دور الأسرة في التربية الإسلامية للطفل مرحلة ما قبل المدرسة- من الولادة إلى بلوغه ست سنوات
كامل حسين علي *
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كامل حسين علي *

اهتم الإسلام بالطفل قبل ولادته، منذ اختيار الزوج للزوجة الصالحة والسليمة. حيث أثبتت الدراسات التربوية والاجتماعية، الأثر الواضح للوراثة والمحيط الاجتماعي في تكوين شخصية الإنسان، حيث تنعكس على جميع جوانبها الجسدية والنفسية والروحية. وقد أثبت العلم الحديث هذه الحقيقة من أن وراثة المولود لا يحددها أبواه المباشران فقط بل هو يرث من جدوده وآباء جدوده وجدود جدوده وهكذا... وعلى هذا نستطيع القول: بأن نصف الوراثة من الأبوين، وربعها من الجدود، وثمنها من أباء الجدود وهكذا...
ولهذا أكد رسول الله (ص) على حسن الاختيار في الزواج فقال:{تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس}. وحذر أمير المؤمنين علي (ع) من تزويج الحمقاء مخافة انتقال هذه الصفة إلى الأبناء، ولعدم قدرتها على تربيتهم تربية سوية فقال:{إياكم وتزويج الحمقاء، فإن صحبتها بلاء، وولدها ضياع} وفي أحاديث كثيرة حذر أهل البيت (ع) من الاقتران من المنحرفين وشارب الخمر ولتحصين العائلة والأطفال من الانحراف. وأكد الإسلام على الاهتمام بالمرأة الحامل، وتوفير الغذاء المناسب والجيد والراحة الجسدية والنفسية لها علاوة على الرعاية أثناء الحمل، لأن كل هذه العوامل تؤثر على صحة وسلامة المولود. وعند الولادة يجب أن يؤذن في إذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى. وهذا ما فعله الرسول الأعظم (ص) في أذني الحسن والحسين (ع) عند ولادتهما. فقد اكتشف الخبراء الإسلاميون استناداً إلى أحاديث أهل البيت (ع)، والشواهد المجربة إن الطفل قادر على التقاط المعاني من كلمات الآخرين منذ الشهر الرابع في بطن أمه، ولذلك توصي الأحاديث أن تقرأ الأم القرآن الكريم أثناء فترة حملها، وبعد الولادة أيضاً تواصل ذلك، ولو عبر أشرطة الكاسيت، فإن الطفل يتفاعل مع الإيحاءات القرآنية، وتؤثر في نفسيته وأخلاقه وسلوكه عند الكبر. وإلى هذه الحقيقة تعود حكمة الآذان والإقامة في أذني المولود.
إن الطفل يولد على الفطرة أي فطرة التوحيد، وعقيدة الإيمان بالله تعالى وعلى أصالة الطهر والبراءة... حيث قال الله تعالى:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } وقال رسول الله (ص):{كل مولود يولد على الفطرة} من هنا يبدأ دور الأسرة المهم في تهيئة المحيط والجو من التربية الإسلامية للطفل، المتمثلة في التربية الإسلامية الواعية المؤمنة من أجل نشأة الطفل على الإيمان. والأسرة هي المحيط التربوي الأساسي المسؤول عن إعداد الطفل في الحياة الاجتماعية، ليكون عنصراً صالحاً فعالاً في إدامتها على أساس الصلاح والخير والبناء الفعال. والأسرة نقطة البدء التي تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني، وتؤثر في كل مراحل الحياة إيجاباً أو سلباً، وهي مسؤولة بالدرجة الأولى عن النشأة والترعرع، وهي التي تحدد مسار الإنسان السلوكي إن كانت التنشئة الاجتماعية خارجها ملائمة ومتشابهة. ولأهمية الأسرة في البناء التربوي، أكد الرسول الأعظم (ص) وأهل البيت (ع) أهمية خاصة بها وكانت إرشاداتهم تؤكد واجب الوالدين في إعداد الأطفال إعداداً ينسجم مع المنهج السلوكي في الإسلام، وحث أهل البيت عليهم السلام الوالدين على القيام بمسؤوليتهما في التربية وخصوصاً الوالد حيث تقع عليه كامل المسؤولية. وقال الإمام زين العابدين (ع) في حق الوالد من ولده: (وأما حق ولدك فتعلم إنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وانك مسؤول عما وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربه، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فأعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا) وقال أيضاً: {وأما حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة والمداراة له وترك مماحكته فإن ذلك أدنى لرشده}.
ودور الأسرة لا يحدد سلوك أفرادها فحسب بل يحدد جميع مقومات الشخصية: الفكرية والعاطفية والنفسية حيث ينعكس التعامل مع الأبناء على اتزانهم النفسي والانفعالي والروحي، تبعاً لنوع المعاملة معهم من حيث الرعاية والإهمال. وينشأ الشعور الديني بالتدريج مع نمو الفرد شهر بعد شهر وسنة بعد سنة، حيث تتبلور بالتدريج الانفعالات والعواطف حول موضوع الدين ففي آخر السنتين الأولى من عمر الطفل يميز النمو الديني في هذه المرحلة {اللفظية} حيث لا يزيد الشعور الديني حتى نهاية مرحلة الرضاعة عادة عن عدد محدود من الألفاظ يرددها الطفل، دون إدراك لمعناها مثل الله، الملائكة، الأنبياء، الإمام، الجنة، النار...
وأما في مرحلة الطفولة المبكرة {3-4-5} من عمر الطفل يبدأ في اكتساب المعايير الدينية كالحلال والحرام خلال عملية التنشئة الاجتماعية. وتظهر الأسئلة الدينية، فالطفل يسأل عن المفاهيم الدينية فهو يسأل من هو الله؟ وما شكله؟ وأين هو ولماذا لا نراه ومن هم الملائكة؟ ومن هم الأنبياء والرسل؟ وما هو الدين؟ ولماذا نصلي؟ وما الفرق بين الأديان المختلفة؟ وما الكتب السماوية؟ وما الفرق بين الجنة والنار؟ ويجب على الوالدين والمربين مراعاة مايلي: وهي الإجابة السليمة الواعية عن الأسئلة الدينية للطفل بما يتناسب مع عمره ومستوى فهمه وإدراكه، ويشبع حاجاته إلى الاستطلاع والمعرفة.
ويتطور النمو الديني، ويحيط الطفل إحاطة مبدئية بأمور مثل الحياة والموت والبعث والثواب والعقاب والخلود وما إلى ذلك... ويميز النمو الديني في هذه المرحلة (الواقعية) يصغي الطفل إلى موضوعات الدين وجوداً واقعياً محسوساً، فالملاك في تصوره رجل أو امرأة بأجنحة وملابس بيضاء والشيطان مارد غليظ، ينبعث من عينيه شرا، ويعلو رأسه قرنان، وربما له ذيل ولرجليه حافران. ويميز الشعور الديني في هذه المرحلة أيضاً (الشكلية) حيث يكون الدين شكلي لفظي حركي، ويكون أداء الشعائر تقليدياً ومسايرة للمجتمع. ويهتم الإسلام خاتم الرسالات بالحث على تعليم الأطفال تعاليم الدين منذ الطفولة المبكرة، وذلك حرصاً على أن يشق الفرد طريقه في الحياة، وسلوكه السوي يساعده على التغلب على مشكلات الحياة، وذلك بفضل توجيهه التوجيه الديني السليم.
وتعليم الطفل معرفة الله تعالى يفضل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل يتناسب مع العمر العقلي للطفل، ودرجات نضوجه اللغوي العقلي. وقد حدد الإمام محمد الباقر (ع) تسلسل المنهج كما ورد في حديثه:{إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له: قل لا إله إلا الله سبع مرات، ثم يترك حتى تتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً فيقال له: قل محمد رسول الله سبع مرات، ويترك حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له: قل سبع مرات صلى الله على محمد وآل محمد ثم يترك حتى يتم له خمس سنين ثم يقال له: أيهما يمينك وأيهما شمالك؟ فإذا عرف ذلك حول وجهه إلى القبلة ويقال له: أسجد، ثم يترك حتى يتم سبع سنين فإذا تم له سبع سنين قيل له: اغسل وجهك وكفيك، فإذا غسلهما قيل له صل، ثم يترك حتى يتم له تسع سنين فإذا تمت له تسع سنين علم الوضوء وضرب عليه، وأمر بالصلاة وضرب عليها، فإذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله له ولوالديه إن شاء الله} وهذا المنهج التعليمي، قد أثبته العلم الحديث في التربية ويجب على الأسرة أن تأخذ بمنهج أهل البيت المتمثل بمنهج الباقر (ع) بتربيتهم للأطفال وإن لمثل الحسن والقدوة الصالحة في الحياة اليومية، والمعاملة الحسنة والأسلوب الصحيح في تربيتهم للأطفال... والله الموفق.
* ماجستير- مناهج وطرائق تدريس
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat