صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٢٢)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ* وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ* قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}.

الحرقُ مُقابل المنطق!.

إِذا تحكَّمت هذهِ المُعادلة في علاقاتِ الجماعة فلا تنتظر أَن يجدُوا حلّاً لأَيِّ خلافٍ أَو مُشكلة.

وإِنَّ احتكار الحق المُطلق واحد من أَخطر أَسباب تحكُّم هذهِ المُعادلة والتي تُنتج الخلافات المُستدامة لا محالة، فعندما تتصوَّر كُلَّ جماعةٍ أَنَّها تمتلك الحقَّ دونَ الآخرين،أَو عندما يتصوَّر تيَّارٌ أَو حتَّى فردٌ واحدٌ ذا سُلطة أَنَّهُ على حقٍّ فيما يقولُ ويعتقد ويعمل ويُشرِّع ويقترح دونَ أَيِّ أَحدٍ آخر سواء كانَ فرداً أَو تيَّاراً، وعندما يقولُ كُلُّ واحدٍ منأَعضاءِ الجماعة أَو كُلَّ تيَّارٍ من التيَّارات {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} عندها تبرز الخِلافات التي ليس لها حلٌّ أَبداً، لأَنَّ الحلَّ شراكةٌ وهو يستندُ في مثلِ هذهِ الحالات عادةً إِلى قاعدتَينِأَساسيَّتَينِ لا غِنى عنهُما؛

القاعدةُ الأُولى؛ هي إِحترام التعدديَّة والتنوُّع وعلى مُختلفِ الأَصعدة، بِدءاً من التنوُّع الدِّيني وانتهاءً بالتنوُّع الفكري والسِّياسي مرُوراً بالتنوُّع العرقي الذي يُحدِّد عادةًمصالح كلَّ جماعةٍ.

القاعدةُ الثَّانية؛ هي الإِتِّفاق على إِطارٍ عام واحدٌ أَشمل وأَوسع من كلِّ العناوين التي يستوعبها التنوُّع والتعدُّد.

وفي حالةِ الدَّولة مُتعدِّدة ومُتنوِّعة المكوِّنات يشخص الإِطار الوطني [الإِنتماء الوطني] كإِطارٍ عامٍّ شاملٍ وواسعٍ يُمكنُ أَن يستوعبَ كُلَّ التنوُّع والتعدُّد، وما دونَ ذلكَ يظلُّإِطاراً أَضيقُ وبالتَّالي أَعجزُ من أَن يستوعبَ التنوُّع والتعدُّد.

ولتوضيحِ الفكرةِ أَكثر يُمكنُ أَن نضرِبَ موضوع العِلاقة بينَ [الدِّيني] و [اللِّيبرالي] أَو الذي يُسمُّونهُ بـ [العِلماني] مثلاً على ذلكَ.

ففي كلِّ مرَّةٍ يكون أَحد التيَّارَين مبسوط اليد أَو على الأَقل يتمَّدد نفوذهُ في السُّلطةِ والحُكم تراهُ يعمد أَوَّلاً وقبلَ كُلِّ شيءٍ إِلى إِضعافِ الآخر أَو إِلغائهِ إذا استطاعَ إِلىذلكَ سبيلاً!.

لا يُفكِّرُ في توظيفِ المُشتركاتِ، وهي لا تُعدُّ ولا تُحصى في إِطارِ الإِنتماءِ الوطني، لتحقيقِ الشَّراكةِ والتَّكامُل، أَبداً، فالمُصطلح الوحيد الشَّاخص في ذهنهِ هو؛ التقاطُع!.

ولقد ظلَّت هذهِ العِلاقة المأزُومة بين التيَّارَين لعقُودٍ طويلةٍ من دونِ أَن يجدَ لها أَحدٌ حلّاً على الرَّغمِ من الجهُودِ الكبيرةِ التي بُذلت بهذا الخصُوصِ، لأَنَّ أَدوات الحلِّ المُمكنغَير مَوجودة، أَلا وهيَ؛ الإِعتراف بالتنوُّع والتعدُّد والإِحتكامِ إِلى الإِطارِ الوطني العام.

ولذلكَ فأَنا أَتصوَّر أَنَّ كِلا التيَّارَين [الدِّيني والعِلماني] غَير وطنيَّين بالمعنى الدَّقيق للمُصطلح، فلو أَنَّهما لجَآ إِلى الإِنتماء الوطني لاستوعبهُما وبالتَّالي لوجَدا فيهِ إِمكانيَّةالتَّلاقي والتَّعايش والتَّعاون في إِطارِ مبدأ التنوُّع والتعدُّد.

أَمَّا تصوُّر [الدِّيني] أَنَّهُ قادرٌ على إِلغاء [العِلماني] بالفتوى مثلاً أَو بالعُنف والتَّشكيك والطَّعن والدِّعايات وما إِلى ذلكَ من وسائلِ وأَساليبِ التَّسقيطِ غَير الأَخلاقيَّة، فإِنَّهُسيصرف وقتهُ وجهدهُ على [الفاضي] من دونِ أَن يُحقِّق مُرادهُ!.

والعكسُ هو الصَّحيح فإِذا ظلَّ [العِلماني] ينشر الدِّعايات المُغرضة ويطعن بطبيعةِ [الدِّيني] ويُحاول إِلغائهِ بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكال، فهو الآخر سيُضيِّع جهودهُ بِلا نتيجةٍ!.

ولو عُدنا إِلى حقيقةِ الأُمور فسنجد أَنَّ كِلا التيَّارَين أَسماء على غيرِ مُسمَّيات {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} فلا [الدِّيني] هوَديني بالمعنى الحقيقي والواقعي، فكيفَ يكونُ دينيّاً وقد تورَّط بالفسادِ وأَوغلَ بالدَّم والعِرض إِلى المرافقِ؟!.

ولا [العِلماني] علمانيّاً فكيفَ يكونُ كذلكَ وقد تورَّط بحربٍ شَعواء ضدَّ [الدِّين] دامت عقُوداً لحدِّ الآن في الوقتِ الذي تعتمد [العِلمانيَّة] على الحَياديَّة في المَوقفِ منالدِّين؟!.

يبدو من ذلكَ، وغيرِها الكثير من الأَدلَّة والإِثباتات والشَّواهد والظَّواهر اليوميَّة أَنَّ صِراع [الدِّيني] و [العِلماني] لا يعتمد الفكر ليُمكننا مُناقشتهِ بهدوء ورويَّة وإِنَّما يقومُعلى نظريَّة الصِّراع على النُّفوذ سواءً على الصَّعيد المُجتمعي أَو على صعيد السُّلطة! وهو لا يختلفُ بذلكَ عن صراعِ [الدِّيني- الدِّيني] و [العِلماني-العِلماني] ولذلكَيتواصل الصِّراع بينهُما مُنهكاً بلادنا إِلى ما شاءَ الله من الوقتِ مازالَ الكُلُّ لا يرغب في الإِعتراف والإِعتماد على القاعدتَينِ الآنفتَينِ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/04



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٢٢)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net