صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

تجليات التناص في النص التوجيهي
علي حسين الخباز

   ينمو الأدب في عالم مليء بكلمات الآخرين، والنص الواعي هو عبارة عن تشكيل ثيمات من نصوص سابقة معظمها من التراث الفاعل تعاد صياغتها بشكل جديد، برؤى جديدة، بعوالم جديدة، وخاصة عندما يكون النص نصا توجيهيا ليس هناك نص يمتلك مثل هذا العنوان وينشأ من اللاشيء، لابد ان تكون له مرتكزات لمكونات أدبية وثقافية متنوعة، نصوص تاريخية مأخوذة من التأريخ الرسالي حياة الأنبياء وخاصة حياة النبي محمد (ص)، تراث الحكمة، التجارب السابقة، فالنقد الادبي اشر بأن أي نص جديد هو عبارة عن مجموعة من نصوص سابقة ومعاصرة فانه يدخل (نصه) في عمليات (تناص) جديدة باعتبار النص التوجيهي قادرا على العطاء المستمر لقراءات متعددة.
 النص الجديد يكون متأثرا ومن ثم يكون مؤثرا، عملية انتاج النص تشترك به نصوص أخرى: كالتناصات القرآنية مع آيات من القرآن الكريم يضمنها او يستشهد بها ليدعم فكرته المعروضة، واحاديث نبوية رويت عن النبي (ص) واقوال للائمة المعصومين (عليهم السلام) والاحداث التي مرت على ائمتنا أئمة الخير والسلام (سلام الله عليهم)، جميع هذه التناصات تسخر المعطى التوجيهي، فتصبح تلك النصوص هي أدوات أساسية لإنتاج النص التوجيهي.
 المتلقي اصبح هو الأداة الثانية في تفسير النص وتأويله، يعني ان عملية القراءة هي عملية اخذ وعطاء، اخذ من النص وعطاء له من المخزون الأدبي والثقافي للمتلقي، يتفاعل النص مع نصوص التناص من اجل انتاج نص جديد يشكل تناصا مع مكونات المتلقي.
 هناك تناص مضموني مباشر، وهناك تناصات دلالية، النقد الأدبي انتبه لهذه التناصات ومنحها مسميات أخرى مثل: التضمين، الاقتباس، الاستشهاد، المعارضات).
 اليوم تسمى بأسماء جديدة مثل: الموازنة، المفاضلة.. وبالنسبة للتناص القصدي الحرفي غير المنسوب يسمى السرقة الأدبية، وهناك نصوص تناصية غير مقصودة أساساً.
 كتبت ذات يوم نصا شعريا بعنوان (اعترافات عبيد الله بن زياد) وتحول هذا النص الشعري بعد نيل قسط الحرية التي انعم الله بها علينا وصرنا نكتب بلا قيود الى نص مسرحي بعنوان (النورس)، في كلتا العمليتين كانت القصة تدور حول نورس ابيض حضر الطف الحسيني يوم العاشر فكان يتمرغ في دم الحسين (عليه السلام) ثم يأخذه الى فضاء اهل الكوفة لينثره عليهم، احتار ابن زياد كيف يرد النورس. 
المهم اني كنت اعتقد بأني انا مبتكر النورس لكن بعد مضي سنوات واذا بي اكتشف ان النورس حقيقة رواها التأريخ وهي مكتوبة ومنشورة في كتاب شجرة الطوبى..!
 والتناص في الادب التوجيهي يعطي النص دفعة جديدة من الحياة، عندما يفسره على ضوء مفهومات نقدية معاصرة، يعني يجدد في هذا الموروث التناصي الحياة، يعيد لها ديمومتها بين الناس، ويعني قوة النص الموروث دافقة في جميع العصور الحياتية عندما يجد فيه كل عصر ما يبتغيه، لدينا مثال بسيط، دار صراع بين ناقدين ادبيين حول شاعرية شاعر توفي قبل ستين سنة، الأول طعن في شعرية هذا الشاعر واعتبره غير موفق شعريا، الناقد الثاني اعترض عليه بشدة بحجة أن الآليات النقدية المعاصرة تختلف عن الآليات النقدية الأدبية التي كانت موجودة في ذلك الزمان، فكيف بنا اذا نظرنا الى الموروث الحي لأئمتنا أئمة الرشاد واليقين فنهج البلاغة هو حي شامخ على مر الأجيال النقدية وكذلك الصحيفة السجادية وجميع خطب وارشادات الائمة (عليهم السلام).
 عاش هذا الادب قرونا ومازال يمتلك روحية البقاء/ الخلود.. كل عصر يجد فيه نفسه، اليوم النص التوجيهي سواء كان مرئياً، مقروءا، مسموعا والمسموع يكون مدونا او ارتجاليا كما يحدث في معظم المقابلات التي تنفذ من قبل علماء العتبات والسادة اهل الارشاد.
 كل نص من تلك النصوص يعالج قضية معاصرة، استشهاد العديد من النصوص، وحتى في التدوين الادبي نجد هناك تناصات في العناوين مع رموز ومفردات قرآنية، فهناك من يتناص مع مفردات قرآنية مباركة ومن يتناص مع رموز نبوية طاهرة كالنبي يوسف والنبي موسى (عليهما السلام) ومع رموز أئمة اهل البيت من دروس ومواعظ وعبر ومواقف وارشادات. ومصطلح التناص في اللغات الأجنبية تعني يحوك النص وعند اللاتينية مفهوم النتاج وكذلك عند الفرنسيين: انتاج، وعند الموروث العربي القديم يعني جعل بعضه فوق البعض، أي بمعنى الاستعراض عرض كل ما يعرف على المنصة.
 وعند اغلب العرب تعني الأثر الادبي، والتناص الى توصيل معلومات ومعارف ونقل تجارب الى المتلقي، لا احد يستطيع ان يمنهج التناص التوجيهي، أي ان يصنع له حدودا فهو يأخذ من كل الأزمنة تارة يستشهد بحياة نبي من الأنبياء في أي زمان كان، وتارة يستشهد بحياة امام عبر الأزمنة واتباع الائمة في زمان ومكان. 
يرى بعض النقاد أن التناص لوحة من الاقتباسات وكل نص هو تحويل نصوص أخرى، نسيج تداخلات ووظيفة التناص مجسدة في مستويات مختلفة ملائمة لبنية كل نص.
يقول احد النقاد (لانسون) ثلاثة ارباع المنتج مكون من غير ذاته ولهذا لابد من التعرف على الماضي الذي يمتد فيه والحاضر الذي يشرب اليه، ويرى معظم النقاد ان العمل الفني يدرك في علاقة بالأعمال الأخرى، مفهوم تعدد القيم النصية المتداخلة، سنعيد التعريف بمنظار آخر. 
التناص تشكيل نص جديد من نصوص سابقة يبدو النص المتناص خلاصة لعدد من النصوص تعاد صياغتها بشكل جديد، إعادة انتاج نصوص او لنقل أشلاء نصوص قابعة في الوعي واللاوعي، الفردي والجماعي.
 في عام 1979م أقيمت ندوة عالمية عن التناص في جامعة كولومبيا تحت اشراف ريفاتير، واطلق البعض عليه مصطلح التنقلية، هناك تفاعل نصي بين بنية النص والبنيات النصية وهناك تعالق النصي، أي هناك نقل معنى ونقل دلالة واستدلال.
 نريد ان نتأمل في تجربة حية من تجارب التناص التوجيهي، فنأخذ تجربة سماحة السيد احمد الصافي من كلمة توجيهية لطلبة العلم، تداخل النص مع مكونات فكرية عن قصة تكفل علاقة قويمة مع الله نبارك وتعالى، ويرى ان لا يمكننا بناء هذه العلاقة الا عن طريق الائمة (عليهم السلام)، والاطلاع على الإرث الفكري لأئمة اهل البيت (عليهم السلام) يمنح الانسان ضمن تلك المعايير، عبر الانتماء، فيذكر استشهاد تناص مع معنى نصه (قضية مقتل (المعلى بن خنيس)، وهو من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) كان خارج المدينة القي القبض عليه وقتل، وسبب استحضار هذا الاستشهاد ليعرف المتلقي ان سبب مقتله عرض اسرار اهل البيت (عليهم السلام) التي هي من عقلية الناس وقوة احتمالهم فيكون النص التوجيهي مفتوحا للقراءة عبر كل جيل؛ كونه يتحدث عن روح الانتماء، ثم يتحول الى تناص آخر، الى قول الامام الباقر (عليه السلام) ومنه الى قول النبي (ص) وهذه مدونة فكرية، يذكر في تناص عن تمكين ذي القرنين وهذا التمسك ساري المفعول للأئمة (عليهم السلام) ليكون الناتج هو بناء العلاقة الوثيقة مع الله تعالى فكان يهدف الى تثقيف المتلقي وتبليغه عبر رسالة شفهية ارتجالية، ثم يعود المسرى السردي في النص التوجيهي الى الذي تعرض له النبي (ص) والائمة (عليهم السلام) باعتباره تساميا ارتقائيا، ومسألة العداء مستمرة ومتوارثة فمن يعادي النبي (ص) يعادي الائمة من اهل البيت (عليهم السلام)، ويعادي من اتبعهم.
 وبعد هذه الاستشهادات التي هي جوهر التناص يذهب ليتحدث عن منطلقات الواقع المعاش معتبرا ما يحدث من ابتعاد الناس عن الدين، هو اليس الإلحاد هو نفرة وانكماش وقد نكون نحن سببا من أسبابها، نلخص جميع تلك الاستشهادات التاريخية ليحولها الى مجسات للواقع بأدوات الموروث التاريخي، ثم يذهب بالنص الى عوالم النبي إبراهيم (عليه السلام) ليعرف دعاء النبي ومنه الى افاق الوعي الدعاء، واستشهد برواية من احد أصحاب الامام العسكري (عليه السلام).
 كان في بعض المناطق مكلفا بمسؤولية طلب من الامام العسكري (عليه السلام) ان نرجع، قال الامام علي (عليه السلام): ابق فان الله يدفع بك من اهل تلك البلاد كما دفع بأبي الحسن العسكري في اهل سامراء).
 النص التوجيهي يتحدث عن هذا الحضور الزاكي ليقرب لنا مفهوم الدعاء الذي لا يعرف بابا للكراهية ولا للانتقام؛ كوننا أبناء رسالة إنسانية، كان كلما يمسك الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) الماء ويسيطر على النهر يطلقه سبيلا ليشرب الجيشان، وحين يمسكه معاوية يطلق العطش حقدا وكراهية، وكذاك فعل الحسين عليه السلام اذ اطلق الماء سبيلا وهم قتلوه واهله عطاشى.
 نحن أبناء تربية متفائلة بالله سبحانه تعالى والمؤمن عزيز عند الله لا يريد له الذلة ويريد ان يراه في تمام الوعي والصبر والتصبر وفي كلمة أخرى تراه يتناص من اقوال امير المؤمنين (عليه السلام): (من تساوى يوماه فهو مغبون) ليستنتج منها ان البطالة ستولد مجتمعا متشائما. 
ويتناص مع دعاء الامام السجاد (عليه السلام): (الهي ان قدرت لي فراغا فاجعله فراغ سلامة) وفي عدد كبير من الكلمات يتناص مع الحسين (عليه السلام): (خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي) هذا الخروج كان بعد خمسين عاما فقط احتاجت الامة لقربان مصلح برجوع امام معصوم فكم خمسينا نحتاج؟ وكم قربانا نحتاج؟ وهكذا يستشهد بأقوال الائمة من اجل ان يصل الى حكمة وديمومه الارشاد التوجيهي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/04



كتابة تعليق لموضوع : تجليات التناص في النص التوجيهي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net