المواعظ اللقمانية
قمر المشهداني

 كثيرة وجميلة هي المواعظ لكننا نجد ان الكارثة الحقيقية في طريقة تداول تلك المواعظ التي أصبحت انشائية لا نتذكرها إلا عندما نحتاج الى اشتغالات مصلحية، بينما هي عميقة تحتاج الى الكثير من البحث والدراسة والتأمل كونها تمثل جملا تعبيرية مضغوطة كثيرة الروافد تشجع على عدد من السلوكيات المهمة في موعظة واحدة...

 يقول لقمان الحكيم:ـ (إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم) 

 الاستشارة... تعني المشاركة لتذويب عملية التفوق للصالح العام وعدم جعل الآخر يشعر بالعزلة والدونية او النقص المعرفي والذي سيخلق بدوره رتابة في التعالق الوجداني، وسيكون احد مردوداته المقت، وتلك حكمة مبدعة لابد للناس من الانتباه لها وهي من اهم السبل المعرفية التي تحصن الفكر وترسم ملامح الهدف التربوي الاسمى لخدمة الناس، فالاستشارة دلالة تلاقي ومشاركة تساهم في تحويل الشعور الفردي الى مرتقيات الشعور الجمعي. 

****************

 (واكثر التبسم في وجوههم) 

 ابتداع سبيل من سبل التوافق الاجتماعي، وهذا القبول سيخلق تفاعلا مؤثرا بين الانا والمجموع لاشك انها دعوة لاستنهاض الدور الجمالي ومؤالفة الواقع تذهب بعيدا على اعتبار ان الفرد جذر مهم له اثره في تكوين قوة الجماعة، وللجماعة قوة على صياغة التكوين الفردي فلايمكن التجاوز الفردي دون الابتسامة في الوجوه اي الرضى الجمعي. 

   ****************

 

 (وكن كريما على زادك فيهم) 

 من اهم علامات النضج الانساني هي مشاركة الناس بما يملك، ومثل هذا السخاء يحتاج الى قلب يقظ، وعقل مستنير، وضمير حي، وارادة مصممة تشعر بأهمية الانصاف من أجل المشاركة في صنع العدل؛ فالعدل لاتصنعه العزلة بل يحتاج الى ثراء روحي وعطاء يخلق ملامح الشخصية الرشيدة في المجتمع، وهذا الثراء ليس عادياً كما يظن البعض بل هو فعل اثره الشجاعة. 

****************

 (واذا دعوك فأجبهم واذا استعانوك فأعنهم) 

تنشأ السعادة الحقيقية عند الانسان من خلال الوعي الجمعي الذي يبلور الذات كمصدر من مصادر الخير والذي انتجته العلاقات الاجتماعية والظروف الموضوعية؛ فتقديم الاجابة والاعانة هي زرع فسحة الفرح والامل المحبب وبذلك تتسع دائرة المشاركة انطلاقا من البيئه المعاشه التي ستساهم في تحقيق الذات الفعله وعملية الاجابه او الاعانه عمل تربوي ايجابي يدل على السلوكيه القويمه ونجده تعميقا للجذر الفردي وامتلاء حياتي يقرب السمات المفهوميه عند مقومات الفرد كجزء من السمات الفاعله عند الجماعة.

****************

 (واغلبهم بثلاث: طول الصمت - كثرة الصلاة - سخاء النفس)

علينا قراءة (الغلبة) كجوهر تحمله الموعظة كسمة رمزية، فمقابل هذا الوعي الجمعي هناك فردية قوية قادرة على انتاج وعي ذاتي فنجده محفزا يسمو على النمطية الزائدة بل محاولة الارتقاء به كالتزام اجتماعي يرتكز على طول الصمت اي ان الاستيعاب الفكري التأملي لايعني الصمت عزلة، بل هو شكل من الأشكال المعبرة الخلاقة تستوعب الحالات الروحية في كثره الصلاة بين انتاج القيم الاجتماعية المؤمنة التي تصل الى سخاء النفس، وهذا يعني ان مقومات الفرد الواعية تمتزج مع القوى الجمعية ليصبح فيها المؤمن قائداً سامياً.

الموضوع السابق قَصِيدَة ( يَا قَدَّس عذراً)

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat