قراءة انطباعية.. في بحث (أثر المرتكزات الايمانية في بناء نفسية المجاهد - برير بن خضير نموذجاً) للباحث الشيخ نزار محمد شوقي سنبل القطيفي من بحوث مهرجان ربيع الشهادة الرابع عشر..
علي حسين الخباز
علي حسين الخباز
كثيرة هي الأساليب التي تتحرك داخل المنجز البحثي، ومنها ما يبحث في قيم اليقين الفكري، فتصبح للمنجز رسالة، والشيخ نزار محمد شوقي سنبل القطيفي في بحثه الموسوم (أثر المرتكزات الايمانية في بناء نفسية المجاهد - برير بن خضير نموذجاً) وجدنا فيه مقاربات جمالية وفكرية، استطاعت هذه المقاربات تبعد الباحث من المسلمات التعبيرية، وتضعه في دراسة استقرائية لموقف انساني ثابت الهوية لهذا المقاتل الحسيني.
هيأ لنا في المقدمة الوعي الإنساني لمفهوم الجهاد؛ باعتباره يساهم في تدعيم شخصية المجاهد، إعلاء لكلمة الله، وإعلاء لكلمة الإسلام، وهذا شرح مفهوم القاعدة الشرعية لبنية الجهاد، بعيداً عن المفاهيم الانطباعية التي تضعها الاجتهادات الفقهية والمزاجية، فهناك الدعم قرآني يبين فضل المجاهدين، امتيازات منحها الله تعالى للمجاهدين، عمليات تفضيل، وهناك بعض روايات أهل البيت (عليهم السلام)، كقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ لِباسُ التَّقْوَى، وَدِرْعُ اللهِ الحَصِينَةُ، وَجُنَّتُهُ الوَثِيقَةُ، فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ، وَشَمِلَهُ البَلاَءُ،...).
أهم الأساليب التحليلية في البحث هي تلك التي تعني بدراسة الاطار العام ومحيطه وأسبابه، وتخضع لمقاربات المنجز المعروض، وجميع انعكاسات تلك المرتكزات التي من الطبيعي انها لا تقوم إلا بالإيمان، فيكون تأثيرها أقوى للوصول الى درجة البذل بالنفس في سبيل الله تعالى.
هناك ظروف مكيفة للأثر الجهادي، مؤثرة في داخل نفسية المجاهد: الأثر الأول هو الدين في الحياة الشخصية في تأثيره الشخصي والاجتماعي، القلق على الذات والقلق على البيت والأهل يرفعه الدين، وهذه قيم معنوية يدرك من خلالها البدائل التكوينية أثر الدين في الحياة الاجتماعية، قوى دلالية باطلالة دستورية، كلها تنصهر في بوتقة فكرة الصعود الى السماء الى معنى الارتقاء، وهذا لا يتم إلا من خلال الايمان بالرسالة المحمدية، وبإمامة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو يمشي على خطاهم، فعندما تكتمل الأفكار المكونة لمعنى الجهاد يبدأ الموقف، الذي هو منجز برير بن خضير التضحوي، وهذا معناه تأكيد الحضور الفكري المؤمن، الذي منه يتكون تأصيل الذاتية الايمانية.
برير بن خضير كان يسعى بتضحوية نوال شفاعة الرسول (ص) الغوص في المعنى متوجهاً الى سر الذات، بما تكونه الأبعاد النفسية للمجاهد من معرفته اليقينية، أسلوب البحث لفضيلة الشيخ اتسم بالسعي للارتقاء في تناول العمل الجهادي عبر تشكيلات الوعي النقدي، فاستخدم الأسلوب التفكيكي ليكون مرتكز التعبير واضح القدرة، قال الامام علي (عليه السلام) يصف اخوانه الذين يصفهم بأنهم ركبوا الطريق، ومضوا على الحق، وتعاقدوا على المنية، وهذا الفعل المؤثر باستخراج المفهوم الأخلاقي/ المنجز التضحوي العام: (ركبوا الطريق/ مضوا على الحق/ تعاهدوا على المنية/ وتلوا القرآن فاحكموه/ بروا الفرض فأقاموه، وأحبوا السنة وأماتوا البدعة، وثقوا بالقائد فاتبعوه، كما هو اليوم، رجال وثقوا بالمرجعية الدينية فاتبعوها.
ويبدأ هنا أسلوب التماهي بالمنجز الشخصي مع المنجز العام للمفهوم التضحوي: (كان برير زاهدا/ عابدا أقرأ أهل زمانه في القرآن/ شجاعاً/ تابعياً/ ناسكاً/ ومن أصحاب أمير المؤمنين)، ثم تجده يستند على ذكر مواقف الطف المبارك ليسهم في تركيز الوعي الإنساني لهذه المواقف التي ذكرتها كتب المقاتل مثل: حواريته مع يزيد بن معقل: كيف ترى صنع الله بك؟ فقال:ـ لقد صنع الله بي خيرا وبك شرا..! وانتهت المحاورة بالمبارزة فانتصر عليه برير بن خضير.
هذا الموقف يمتلك العمق الإبداعي الذي يرتكز على البحث في مفهوم قوة الاعتقاد العميق بمحبة أهل البيت (عليهم السلام)، وبالولاء والإخلاص، وعدم الخوف، والصبر، والقيم التضحوية والنصيحة للخصم، والتضحية في سبيل الله تعالى.. قدم لنا الشيخ الجليل بحثه في فاعلية الحراك اليقيني فأجاد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat