وظيفتان من بين أهم الوظائف التي حدّدها القرآن الكريم لرسولنا الأمين ، هما : الإبلاغ والتبيين ..
قال تعالى ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) المائدة ٩٢ ، وقال تعالى ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) النحل ٨٢ .. بل هذه وظيفة جميع الرسل ، قال تعالى (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) ، وغيرها من الآيات التي جاءت بهذا المنطوق الذي يحصر ما على الرسول ، وهو البلاغ المقيّد بالمبين .
والكلام في لفظ " المُبين " - وهو إسم فاعل من بان - ، فتبليغ القرآن الكريم ، اي إيصاله ، يحتاج الى بيان - بمعنى وضوح - ألفاظه ومعانيه وسائر جوانبه وأسراره .. وتبليغ الرسالة يحتاج الى كشفٍ لمقاصدها ومضامينها .. وأمّا وسائل الكشف والتبيين هذا فمتعددة ، تارة تكون بالقول وتارة بالعمل ، وكل هذا تقوم به سنّة وسيرة الرسول الأكرم صلوات الله عليه والمعصومين من بعده وأمنائه على رسالته وشريعته التي جاء بها ..
من هنا يتبيّن لنا موقع السنّة في الإسلام ، فهي ليست قرآناً ثانٍ ، ولا نسخةً ثانية للشريعة ، وإنما هي تأخذ دور بيان القرآن وتبيين الرسالة ، وهي الجناح الثاني لوظيفة النبي الأكرم صلوات الله عليه والمتمِّم للتبليغ ..
فالكلام عن إسلامَين ، إسلام القرآن وإسلام الحديث (١) ، بات كلاماً غير ذي معنى وأساس ، الّا أن يراد بالحديث هنا أحد أمرين :
+ حديث منحول على النبي الأكرم - صلوات الله عليه - ، وهذا أصلاً ليس بحديث لأنه ينبغي أن لا يُضاف الى السنّة الاّ بعد أن يمرّ بقنوات تدقيق وتحقيق علمية وشرعية ..
+ أن يكون الخطأ ليس بأصل الحديث والسنّة وإنما بالقراءة ، فقد يكون الحديث صحيحاً ولكن الخطأ يقع في مرحلة فهم الحديث أو تطبيقاته ، وهذا ما لا ينبغي تحميل السنة تبعاته ..
وعلينا أن نعلم أن الرسول الأكرم صلوات الله عليه كما أنه عانى في مرحلة التبليغ ما عانى من تكذيب له وصدّ وعدم إيمان وأذى ..الخ كذلك عانى في مرحلة التبيين والتأويل ، وعانى معه المسلمون الاوائل ، وكما أنهم قاتلوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم من أجل تبليغ الرسالة فقد جاهدوا وقاتلوا كذلك في سبيل بيانها ..
وهذا ما تنبّأ به رسول الله صلوات الله عليه لأمير المؤمنين ع بقوله : { أنا أقاتل على تنزيل القرآن ، وعلي يقاتل على تأويل القرآن } (٢) ، وهل التأويل هنا إلا جانب من أهم جوانب تبيين البلاغ ..!! ، والتأريخ الإسلامي فيه مساحة واسعة لأحداث معارك التأويل الفكرية والكلامية ومعارك السيف ، وكلها - تقريباً - دار رحاها أهل البيت ع وأشياعهم .. والى الآن .
ولا تنقطع فترة تبيين القرآن الكريم ولا تقف عند زمانٍ ولا مكانٍ معينين ، فهي مستمرة بإستمرار وخلود الرسالة ، فإذا كانت مرحلة التبليغ قد توقفت عند موت النبي صلوات الله عليه فإن مرحلة التبيين لم تتوقف .. من هنا نعرف أهمية وضرورة وجود حَمَلة للدين وأمناء لشريعة سيد المرسلين وخلفاء لخاتم النبيين .. من هذه المفهومية وهذه الحركية تتآلف وتتناسق القاعدة التي ننطلق منها في تثبيت عقيدتنا في الإمامة ، ونظرتنا الى الفقهاء ومنظومة الاجتهاد والتقليد داخل مدرسة أهل البيت عليهم السلام ..
---------------
(١) انظر كتاب : من إسلام القرآن الى إسلام الحديث ، جورج طرابيشي
(٢) كنز العمال ١١ / ٦١٣
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat