صفحة الكاتب : الشيخ مظفر علي الركابي

وَيُعْرَفُ التَّالُونَ ، غبَّ مَا سَنَّ الأوَّلُونَ
الشيخ مظفر علي الركابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ماذا تعني هذه الكلمة ؟
هناك من هو مؤسس ، الذي يُمنهج  ويضع اللُبنات الأساسية في هيكل البناء لأي مشروع كان ، وهناك من يكمل البناء ويكمل الدور ، وربما يوسع في فكرة المشروع ويُؤصل فيه ، ويجعله محكماً ، وإن هذا التأسيس والبناء على كلا طرفي الخير والشر ، فهناك من يؤسس للخير ويضع الخطوات الأساسية ثم من يأتي من بعده يكمل ذلك المشروع ، فيحصل المؤسس له على الأجر والثواب ما دام هذا المشروع قائماً .
وفي الطرف المقابل ، هناك من يُؤسس للشر ويضع حجر الأساس ويأتي من بعده من يكمل الدور ، فيتحمل من وضع الأساس جميع الأوزار التي تأتي من ذلك المشروع .
وهذا ما أشارت إليه الزهراء في خطبتها مع نساء المهاجرين والأنصار حيث قالت : ( وَيُعْرَفُ التَّالُونَ ، غبَّ مَا سَنَّ الأوَّلُونَ ) وهو كذلك نفس مضمون ما ورد في زيارة الامام الحسين ( عليه السلام ) حيث ورد ( وَأَبْرَأُ إِلى الله وَإِلى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ ذلِكَ وَبَنى عَلَيهِ بُنْيانَهُ وَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلى أَشْياعِكُمْ) محل الشاهد في المقطع هو قول المعصوم ( ممن أسس أساس ذلك وبنى عليه بنيانه ) فإذاً هناك مؤسس  وهناك من يكمل البناء ويسير على نفس المنهج .
فالزهراء عليها السلام أشارت الى نتيجة التأسيس الخاطئ، وأن التالي سوف يتحمل تقصير وخطأ من تقدمه ، ومن الممكن أن نعمم ما قالته الزهراء ( سلام الله عليها ) ولا نخصصه في مورد احتجاج الزهراء على القوم .
فمثلاً أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه في كلام له أن تسلط بني أمية على رقاب العالم الإسلامي هو نتيجة ما صنعه الخليفة الثالثة وتساهله في ذلك فالنتيجة هو تقصير الأمة في ذلك فهي التي سوف تتحمل نتيجة تقصيرها يقول ( عليه السلام ) : (إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ  بَيْنَ نَثِيلِهِ  وَمُعْتَلَفِهِ  ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ  مَالَ اللهِ خَضْمَ الْإِبِل نِبْتَةَ الرَّبِيعِ )
وبضم كلام امير المؤمنين مع كلام الزهراء تكون النتيجة قاعدة عامة ( إن التقصير في تحمل المسؤولية سوف تكون نتيجة ذلك يتحملها الجيل التالي في المستقبل ) 
وهكذا يكون تراكم التقصيرات يجر إلى فساد وظلم واضطهاد وهو نفسه ما أشار إليه زهير ابن القين يوم العاشر من محرم حيث كشف عن هذه الحقيقة .
قال: يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار ان حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الان أخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة. وكنا أمة وأنتم أمة، ان الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد صلى الله عليه وآله لينظر ما نحن وأنتم عاملون، انا ندعوكم إلى نصرهم وخذ لان الطاغية عبيد الله بن زياد. فإنكم لا تدركون منهما الا بسوء عمر سلطانهما ليسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ويقتلان أماثلكم وقراءكم أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهاني بن عروة وأشباهه ).
إذا ً النتيجة نفس النتيجة في كل زمان ما يقصر به الآباء سوف يجني ثمرته الأبناء وربما الأحفاد، ونحن في العراق لما أُبتلينا بحكم البعث كنا نحمل اباءنا مسؤلية ذلك بسبب تقصيرهم لعدم أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ،فتحملنا نحن النتيجة المُرّة وقد ضاعت زهرة شبابنا أيام حكم البعث بل ضاع شبابنا وضاع الكثير من خير العراق بسبب ذلك التقصير . 

واليوم تتكرر نفس النسخة ونفس التقصير ، وهو سكوتناعلى السياسات المتخبطة للحكومة الحالية ، من سوء القرارات السياسية ، والاقتصادية ، فنرى القرارات الغير مدروسة في وزارة التربية من تعدد الأدوار للطلاب الراسبين ،واضافة درجات لأجل النجاح ، وحذف مواد وتقليص مواد ،وتقليص الدوام إلى يوم واحد في الأسبوع ، فما عسى سوف ينتفع الطالب بهذا اليوم .
والحقيقة هي خطة مدروسة لتجهيل جيل كامل ،فإذا الأمة أصبحت جاهلة كانت سهلة الإنقياد.
وكذلك القرارات الاقتصادية الغير مدروسة ، وربما وهو الأقرب المدروسة بحبكة لأفقار هذا الشعب ، من رفع سعر الدولار والموازنة الإنفجارية مع تراكم الديون واتفاقيات إقتصادية مع دول عربية ليس لها باع في التنمية الإقتصادية بل هي تشكو العوز والفقر ، إلى إلغاء الإتفاقية الصينية وحرمان العراق من طفرة اقتصادية تنقذه مما هو فيه ، إلى فرض ضرائب على المواطنين والموظفين مما تثقل كاهل الناس البسطاء.
فلا أدري إلى أي هاوية تسير بها هذه الحكومة ، ولماذا البرلمان ساكت ، والأحزاب في صمت مما يجري ، والناس تجرع المُرَّ ، وكل يوم يمر هو أسوء من اليوم الذي قبله .
والنتيجة إذا بقي الشعب ساكتاً سوف نحصد ثمرة هذا السكوت وما نزرع لأبناءنا إلا الشوك والحنظل .
والنتيجة هو ما قالته الزهراء ( سلام الله عليها ) عوداً على بدأ
( أمَا لَعَمْري ، لَقَدْ لقحَتْ ، فَنَظِرَة رَيْثُمَا تُنْتِج ، ثم احْتَلُبوا مِلْءَ القَعْبِ دَماً عَبيطاً ، وَذعَافاً مُبِيداً ، هُنالِكَ يَخسَرُ المُبْطِلُونَ ، وَيُعْرَفُ التَّالُونَ ، غبَّ مَا سَنَّ الأوَّلُونَ ، ثُمَّ طِيبُوا عَن دُنْيَاكُم أنْفُساً ، وَاطْمَئِنُّوا للفِتْنَةِ جَأشاً ، وأبْشِرُوا بِسَيفٍ صَارِمٍ ، وَسَطْوَةِ مُعْتَدٍ غَاشِمٍ ، وَهَرَجٍ شَامِلٍ ، وَاسْتِبْدَادٍ مِنَ الظَّالِمِينَ .
يَدَعُ فَيئَكُمْ زَهيداً ، وَزَرْعَكُم حَصِيداً ، فَيَا حَسْرَتي لَكُمْ ، وَأنَّى بِكُمْ : ( فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) هود: ۲۸.)
فإذا لم يلتحق العراق بطريق الحرير وبناء ميناء الفاو فسوف يكون ما قالته الزهراء ( عليها السلام ) :( وأبْشِرُوا بِسَيفٍ صَارِمٍ ، وَسَطْوَةِ مُعْتَدٍ غَاشِمٍ ، وَهَرَجٍ شَامِلٍ ، وَاسْتِبْدَادٍ مِنَ الظَّالِمِينَ .
يَدَعُ فَيئَكُمْ زَهيداً ، وَزَرْعَكُم حَصِيداً)
ربما المقالة لا تعجب الكثيرين لكن هي هذه الحقيقة المُرّة .
وأسأل الله أن يجنب العراق وشعبه كل مكروه وبيده المقادير ويغير حالنا إلى أحسن حال .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ مظفر علي الركابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/02/02



كتابة تعليق لموضوع : وَيُعْرَفُ التَّالُونَ ، غبَّ مَا سَنَّ الأوَّلُونَ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net