صفحة الكاتب : زينب العارضي

العيد في بيت الشهيد
زينب العارضي

 صباحُ العيدِ صباحٌ بهيُّ الجمالِ، تتعالى فيه أصواتُ الدعاءِ، ونلمحُ فيه سعادةَ الأطفال، وأما في بيتِ الشهيدِ فتعصفُ الذكرياتُ بالأيتام، فيتذكرون ما مضى من الأيامِ، حين كانتْ رائحةُ الكعكِ الذي تُعدُّه الأمُّ تمتزجُ بأنفاسِ الأبِ الحنون، الذي رحلَ كحمامةِ سلامٍ، ولم يعُد بينهم في هذا العيد، ولكن يبقى هديلُها على شبابيك حياتهم، يُعيدُ شريطَ ذكرياتٍ جميلة، حيثُ الأثواب المُلوّنة والألعاب اللطيفة والبسمات البريئة والفرحة الغامرة بقدومِ العيد وارتداءِ الجديد.
ولا ريبَ أنَّ هؤلاءِ الأطفالَ الذين فقدوا آباءهم في سني طفولتِهم هم بحاجةٍ إلى من يُبلسِمُ جراحهم، ويمدُّ يده ليمسحَ على رؤوسِهم، ويُخفف عنهم، ويسعى بكلِّ ما يستطيع ليرسمَ من جديدٍ البسمةَ على وجوههم، وهذا أقلُّ وفاءٍ منّا لدماءِ آبائهم؛ فهم بقيةُ الشهيدِ وكلُّ ما يُفعَلُ بحقِّهم سيبقى ضئيلًا قبال تضحياتهم.
فهنيئًا لمن يُفكِّرُ في زيارةِ بيتِ الشهيد قبل زيارةِ الأصدقاء، ومباركٌ لمن يحملُ همَّ أبناءِ الشهداء، وطوبى لمن كان همُّه أنْ يُدخِلَ السعادةَ والهناءَ إلى بيوتِ هؤلاء، فقد وردَ عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنَّ اليتيمَ إذا بكى اهتزَّ لبكائه عرشُ الرحمن، فيقول اللهُ لملائكته: يا ملائكتي من أبكى هذا اليتيم؟ فتقولُ الملائكة: أنتَ أعلمُ، فيقول الله (تعالى): فإنّي أشهِدُكم أنَّ لمن أسكته وأرضاه أنْ أرضيَه يومَ القيامة".
والمتأملُ في الآياتِ والرواياتِ يلحظُ مدى الاهتمام الذي كُرِّسَ لموضوعِ الإحسان إلى الأيتام، وكيفية إحاطتهم بسياجٍ من الحُبِّ والدفء والاحترام، فالقرآنُ الكريمُ يشدِّدُ على أنْ يحيا اليتيمُ وسَطَ المجتمعِ بشكلٍ سليم، ويحثُّ على عدمِ قهره ونهره فيقول: "وأما اليتيم فلا تقهرْ".
كما ويُبيّنُ الإسلامُ أنَّ رعايةَ الأيتامِ لا تقتصرُ على إطعامِهم وإيوائهم، بل تتعدى إلى الاهتمامِ بهم بحيثُ يسعى المرءُ إلى تعويضِهم عن حنانِ وعطفِ والدِهم. وعليهِ لا بُدَّ من رعايتهم اجتماعيًا ونفسيًا، والسعي لإدراجِهم في المجتمع، وفسحِ المجال أمامَهم للتعبيرِ عن أنفسِهم ورسمِ المسار الصحيح لهم ليكونوا أعضاءً نافعين.
ومن جهةٍ أخرى حثَّ الإسلامُ على رعايةِ الأيتامِ ماديًا بتوفيرِ احتياجاتِهم حتى يشتدّ عودُهم ويستطيعوا الاعتماد على أنفسِهم، فقد وردَ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله): "من عالَ يتيمًا حتى يستغني أوجبَ اللهُ (عزّ وجل) له بذلك الجنة". 
والأحاديثُ في هذا المجالِ كثيرةٌ، نلمسُ من خلالِها مبلغَ حرصِ الإسلام على رعاية الأيتام من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى الآثار العظيمة المترتبة على ذلك: كرفعِ الدرجاتِ وزيادةِ الحسنات، وبلوغ الجنان ورضوان الرحمن، فهذه كُلُّها محفزاتٌ للعنايةِ بهذهِ الشريحةِ المهمة التي كواها اليُتمُ وأضرَّ بها الألم.
فتعالوا لنجعلَ هذا العيدَ مختلفًا في بيتِ الشهيد، هيّا لنمُدَّ اليد فنمسحَ على رؤوسِ أيتامه، لنأخذَهم في نزهةٍ مع أطفالِنا، لنُدخلَ الفرحَ والسرورَ إلى قلوبِهم الرقيقةِ بشراءِ الملابسِ الجديدة، كما نشتري لأعزِّ أولادِنا. هيّا لنمدَّهم بالأملِ والتفاؤلِ ونوحي إليهم أنّهم سيتمكنون من صنعِ حياتِهم وتحدّي ظروفهم، ونذكرُ لهم قصصَ الأنبياءِ والعُظماءِ الذين تحدّوا يُتمَهم وواجهوا كلَّ عسيرٍ اعترضَ طريقهم، حتى لمعَ نجمُهم، وسطعَ في الآفاقِ ذكرُهم.
دعونا نشدُّ على أيديهم ونقول لهم: إنّنا سنبقى معكم، وإلى جنبِكم حتى تحقيق أهدافكم، والتمكن من حملِ لقبِ والدكم ووسام الشهادة الذي نالَه من أجلِ سعادتِكم وجمالِ مستقبلكم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زينب العارضي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/02



كتابة تعليق لموضوع : العيد في بيت الشهيد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net