك والآرثوذكس (الشرقيين والمشرقيين) يقبلون بمرجعية التقليد للكتاب المقدس وللمسيحية كلّها، بخلاف البروتستانت الذين يرفضون ذلك، كما بيّناه آنفاً، إلا أنَّ الخلاف قائم بين الكاثوليك والآرثوذكس على أصالة التقليد، وأياً مما ينسبونه للتقليد هو من التقليد فعلاً.

فمن الأمور التي يؤمن بها الكاثوليك (واغلبها تبعاً، بطبيعة الحال، للتقليد) ولا يؤمن بها الآرثوذكس هي التالي، ننقلها من احد المواقع المسيحية الآرثوذكسية[42]:

1. أن الروح القدس منبثق من الأب والابن Filioque: والآرثوذكس يؤمنون بانبثاق الروح القدس من الأب. وهذه إضافة تاريخية لم ترد في قانون الإيمان النيقاوي.

2. أن السيدة العذراء مريم حبل بها بلا دنس الخطية الأصلية: وفي هذا الاعتقاد سلبت السيدة العذراء المخلوقة بالسيد المسيح وهو الله الخالق الذي وحدة فقط حُبِلَ بلا دنس الخطية الأصلية، وهذا مُحال أن يسوى المخلوق بالخالق، لذلك نحن الأرثوذكس نؤمن بأن السيدة العذراء ولدت كآي إنسان أخر ومثل الأنبياء القديسين، وإلا ما كانت الحاجة للفداء إن كان بعض البشر بإمكانهم الخلاص بدون المسيح؟!

3. المطهر: فيعتقد الكاثوليك أن الإنسان بعد موته يقضى فترة من العذاب في المطهر ثم بعد ذلك ينتقل إلى النعيم الأبدي ونحن الأرثوذكس لا نؤمن بالمطهر، فهذه العقيدة ضد إيماننا، وضد عمل المسيح في الفداء، لأنة لا توجد مغفرة إلا بدم المسيح.

4. يؤمنون بالغفرانات: أي من حق الباباوات والأساقفة أن يعطوا غفرانًا لمدة معينة نتيجة لعمل معين خاص أو منح هذه الغفرانات القانون بناء على قرارات سابقة لبعض الباباوات. ولكن عقلاء الكاثوليك ينكرونها حاليًا على اعتبار أنها فساد في التاريخ انتهى زمنه.

5. برئاسة بطرس الرسول للكنيسة ولزملائه الرسل: كأنة وحدة خليفة المسيح إذ يعتقدون أن بطرس هو مؤسس كنيسة روما رغم أنة كان يخدم مع بولس الرسول الذي أسسها.. وبابا روما هو خليفة بطرس الرسول لذلك يعتقدون أن بابا روما هو خليفة المسيح على الأرض وهو الرئيس المنظور للكنيسة الجامعة الرسولية. ولقد تحدثنا عن هذا الخطأ في أكثر من مقال هنا في موقع الأنبا تكلا.. ويؤمنون بعصمة البابا من الخطأ وهو أثناء إلقاءه بيانًا وهو على كرسي الكاتدرائية لأنة يكون مقودًا بالروح القدس حسب تعبيرهم ولكننا لا نؤمن بعصمة البابا من الخطأ!

6. يجوز الزواج بين الكاثوليك وغير المسيحي: أحيانا يسمحون لرجل الدين غير المسيحي بالاشتراك في شعائر هذا الزواج ويجوز أيضا الزواج الكاثوليكي وبين غيرة من المسيحيين.

7. لا يعتقد الكاثوليك بإمكانية الطلاق حتى لعلة الزنا: الأمر الذي ينتج عنة انتشار الزواج المدني في الغرب هو وما من زيجات يصعب الإفلات منها في حالة الخيانة الزوجية. وهذا الأمر ضد الكتاب المقدس صراحةً[43] (مت 5: 31، 32).

8. لا يسمح الكاثوليك بزواج الكهنة: أما كنيستنا الأرثوذكسية تسمح بزواج الكهنة قبل رسامتهم فقط إذ توفيت امرأته بعد رسامته فلا يجوز له أن يتزوج بامرأة ثانية وأما الكهنة الرهبان فلا يسمح لهم بالزواج لا قبل ولا بعد رسامتهم.

9. تأجيل مسح الأطفال بالميرون إلى سن 8 سنوات: أما نحن فلا نؤخر دهن الأطفال المعمدين بزيت سر الميرون بل في الحال بعد عمادهم مباشرة يدهن المعمد (سواء كان طفلًا أو كبيرًا ذكرا كان أم أنثى) فيدهن 36 رشمة لينال المؤمن به موهبة الروح القدس وحماية له من الشيطان.

10. عدم مناولة الأطفال وأجراء طقس المناولة الأولى من سن 8 سنوات: آما نحن فبمجرد أن يتم العماد يمكن للطفل أو للشخص المعمد أن يتناول ولا نؤخر ذلك أبدًا لأنة اتحاد بالرب يسوع وفي ذلك قوة وحصانة.

11. إلغاء الكاثوليك لغالبية الأصوام، فنظام وطقس الكاثوليك في الصوم غريب جدًا فهم يفطرون إفطارًا كاملًا في يومين السبت والأحد ويصومون يوميّ الأربعاء والجمعة صوم كامل، أما أيام الاثنين والثلاثاء والخميس تُسَمَّى عندهم أيام بياضي أي يأكلون فيها البيض واللبن ومستخرجاتها.

12. عدم التغطيس في المعمودية والاكتفاء بسكب طبق صغير على رأس الطفل أما نحن فلا نستخدم الرش على الإطلاق في المعمودية بل بالتغطيس باسم الأب والابن والروح القدس.

13. يقدمون القربان المقدس من الفطير وليس من الخمير.

14. فترة الصوم الأفخارستي: عدم الاحتراس تسع ساعات قبل التناول والاكتفاء بساعتين بالنسبة للأكل ونصف ساعة بالنسبة للشرب.

15. إقامة أكثر من قداس على نفس المذبح في يوم واحد.

16. الكاهن يصلي ويتناول في أكثر من قداس في اليوم الواحد.

17. السماح للراهبات بمناولة الجسد للمرضى في المستشفيات.

18. السماح للشمامسة بحمل الجسد لمناولة درجات الكهنوت المتعددة.

19. الكاثوليك يبرئون اليهود من سفك دم المسيح (1965م) إما نحن الأرثوذكس فلا نبرئ اليهود لأنهم طالبوا بيلاطس البنطي بصلبة انظر (إنجيل يوحنا 6:19)، (يو 15:19)، (إنجيل متى 25:27)، (إنجيل مرقص 13:15)، (مر 15:15)، (إنجيل لوقا 22:23)، (لو 23:23).

20. السماح للعلمانيين رجالًا ونساءً بدخول الهيكل وقراءة الأسفار المقدسة أثناء القداس.

21. المذبح قد لا يتخذ اتجاه الشرق عند بعض الكاثوليك: عدم الاتجاه للشرق في الصلاة.

22. قبول قيام أي شخص بالعماد حتى لو كان هذا الشخص غير مسيحي.

23. مناولة غير المؤمنين (وهذه يمارسها الأساقفة الكاثوليك بدون قرار واضح رسمي من الفاتيكان).

24. يؤمنون بخلاص غير المؤمنين كما قرر المجمع الفاتيكاني الثاني في دستورهم الرعوي عام 1965 أن مَنْ لم يؤمن ولم يعمد من كافة البشر سوف ينالون الاشتراك في سر الفصح والقيامة ويتوقف خلاصه بذلك أن كانوا من ذوى النية الحسنة وكنيستنا الأرثوذكسية لا تؤمن بخلاص غير المؤمنين بهذه الطريقة لأن ذلك يعتبر ضربة شيطانية موجهة إلى الإيمان المسيحي والى السعي والاهتمام بالكرازة بموت المسيح وقيامته. كما أن هذه الطريقة مخالفة لوصية المسيح في قولة "اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها من أمن وأعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن" (مر 15:16، 16).

25. يؤجلون ممارسة سر مسحة المرضى حتى أشراف المريض على الموت ويسمى سر المسحة الأخيرة، بينما عندنا نحن سر مسحة المرضى هو سر يدهن فيه المريض بزيت مقدس لشفائه من أمراض الروح والجسد والنفس "آن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا ويطهرنا من كل أثم" (يو 9:1).

بل نجد الآرثوذكس والكاثوليك يختلفون حتى في مؤسس كنيسة روما في القرن الاول الميلادي، فالكاثوليك يقولون ان بطرس هو مؤسسها، بينما الآرثوذكس يقولون بأن بولس هو مؤسسها[44]!

 

فالاختلافات قائمة بين الطوائف المسيحية سواء آمنت بمرجعية التقليد أو بمرجعية الكتاب المقدس، فأهل التقليد المسيحي مختلفون فيما بينهم أشدَّ الاختلافات، وكذلك الاختلافات عند أهل الكتاب المقدس!

 

 

· بولس يدعو اتباعه في تسالونيكي الى الاقتداء به!

ففي 2تس (3: 6و7) فاندياك: (ثم نوصيكم أيها الإخوة، باسم ربنا يسوع المسيح، أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب، وليس حسب التعليم الذي أخذه منا. إذ أنتم تعرفون كيف يجب أن يتمثل بنا، لأننا لم نسلك بلا ترتيب بينكم).

وفي الطبعة الكاثوليكية، نقرأ العبارة اوضح معنى: (ثم إننا نوصيكم ايها الاخوة بأسم الرب يسوع المسيح ان تبتعدوا عن كل أخ يسير سيرة باطلة خلافاً لما أخذتم عنّا من سُنّة، فإنّكم تعلمون كيف يجب أن تقتدوا بنا. فنحن لم نَسِر بينكم سيرة باطلة).

ولكي يتلافى علماء المسيحية الموقف، حيث ان الاقتداء يجب ان يكون بالمسيح لا بإنسان، فقد كتبوا في الهامش التعليق الآتي: {اذا اقتدى المسيحيون ببولس اقتدوا بالمسيح (1 تس 1/6 ، فل 2/5 ، متى 16/14). لأن بولس يقتدي بالمسيح (1 قور 11/1) وعليهم ان يقتدوا بالله (متى 5/48)}. وبغض النظر عن المواضع التي استشهدوا فيها بالعبارة السابقة، فلنا ان نتسائل: كيف اصبح بولس قدوة للمسيحيين مع انهم لا يقولون انه معصوم من الخطأ؟ وإذا كان معصوماً من الخطأ فما هي دلائل عصمته؟ وكمثال على عدم عصمته ما نراه في بعض رسائله من عبارات عديدة يقول علماء المسيحية انفسهم عنها انه لم يتقن صياغتها، وترك بعضها دون ان يكملها!! مما يعني انه لم يكن معصوماً في تبليغ رسالته فكيف بباقي جوانب حياته!!

 

 

· علامة بولس في رسائله

يتحدث بولس عن علامته في جميع رسائله فيقول 2تس (17:3) فاندايك: (السلام بيدي أنا بولس، الذي هو علامة في كل رسالة. هكذا أنا أكتب).

وفي الكاثوليكية: (هذا السلام بخط يدي انا بولس. تلك علامتي في جميع رسائلي، وهذه هي كتابتي).

وإذا تتبعنا رسائل بولس لوجدنا انه يذكر السلام بخط اليد في الرسائل التالية (بالاضافة الى 2تس):

1- في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس (21:16).

2- في رسالته الى اهل غلاطية (11:6).

3- في رسالته الى اهل كولوسي (18:4).

4- في رسالته الى فيلمون (18).

فقط خمسة رسائل حملت علامة بولس، فهل يعني ذلك ان بقية الرسائل المنسوبة الى بولس ليست من كتابته او انَّه دخل عليها تغيير اوتعديل او تجميع او تلف ادى الى استقطاع علامته في رسالته، أو أنَّها أصلاً منسوبة إليه ومن كتابة بعض تلاميذه!!

 

 

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

 

[1] العالم الهليني: مستمد من كلمة هـِلين وهي الاسم العرقي الذي يطلقه اليونانيون على أنفسهم، بجدهم الأسطوري هيلين Hellen وببلادهم التي عرفت باسم بلاد هيلاس Hellas أو الهيلاد Hellad، وهي تسمية أطلقها المؤرخون الأوربيون والغربيون عموماً على هذه الحضارة؛ إذ عدّوا أنفسهم ورثة هذه الحضارة التي تميزت بإنجازاتها التاريخية الرائعة. يمتد عصر الحضارة الهلينية منذ أوائل القرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الخامس الميلادي وفى هذه الحقبة أصبحت الثقافة الاغريقية ملكا مشتركا بين جميع بلدان البحر المتوسط وكانت اليونانية لغة العلم في ذلك الوقت والهيلينستية هى ثقافة مركبة من عناصر يونانية وشرقية حمل فيها الاغريقيون إلى الشرق الفلسفة ولقح فيها الشرقيون حضارة اليونان بروحانية الشرق ونظمه وعلمه . يقول بعض المؤرخين مثل تارن في كتاب الحضارة الهيلينستية أن الحضارة الاغريقية تنقسم إلى مرحلتين الاولى هلينيك اى المرحلة اليونانية البحتة وتضم مرحلتى النشأة والنضج والازدهار وتشمل العالم اليونانى وحضارته منذ الغزو الدوري وحتى الاسكندر الأكبر والمرحلة الثانية هى هيلينستك اى المرحلة الهيلينيستية وهى مرحلة يونانية متأخرة وتشمل البقاع التى تألفت منها امبراطورية الاسكندر وتشمل بلاد اليونان والممالك الشرقية بعد غزو الاسكندر لها.

{مقتبس بتصرف عن موقع المعرفة الالكتروني}.

[2] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص314.

[3] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص155 و157.

[4] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص33.

[5] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص259 و260.

[6] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص155 و157.

[7] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص330.

[8] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص314.

[9] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص13 و104.

[10] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص155 و157.

[11] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص314.

[12] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص259 و260.

[13] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص13.

[14] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص13.

[15] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص13.

[16] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص13.

[17] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص13.

[18] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص314.

[19] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص314.

[20] نستخدم في هذا البحث مصطلح (الطبعة) ونعني به (الإصدار). فيرجى ملاحظة ذلك.

[21] الطبعة الكاثوليكية هي الطبعة الصادرة عن (المطبعة الكاثوليكية) في بيروت، والنسخة التي ننقل عنها هي (الطبعة الخامسة) المطبوعة سنة 1977م. وهناك (طبعة ثامنة) صدرت عنها سنة 1982م حملت مصادقة النائب الرسولي للاتين في بيروت بولس باسيم، ونشير اليها في المواضع التي استندنا اليها. وعموماً فالطبعتان (الخامسة والثامنة) متماثلتان بحسب مراجعتنا لهما، فهما طبعتان متعددتان لإصدار واحد..

[22] هذه العبارة في الطبعة اليسوعية في هذا الفصل الثاني رقمها (14) لأنهم في هذا الفصل دمجوا بين العبارتين (10) (11) في نص الفاندايك وجعلوها عبارة واحدة برقم (10) لسبب لا نعرفه! ثم عادوا في قسم الحواشي وعلّقوا عليها بعد ان اعطوها الرقم (15)!!

[23] الكتاب المقدس الدراسي – ص2898.

[24] الكتاب المقدس الدراسي – ص2781.

[25] الكتاب المقدس الدراسي – ص2770.

[26] الكتاب المقدس الدراسي – ص2759.

[27] الكتاب المقدس الدراسي – ص2770.

[28] مقال بعنوان (دراسة في التقليد الارثوذكسي)، بقلم جون ادوارد، منشور في الموقع الالكتروني (فريق اللاهوت الدفاعي)، بتاريخ 2 يناير 2021م، عبر الرابط: https://bit.ly/3bxdYFk

[29] التقليد المقدس / الانبا غريغوريوس / شركة الطباعة المصرية، 2005م – ص8.

[30] التقليد واهميته في الايمان المسيحي / الأب متى المسكين / مطبعة دير القديس أنبا مقار– وادي النطرون/ الطبعة الرابعة 2008م - ص47.

[31] التقليد واهميته في الايمان المسيحي / الأب متى المسكين – ص48.

[32] التقليد واهميته في الايمان المسيحي / الأب متى المسكين – ص48.

[33] التقليد واهميته في الايمان المسيحي / الأب متى المسكين – ص48.

[34] التقليد واهميته في الايمان المسيحي / الأب متى المسكين – ص48 و49.

[35] مجمع خلقيدونية – اعادة فحص / الأب فِ. سي. صموئيل / ترجمة دكتور عماد موريس اسكندر ، مراجعة دكتور جوزيف موريس فلتس / الناشر دار باناريون في مصر الجديدة / الطبعة الاولى 2009م - ص72.

[36] نقلنا هذا الموضوع برمته من مقال بعنوان (الباترولوجي والتقليد)، منشور في الموقع الالكتروني (فريق اللاهوت الدفاعي)، عبر الرابط: https://bit.ly/2S29n6Q

مع شيء بسيط من التصرّف والاضافة.

[37] لو كان الروح القدس فعلاً عاملاً في المجامع فلماذا بعد العديد من المجامع تحدث انقسامات إضافية بين المسيحيين؟!!

[38] رجل دين مسيحي بروتستانتي، مؤلف كتاب: (اجوبة الانجيليين على اباطيل التقليديين) طبع في بيروت سنة 1853م، يهاجم فيه عقائد الكاثوليك والآرثوذكس من خلال مهاجمته التقليد المسيحي الذي يتمسكون به!

[39] خطاب مفيد في الكنيسة والتقليد / مؤلف انجيلي / طبع بيروت 1849م - ص(18-22).

[40] مقال بعنوان (كتاب رأي في اللاطائفية: ثبِّت أساس الكنيسة - الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة، 18- الفصل التاسع: ما هو الحق؟)، منشور في موقع الأنبا تكلا هيمانوت القبطي الآرثوذكسي، عبر الرابط: https://bit.ly/3vfTV5U

[41] مقال بعنوان (كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب، 53- متى بدأت محاولة فصل الكتاب المقدس عن التقليد؟)، منشور في الموقع الالكتروني الأنبا تكلا هيمانوت القبطي الآرثوذكسي، عبر الرابط: https://bit.ly/2QI7pbB

[42] نقلناها بطولها لأهميتها من مقال بعنوان (سؤال: ما هي الاختلافات ما بين الأرثوذكسية و الكاثوليكية؟)، منشور في موقع الأنبا تكلا هيمانوت القبطي الآرثوذكسي، عبر الرابط: https://bit.ly/2Tef7v6

[43] ذكرنا ان التقليد عند المسيحيين هو اعلى مرتبة من الكتاب المقدس، فقولهم بأن هذا الامر ضد الكتاب المقدس هو تدليس من قبلهم لأنهم يعلمون بمرجعية المسيحية (الكاثوليكية والآرثوذكسية) للتقليد اولاً ثم الكتاب المقدس.

[44] مقال بعنوان (كتاب يا أخوتنا الكاثوليك، متى يكون اللقاء؟ - أ. حلمي القمص يعقوب، 294- ثانيًا: كرازة بولس الرسول في روما)، منشور في الموقع الالكتروني للأنبا تكلا هيمانوت القبطي الآرثوذكسي، عبر الرابط: https://bit.ly/3wsfz7o


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/25



كتابة تعليق لموضوع : مع بولس في رسائله – (1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net