استشهاد الحسين استثمار إنساني
وجدان عبدالعزيز
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وجدان عبدالعزيز

وأنا أحاول الطواف بروضة جهادية الحسين، لابد لي أن أتعطر بقول الرحمن حينما يقول تعالى: (أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا . فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستيقما).
وهذا القول المقدس يصدق تماما على يقينية الحسين بالإيمان والاستغراق في معاني الإيمان، لبة الإسلام، فهو تربى بروضة النبي وشب ونهض على الحب والإباء بين عائلة نبوية شريفة، قلوبهم شفافة وعقولهم موزونة يكرهون الظلم ويعادون شذاذه، وهم مشاريع دائمة لرفد الإنسانية بأعلى أخلاقية سامية مقتبسة من روضة الإيمان، يقينهم يقين ثابت وان وليهم الله (إن الله ولي الذين آمنوا). من هذا المنطلق نستثمر موقف الحسين الثابت في إدراك كنه الحسين.
الحسين كان يدرك تقلبات الإنسان وخاصة أهل الكوفة، ولكن واقع الحال ورسائل القوم تصرخ من ظلم يزيد وتعديه حدود المؤمنين وهي حدود الله فيزيد عاث فسادا وخرج من دائرة الإسلام فأين يذهب سواد الناس..؟ بكل ثقة وتأكيد يذهبون إلى أهل الشأن، فهل هناك شأن للحسين غير الإسلام، والإسلام رسالة متكاملة لخلق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وكان رفض الحسين البيعة ليزيد هي نصرة الإنسان المظلوم في رفعة الإسلام.
وكان استشهاد الحسين في الطف المشروع الإسلامي الذي تكاملت حلقاته بعد الاستشهاد واستثمره الآخرون في أمثلتهم التاريخية الخالدة، ولهذا تأسست حلقات استثمار شهادته في ترسيخ قيم الحق والإباء والشجاعة ونصرة المظلوم، وحينما قربت نهاية الحسين أخذ يردد: "إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني" وهكذا وهو في أحلك الظروف العصيبة يتجدد يقينه بأنه على حق وبرهان من ربه وبأن قتله استثمار يدر أرباحا في القيم الأخلاقية للإسلام ويعم المعمورة جمعاء ولا شك ضرب مثلا لن تنساه الإنسانية في مقارعة أعتى طواغيتالأرض وشعاره الخالدأي شعارالحسين (هيهات منا الذلة) حتى خلد في أذهان البشرية وليس ذهن المسلمين حسب فهذا المناضل غاندي، وروجيه غارودي الفرنسي يتخذان من الحسين طريقا لمناهضة الظلم وهذا انطوان بارا صاحب كتاب (الحسين في الفكر المسيحي) وهذا جورج جرداغ المسيحيّ يتعالى ويسمو في موسوعته الشهيرة (علي صوت العدالة الإنسانية).
هذا هو استثمارالإنسانية لثورة الحسين، أماالمسلمون فلا زالوا يستثمرون الأرباح المجناة منها للخروج من الإيمان المبرقع بالنفاق إلىالإيمان الثابت ثبوت قلب الحسين وهو يقطر عطفا على أعدائه ويدعو لهم بالهداية فما أحوجنا أن يكون كل واحد منا روضة حسينية ودرسايستعطفنا الآخر؛ كي يستفيد منه ويتعالى ويسمو.
فإيمانالحسين الثابت بالله وبالرسول عبر عنه بالثبات والوقوف في ساحة الشهادة بعد أن أفرغ أعداءه بكلالوسائلالحكيمة في الكف عن الحرب، قال الحسين العظيممخاطبا القوم: (إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا)(1)، وأيضاً (ألا ترى لهذاالدين لا يعمل به، والمنكر لا يتناهى عنه، وأن الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديّانون)(2).
إذن، حينما نربط مقدمة ما قلناه مع هذا الخطاب الواضح الفحوى نجني من ربحية استشهاد الحسينالخالد كما جناه غيرنا في الاستثمار بدليل قولالحسين: (خرجت لطلب الإصلاح)، فالعظماء لا يخرجون من دائرة معارف الإنسانية؛ لأنهم صالحون يطلبون الإصلاح، فيخلدون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب البحار: ج44.
(2) كتاب تحف العقول: ص245.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat