حاوره: علاوي حسين الخباز
- كيف يمكن أن نوظِّفَ الشعيرةَ الحسينيَّةَ في خدمة وصالح الانتظار والتمهيد للإمام المهدي (عج) ولمشروعه الموعود الحقّ؟
الكاتب: واقعاً أنَّ كلَّ فعلٍ أو أيّ سلوكٍ عقلائي أو شرعي يتوفَّر في دوافعه على غاية وهدف ونتيجة يُتحَرّك باتجاهها إراديا واختياريا، وهذه الغاية أو الهدف لها ارتباط مباشر إما بذات الفاعل والممارس للسلوك أو لها ارتباط آخر بالمجتمع ومتطلباته البشرية.
بمعنى أنَّ من يُمارس ويُطبِّق الشعيرة الحسينية يجب أن يدرك الدافع والهدف في مجمل نطاق تطبيقه، ولا شك في أنَّ أبرز وأشرف دافع هو إصلاح النفس وإصلاح والمجتمع، بحيث يخرج بمحصلة عمليَّة ذاتية وغيرية يلمسها الجميعُ وجداناً وعياناً، وإذا توفَّرَ الوعي في حركة المُطبِّق للشعيرة الحسينيّة الهادفة والمُثمرة فما عليه إلاَّ أن يتجه باتجاه التعاطي المُعاصر بدوافع فاضلة وخيِّرَةٍ مع نفسه ومجتمعه تغييراً وإصلاحاً، وهذا هو معنى التوظيف والاعتبار..
ويتجلى التعاطي المُعاصر والتوظيف والاعتبار في صورة إدراك الإنسان المؤمن المهدوي لكلّ موقف وحدث مرّت به الأمة في تعاطيها مع إمامها الحسين (عليه السلام) آنذاك، ويُحاول، بل يعمل جاداً على تقويم ما أخفقتْ به الأمة، من موقف الخذلان والانهزامية النفسية والتثبّط والتثاقل السلوكي في الكون والاصطفاف العقدي والخارجي مع إمام الزمان آنذاك.
وهنا نضع خطاً وإشارةً ومؤشِّراً تحت سطر الخذلان والانهزاميّة، فنسعى جاهدين إلى تجاوز هذا النمط من التعاطي مع الإمام المعصوم (عليه السلام) إلى أن نُحقّق في أنفسنا وفي مجتمعنا ملكة ودافع وقدرة الانتصار للإمام المهدي (عليه السلام) والكون معه نفسيّاً وسلوكيّاً إن أمكن ذلك، هذا توضيح بصورة عامة .
أما بالصورة الخاصة، فمن المعلوم أنَّ أغلب الشعائر الحسينية الحقة والهادفة أسهمتْ في تعزيز وترسيخ الاعتقاد بالإسلام عامةً وبمذهب أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) خاصةً، وعلى مر التاريخ المنصرم، وستبقى هكذا دوماً إن شاء الله تعالى.
حيثُ أنّها انطلقتْ في تطبيقاتها سلوكاً وإعلاماً وموقفا وإصلاحاً بدواعي فاضلة، حتى أنَّ أغلب الثائرين والمصلحين تاريخيّاً وحديثاً قد نهلوا من مبادئ وشعارات الإمام الحسين ووظفوها في حركاتهم ونجحوا في ذلك .
وفي ما يخص وقتنا - وقت الغيبة الكبرى - فيمكن لنا ولكلّ مؤمن بالإمام المهدي أن يجد في نهضة الإمام الحسين وفي الشعائر الشريفة كل ما يضعُ الأمةَ والأفرادَ في طريق الحقّ والظفر والصلاح والعدل، مُستثمرا ومُعتَبِرَاً بالموقف ونتيجته إيجابيا .
فإذا كانت الأمة قد خذلتْ إمام زمانها آنذاك فعليها أن تؤمن بالإمام المهدي إمام الزمان وتستعد لنصرته وتأييده فعليّا. وإذا كانت الأمة قد خنعت وبايعت الظالم والطاغية والفاسد فعليها أن لا تخنع ولا تبُايع الظالمين والمفسدين في وقتنا المعاصر.
وإذا كانت الأمة أو حتى الأفراد آنذاك قد وقفتْ مُتفرجةً على ما حدث مع الإمام الحسين، وما وقع من بعده من سبي لعياله وأهل بيته، ولم تعترض أو تقف بوجه الظالمين فعلى أمتنا المعاصرة أن تحدد خيارها العقدي والشرعي بوجهة الحقّ، وهو الاعتقاد بإمامة الإمام المهدي وكونه الحقَّ، ويجب الإيمان به بوصفه مشتركاً اعتقاديّاً بين كافة المسلمين في الأصل، وإن لم تتمكن الأمة أو حتى الأفراد من توظيف ما يؤمنون به من أهداف النهضة وشعائرها الصالحة في خدمة القضية المهدوية وانتظار الإمام المهدي، فعلى الجميع مراجعة أنفسهم وعقولهم وفهمهم ووعيهم بصورة صحيحة وسليمة وهادفة، وإلى ذلك المغزى أشار القرآن الكريم توظيفياً ونتاجاً في التعاطي مع الشعائر عامة قال تعالى: ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)) (الحج: 32)، ((وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {36} لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)) (الحج: 37).
وتعظيم الشعائر هو الأخذ عمليا بثمارها ومحصلاتها المحسوسة نفسيّاً ومجتمعيّاً بحيث تكون عنواناً للتقوى مُطلقا، هذا ما يُريده اللهُ تعالى منا.
- ما حكمة الفتوى المُقدّسَة لسماحة المرجع الدِّيني الأعلى السيّد السيستاني (دامَ وجودُه المُبارك) وأبعادها العالميّة؟
أ- أهميّة ارتباط الحشد بنهضة الإمام الحُسَين (عليه السلام) وبشائر النصر وردَت مِن طفِّ كربلاء المُقدّسَة؟
الكاتب: إنَّ حكمة فتوى الوجوب الكفائيّ المُقدّس والتي أطلقتها المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا الشريفةُ المُتمثّلةُ بسماحة المرجع الأعلى السيّد السيستاني (دام وجوده المبارك) لها تجلّيات مختلفة في الواقع العراقي وظروفه، فمن الناحية الفقهيّة والشرعيّة فمعلوم أنَّ الغرض منها هو دفع خطر العدوِّ وحماية الأنفس والأموال والأعراض والمقدّسات والأوطان بالتصدّي الفعلي من قبل المُجاهدين المتطوّعين للقتال لردّ وضرب العصابات الدّاعشيّة الإجراميّة وإلحاق الهزيمة بها وتحرير المدن التي سيطرت عليها، وبحمد الله تعالى قد تحقّق النصر المُبين والظفر المَكين عليهم، فتجلّت الحكمةُ عياناً وواقعاً وثمارا .
وأمّا من الناحية العسكريّة، فقد أوجدت الفتوى الشريفة مُتطوعين عقائديين مُخلصين قادرين على تحمّل المسؤوليّة الدفاعيّة والأمنيّة، يجعلون نصبَ أعينهم الرؤيّة الشرعيّة والوطنيّة في حفظ أمن البلد ومقدّساته وأعراضه .
وفي الجانب الاجتماعي للفتوى الشريفة، فقد قدّمت فتوى الوجوب الكفائي حصانةً اجتماعيّةً أسهمت بقدر كبير في حفظ السِلم الأهلي ووحدة المُجتمع في البلد الواحد رغم اختلاف مكوناته دينيّاً ومذهبيّاً وقوميّاً، فالمرجعيّةُ العُليا الشريفةُ اقتدرت وبجدارة على منع تفكك البلد وتقسيمه وأفشلت مخطّطات العدو الدّاعشي وأسياده في تحقيق حلمهم بتقسيم العراق على أسس طائفيّة أو قوميّة .
وأيضاً للفتوى الشريفة بُعدٌ عقائدي وأخلاقي وقيمي ووطني تمظهر بالتضحيّة والشهادة، وتحمّل الجراحات من قبل المُجاهدين الأبطال، وتقديم أهل الخير لهم دعماً معنويّا ولوجستيّاً، ومواساة عوائل الشهداء والمُصابين، ورسّخ هذا البُعد روح الدفاع والمقاومة والرفض للعدوّ المنحرف عقائديّاً وسلوكيّاً وأخلاقيّاً، وذلك بإظهار المقاتلين الغيارى في مواقع العمليات تعاملاً حسناً والتزاماً صادقاً بتوصيات المرجعيّة الشريفة في ما يخصّ التعامل الشرعي مع الأبرياء والممتلكات الخاصة، وعدم أخذ البريء بجريرة المسيء في مجريات الأحداث أثناء معارك التحرير .
وأمّا بخصوص البُعد العالمي لفتوى الوجوب الكفائي للمرجعيّة الشريفة، فقد قدّم سماحة المرجع الأعلى السيّد السيستاني (دام ظلّه الشريف) للعالم أجمع، بأنَّ العراقيين شعبٌ واحد ولا يمكن تقسيمه على أسس دينيّة وأثنية، وأنَّ الإرهاب مرفوض شرعاً وعقلاً وسلوكاً، ومن حقّ كلّ بلد الدفاع عن نفسه وحماية بلده ومواطنيه بالتصدي العسكري، وضمن الأطر الرسميّة لدفع خطر الإرهاب الداعشي وطرده من العراق .
وعلى العالم أن يدرك أنَّ العراق هو من حفظَ أمنه، وهو بلد مستقل وذو سيادة، ولا يجوز التدخّل في شؤونه الدّاخليّة من أي طرف كان، مع حفظ التقدير لمن ساعد ودعم، وعلى منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان وغيرها أن توثّق جرائم داعش الإجرامي، وأن تعمل على مكافحة الإرهاب والقضاء على جذوره الفكرية والسلوكيّة.
أ- أهميّة ارتباط الحشد بنهضة الإمام الحُسَين (عليه السلام) وبشائر النصر وردَت مِن طفِّ كربلاء المُقدّسَة؟
إنَّ الارتباط العقائدي من قبل المُجاهدين والمتطوعين الغيارى بنهضة الإمام الحُسَين (عليه السلام) لم يكن وليد اللحظة، بل هو توظيف مُختَزن ومَكين في عقيدة المقاتلين، وقد مرّ بمراحل عدّة قبل ساعة الصفر وحان وقته وتطبيقه امتثالاً للوجوب الكفائي بضرورة مواجهة العدوّ الدّاعشي الإجرامي، ويقيناً أنَّ استحضار قيم النهضة وبطولات الإمام الحُسين وأخوته وأصحابه كان له الدور الأبرز في تشكيلات جحافل المُجاهدين اسماً ووصفاً وسلوكا، وقد تصدّت خطب الجمعة المُباركة بلسان خطيبيها الفاضلين سماحة السيّد أحمد الصافي وسماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزّهما) لشحذ هممَ المُجاهدين وتذكيرهم بأحداث عاشوراء، وأهميّة التضحية والإصرار والمقاومة وبذل الغالي والنفيس في سبيل الدين والوطن والمُقدّسات، حتى يبلغ الشهيد درجة الحشر مع أصحاب الإمام الحُسين (عليه السلام).
وفي الواقع أنَّ المقاتلين الأبطال قد أبدوا بسالة فائقة وشجاعة رائعة عكست عمق وصدق الولاء والارتباط العقائدي بشعارات وبأهداف الإمام الحُسين، وعدم الاستسلام للعدو ورفض الذل والهوان، ممّا أسفر ذلك كلّه عن بشائر نصر مُبين صدح بها التاريخ منذ الأزل، وباركته العقيدة الحقّة من ذي قبل .
- مفهوم التفاضل في قوله تعالى: ((وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)) (آل عمران:36)؟
الكاتب: لقد ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في أصل الحياة خَلْقَاً وفي الإنسانية تكريماً، وفاضلَ بينهم بالعمل والتقوى، وحفظَ حقيهما ثواباً وجزاءً أمام محكمة العدل الإلهي في الثواب والعقاب.
قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (الحجرات:13)، ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)) (آل عمران:195)،
((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً)) (النساء: 124)، ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) (النحل:97)، ((مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)) (غافر:40).
نعم، لم يساوِ الإسلام في طبيعة خِلقة كلّ من الذكر والأنثى، وذلك لحكمة الخالق المُدبِّر؛ كي يؤدّي كلُّ واحدٍ الوظيفةَ المُعدّ له، كما قال تعالى: ((وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)) (آل عمران:36).
وفي الخِلقَة، فإنَّ القدرة الخالقة المدبرة، أعدّتْ الأنثى بتكوينها وبجميع أجزائها لوظيفةٍ في الحياة لن يستطيع أن يقوم بها أقوى الرجال، ومن الظلم أنْ نكلّفها بالوظيفة التي كُلّفَ بها الرجلُ أيضاً.
إنَّنا لا نستطيع أن نوحِّد بين وظائف الأعضاء عند الرجل ووظائف الأعضاء عند المرأة، فكلُّ واحدٍ من الرجل والمرأة له دور مُعيّن يقوم به في الحياة، لاستمرار الطبيعة البشرية، تماماً كما الليل والنهار لاستمرار الطبيعة الكونية، وهل في الإمكان أن نساوي بين الرجل والمرأة في حدوث الدورة الشهرية؟ وهل بالإمكان أن نبدّل طبائع الأشياء، فنجعل الرجل يشارك المرأة في الحمل والولادة والإرضاع؟
وكلُّ ذلك لا يعني أنَّ قدر المرأة أقلُ من قدر الرجل، كلّا؛ ذلك كون هذه اللَيسيَّة القرآنيَّة هي لَيسيَّة تكوينية، لا لَيسيَّة إنسانية أو قيميَّة حتى يُنالَ من قدرِ المرأة حياتيّاً.
نعم وإن كان هناك فارقٌ في التكليف العبادي بين الرجل والمرأة أو فارقٌ في الحقوق والوظيفة، ولكن هذا تشريعٌ إلهي حكيم جاءَ وفق الضرورات المصلحيّة في جانب الطرفين معاً الرجل والمرأة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat