صفحة الكاتب : د . حامد العطية

إذن هي الطائفية تعلو ولا يعلى عليها
د . حامد العطية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جعل الدين لخدمة البشر، ولم يجعل البشر لخدمة الدين، وحتى الأنبياء هم رحمة للعالمين، ولعل أعظم تكريم لبني البشر هي الحرية العقائدية والفكرية: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ( الكهف:29)، ولله المثل الأعلى ، فعندما سأله الملائكة عن سبب خلقه الإنسان كان سؤالهم بصيغة أشبه ما تكون بالاستنكار والاحتجاج: (قال للملائكة إني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) (البقرة: 30) ولكنه لم يكفرهم أو حتى يوبخهم، بل حرص على تقديم البرهان لهم على إن الإنسان، هذا المخلوق الجديد، يستحق الحياة، لأنه قادر على التعلم بقدرة الله، فكانت التجربة العلمية الربانية أن علم ادم الأسماء كلها ثم عرضها على الملائكة، فقالوا لا علم لنا، وعرضها على آدم فعرفها، آنذاك خاطبهم الخالق المعلم: ألم أقل لكم بأني أعلم غيب السموات والأرض .

ونجد مثالاً اخر على هذا المنهج الرباني في تعامله سبحانه وتعالى مع عصيان إبليس، فعندما لم يسجد امتثالاً لأمر الله، لم يبطش به، بل سأله عن السبب، فلما أجابه الشيطان بانه أفضل من الإنسان، صدر الأمر الرباني بطرده وإبعاده (قال فاهبط منها)، بل وحتى استجاب لطلبه بأن ينظره إلى يوم يبعثون، ولكن الشيطان تمادى في غيه، فتوعد بان يغوي بني البشر (احتنكن ذريتهم) ليهلكهم، آنذاك فقط توعده الله بالخلود في النار: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين * قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال إخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين)

( الأعراف: 11-18)

والتطبيق العملي للتعامل الأمثل مع المخالفين والمعارضين نجده أيضاً في قصة الرسول الأعظم (ص) مع ذو الخويصرة برواية مسلم (ج2 ص744): (أن أبا سعيد الخدري قال بينما نحن عند رسول الله، وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال يا رسول الله اعدل قال رسول الله ، ويلك ومن يعدل إن لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أعدل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه قال رسول الله ، دعه).

وقد نهى هذا الدين عن السب والشتم واللعن، بل نهى حتى عن سب آلهة المشركين لئلا يسبوا الله عدواً، وذلك من باب اللطف بالناس، حتى لا تتأصل العداوات في النفوس، ويتعصب المشركون لالهتهم، فيمتنعوا عن الاستجابة للرسالة الربانية، والواجب على المسلم إذا سبه أحد أن يقول له سلاماً: ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) (الفرقان: 63) وكذلك الآية الكريمة: ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) (القصص: 55)

ولكن ماذا لو كفرت إنسان فرد علي بسب بعض مقدساتي، التي لا يعترف بها هو كمقدسات أصلاً، الا اكون قد خالفت الأمر الرباني لكوني قد حرضت ذلك الفرد على سب مقدساتي، فالمسلم منهي عن سب الأوثان بدءاً.

وشتان ما بين التكفير والسب، سواء سب الموتى أو الأحياء، المقدسون منهم أو غير ذلك، لأن التكفير حكم معجل أو مؤجل بالموت، وقد شهدنا ومازلنا نشهد فتك الفتاوى التكفيرية، التي شرعنت قتل النساء والأطفال والعزل لكونهم من طائفة اخرى.
وشتان ايضاً بين تظلم الأغلبية من سب الأقلية لهم وتظلم الأقلية من تكفير الأكثرية لهم، فالسب كما يقول المثل الانكليزي لا يكسر عظامي، اما التكفير فقد لوث صفحات التاريخ بالأحمر والأسود إذ سول للحكام وغيرهم القتل والسجن والتعذيب والتنكيل والتهجير والنهب والسلب واغتصاب الأعراض والاضطهاد المتواصل للطوائف الصغيرة لأربعة عشر قرناً من الزمن.

المطلوب شجاعة فائقة لا مجرد سعة صدر في تقصي الحقائق، ومراجعة المواقف بموضوعية وتجرد وانصاف، وقول الحق ولو على النفس والأقربين، والبديل هو أن نخرب بيوتنا بأيدينا بالاقتتال الطائفي، لتقر أعين الأعداء الواقفين على الأبواب، بل المستقرين في الديار.

13 تشرين الأول 2010م


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حامد العطية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/11/29



كتابة تعليق لموضوع : إذن هي الطائفية تعلو ولا يعلى عليها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net