صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

اللهّم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ وأعْمُرْ قلبي بِطاعَتِك.. أين الشعبانيون؟ (5)
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مِنْ أخطر أمراض القلوب وأكثرها ضرراً واشدها فَتكاً بصاحبه هو الحقد الذي تتفرع منه أنواع الرذائل. فالقسوة وعدم التسامح والعِناد والحسد واللؤم والطمع وحبّ الظهور، وأن يكون في المقدمة حتى مع علمه بأنه لا ينفع الآخرين بشيء سواء جلس في المقدمة أو جلس في آخر الصف. كما ان المحصلة النهائية للحاقد أعمى القلب هي جملة من الأمراض النفسية والإجتماعية التي تنتهي (في أحسن الأحوال) إلى الكآبة والشعور بالحقارة وأنه مع الوقت لا يزداد إلاّ تفاهة وسفاهة. عكس القلب السليم العامر بذكر الله تعالى والسالم من تلك الآفات المهلكات. ثلاثون يوما نكررعند الزوال " اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ واعمر قلبي بطاعتك ولا تُخزني بمعصيتك". القلب العامر بطاعة الله هو قلب رقيق لا يعرف القسوة والخشونة ولا مكان فيه للغل والحقد والضغينة وسوء الظن، لا مكان فيه للحرص والحسد وتمني زوال نعمة الغير والأنكى من ذلك هو العمل جاهدا بزوال نعم العِباد التي خصهم الله تعالى بها. "وأعمرْ قلبي بطاعتك" بحيث أكون راضيا قانعا بما قسمت لي، أسألك يا الله من فضلك الواسع ورزقك الحلال الطيّب ولا أرجو ما في ايدي الناس. نقرأ في دعاء كميل : "اللّهمَّ إنّي أَسأَلك سؤال خاضع متذلِّل خاشع أن تسامحني وترحمني وتجعلني بقسمك راضيا قانعا وفي جميع الأحوال متواضعا". صاحب القلب العامر بذكر الله يشكر الله على أية حال، في السرّاء والضرّاء، مفوضاً أمره إلى الله تعالى متوكلاً عليه لا يعرف غيره ولا يرجو سواه ولا يعبد إلاّ إيّاه. لا شك أن مَن كان خلقه هكذا فهو صاحب قلب سليم قد دخلت قلبه الأنوار الإلهية ويعيش بطمأنينة وإيمان وهدوء فينام ليلته مرتاح البال خالٍ من الحمل الثقيل الذي يؤرق صاحب القلب المريض الخائب ويسلبه الرُقاد. وهل هناك أثقل من الحقد وضيق الصدر والغل والكراهية والحسد.

" روي أن نوحا عليه السلام لما ركب البحر وحمل في السفينة من كلٍّ زوجين اثنين كما أمر، فرأى في السفينة شيخا لم يعرفه فقال له نوح عليه السلام : ما أدخلك؟ قال : دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك. قال نوح عليه السلام : أخرج منها ياعدوّ الله فإنك رجيم. قال له إبليس : خمس أهلك بهنّ النّاس، وسأحدثك منهنّ بثلاث ولا أحدثك بالثنتين، فأوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام أنه لا حاجة بك إلى  الثلاث، مُرهُ فليحدثك بالثنتين فقال عليه السلام : ما الثنتان؟ فقال إبليس : هما اللتان لا تكذبانني، هما اللتان لا تخالفانني، بهما أهلك الناس، الحرص والحسد، بالحسدِ لُعِنت وجعلت شيطاناً رجيماً، واما الحرص فإنه أبيح لآدم الجنّة كلها، فأصبحت حاجتي منه بالحرص". عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : "حبك الشيء يعمي ويصم". اللسان اللهج بذكر الله تعالى يجب أن يدعمه قلب عامر بطاعة الله تبارك وتعالى وقد دخلته الأنوار الإلهية فأصبح (مبصرا) فلا مجال للشيطان من التوغل إلى ذلك القلب خلسة وعلى حين غرة وسط ظلام الغفلة والإهمال. "واجعل لساني بذكرك لهجاً وقلبي بحبك متيماُ" هذا القلب الذي أصبح متيما بحب المولى الكبير المتعال وعاشقاً له ودائم الإتصال به "وهب لي الجدَّ في خشيتك، والدَّوام في الاْتِّصال بخدمتك" كيف يحب الدنيا وأهل الدنيا ومناصب الدنيا ومنازل الدنيا التي هي دنيا في كل الأحوال.

 القلب العامر بطاعة الله تعالى هو قلب سليم محصن من الإنحرافات الفكرية والعقدية الإيمانية التي تؤدي وبمباركة الغوي الرجيم إلى الهلكة وعدم النجاة غدا " يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ". قلب لا يعرف سوى الله تعالى ولا يريد إلاّ وجهه الكريم.

 من المفيد بمكان ان نذكر هنا أن الدعاء "مفتاح الفلاح" و"سلاح المؤمن" شرط العمل والسعي وترويض النفس بالتقوى والعمل الصالح وإلاّ ما فائدة ان نكرر كل صباح "إلهي قلبي محجوب" ونعمل على زيادة كثافة الحجب فيزداد القلب إدباراً وقسوة وغفلة بدل أن يزداد إقبالاً على الحق سبحانه وإنشراحاً وهداية. "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا". بغير طاعة الله يكون القلب مرتعاَ ومسكناً للشيطان الرجيم فيستولي عليه بعدما دخله آمناً دونما أدنى مقاومة. بغير طاعة الله يكون القلب مريضاً سقيماً لا يعرف التراحم والتسامح والتواضع، يعيش بخيلا في دنياه ويخشى الفقر في غناه. قيل لغنيّ أعمى القلب : لماذا تعيش الفقر وقد رزقك الله من فضله؟ فأجاب : أخشى الفقر. فقيل له : أنت تعيش الفقر في غناك يا أحمق فالغنى لا طعم له في حياتك لأن قلبك لم يعمر بطاعة الله فلو دخل الإيمان إلى قلبك لأنفقت مما رزقك الله تعالى ولم تخش الفقر! المسألة جد خطيرة وما هذه الصلوات الشعبانية المباركة إلاّ تذكير وحث وتوكيد على التوجه واللجوء إلى الله تعالى ومواصلة الإتصال به فهو الحبيب الذي ملأ حبه قلوب الصادقين فهان عليهم كلّ شيء. "يا حبيب قلوب الصادقين". قلت لأحد الأولاد ذات ليلة : كُنْ صادقا قبل أن تناجي الحق سبحانه وإلاّ فحالك سيكون كحال والدك يكرر قراءة الأدعية المباركة ولكن ليس لها من الأعمال أي رصيّد، تماما كالذي يمضي لك على شيك مصرفي وفي المصرف يخبرك الموظف أن الشيك صحيح وليس مزورا لكن لا رصيد في ذلك الحساب.

آخر جمعة من شهر شعبان الأغر..

عشت مع بعض المؤمنين ايام الدراسة فكنت أراهم ينشطون كثيرا في الصلاة والمناجاة في آخر جمعة من شهر شعبان الأغر لأنها حلقة الوصل بين شهر شعبان وشهر رمضان، ومقدمة لدخول شهر رمضان بقلب عامر بطاعة الله يرجو فضله ويخشى عقابه. حتى ان أحدهم كان يوصل الليل بالنهار وهو يتلو القرآن ويتدبر آياته فإن كانت هناك بشارة بالجنَة ناداني وأخذ يرشدني إلى ما يقربني من ذلك المنزل المبارك وإن كانت هناك إشارة إلى النار ناداني محذرا إياي من الغفلة والسهو وسوء االعاقبة. إفترقنا بعد أن جمعتنا الدراسة الجامعية وشعرت من حينها بخسارة أولئك الثلة المؤمنة وبذلك الصديق والأخ المعلم الناصح. الآن من يا ترى يرشدني ويعلمني وينصحني لما فيه الفوز بالجنة والنجاة من النار؟! الكل يجاملني ويضعني بغير مقامي وما أنا إلاّ ذلك الغارق في بحر معصية الله الذي إبتدأني بالنِعم قبل إستحقاقها وبدّل سيئاتي حسنات وأكرمني ولا زلت أجحد ولا أشكر، واخجلاته منك يا سيدي. إرحم دموعي وعبرتي في جوف هذا للليل وأنا اكتب عن القلب العامر بذكرك ولا زال قلبي كما كان غافلا مدبرا، ما أجرأني عليك يا إلهي. عسى يا ربِّ أن يشفق عليّ قاريءُ كريم فيرفع يديه داعياً لي بالهداية والمغفرة وحسن العاقبة.. يا رب ذهب الأصدقاء والأخوة عني فليس لي سواك يارب هاديا ومرشدا، " فاليك يا ربِّ نصبت وجهي واليك يا ربِّ مددت يدي، فبعزَّتك استجب لي دعائي وبلِّغني مناي ولا تقطع من فضلك رجائي" يا ربّ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/08



كتابة تعليق لموضوع : اللهّم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ وأعْمُرْ قلبي بِطاعَتِك.. أين الشعبانيون؟ (5)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net